لا ينتهي الجدل حول علاقة السلطة والحكم بالإسلام، وتكاد تكون المعضلة الفكرية الكبرى في العالمين العربي والإسلامي التي لا ينتهي النقاش حولها، بين من يراها علاقة حتمية، ويسعى إلى جعلها واقعاً، وبين من يرفضها، ويؤمن بأنها لا يجب أن تنشأ.
وبعيداً عن كل هذا الجدال التاريخي والفكري، نرصد في هذا التقرير أشهر أنظمة الحكم الجمهورية الحديثة التي اعتبرت نفسها أنظمة حكم إسلامية، وأقامت جمهوريات على هذا الأساس، وجعلت الشريعة الإسلامية “مصدر تشريعها وأساس حكمها”.
وبغض النظر عن التجربة وتقييمها ومدى صلتها واقعياً بالتشريع الإسلامي، وأوضاع الحريات في هذه الجمهوريات، وعلاقتها بدول الجوار والعالم، دعونا نتعرف إلى نماذج من هذه الجمهوريات:
الجمهورية الإسلامية الإيرانية
في أبريل/نيسان العام 1979، وعقب نجاح الثورة الإيرانية التي أطاحت بالشاه رضا بهلوي، أعلنت إيران تحولها لجمهورية إسلامية.
كان زعيم الثورة روح الله الخميني، قد دعا إلى استفتاء في مارس/آذار من نفس العام؛ ليختار الشعب هوية الدولة ونظام حكمها، الاستفتاء الذي أعلن فيه أكثر من 99% من المصوتين موافقتهم على قيام جمهورية إسلامية في إيران.
ويتكون هيكل الدولة السياسي من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، الذي ينص الدستور الإيراني على وجوب توفر صفات التقوى، والعدل، والشجاعة، والعلم الفقهي فيه، ويكون مسؤولاً عن وضع السياسات العامة للدولة، ويتولى قيادة القوات المسلحة، وجهاز الاستخبارات، ويتم انتخابه من مجلس يدعى مجلس خبراء القيادة.
ويأتي بعده رئيس الجمهورية، الذي يُنتخب كل أربع سنوات انتخاباً شعبياً مباشراً، كذلك يُنتخب أعضاء مجلس الشورى، ويكونون مسؤولين عن سَن التشريعات، شريطة عدم مخالفتها للدين والمذهب الشيعي، المذهب الرسمي للبلاد، وكذلك مراقبة تنفيذها من قبل رئيس الجمهورية والحكومة.
يبلغ عدد سكان إيران قرابة الـ80 مليون نسمة، 99% منهم مسلمون، ومعظمهم شيعة، والبقية سنة وبهائيون، وزرادشتيون، بالإضافة إلى مسيحيين ويهود.
الجمهورية الإسلامية الباكستانية
عقب استقلال باكستان عن الهند وعن دول الكومنولث العام 1947 وتولي محمد علي جناح رئاسة الحكومة، تعالت الأصوات المطالبة بضرورة اعتبار باكستان دولة إسلامية.
كان السبب الرئيس الذي نبعت منه فكرة استقلال باكستان هو رغبة مسلمي شبه القارة الهندية في وطن مستقل يمارسون فيه شعائرهم، بعيداً عن تحكم الطائفة الهندوسية، وتخلصاً من النزاعات والاقتتال الدائم معهم.
لذا حين تحقق هذا الهدف، تبنت الجماعة الإسلامية في باكستان، وعلى رأسها أبو الأعلى المودودي، المطالبة بالاحتكام إلى الشريعة الإسلامية، ونادى بتطبيق النظام الإسلامي في كثير من خطبه ودروسه، إلى أن حصلت باكستان العام 1956 على دستور يعتمد في كثير من بنوده على الشريعة الإسلامية، وسميت من يومها بالجمهورية الإسلامية الباكستانية.
وتعتمد باكستان نظام الفيدرالية في حكمها، بحكومة مركزية وأقاليم لها إدارة محلية، ولها رئيسها ووزراؤها وبرلمانها الخاص أيضاً، لكنها ترجع إدارياً إلى حكومتها الرئيسية في إسلام آباد، وهذه الأقاليم هي إقليم بنجاب وعاصمته لاهور، وإقليم السند وعاصمته كراتشي، وإقليم خيبر وعاصمته بيشاور، وإقليم بلوشستان وعاصمته كويته.
يبلغ عدد سكان باكستان قرابة الـ195 مليون نسمة، معظمهم من السنة، و20% من الشيعة، وبها أكبر عدد من الشيعة بعد إيران، وتوجد أقليات من المسيحيين والبهائيين والزرادشتيين والبوذيين.
الجمهورية الإسلامية الموريتانية
في مايو/أيار العام 1958، عُقد مؤتمر الوحدة الموريتانية، أو ما يعرف بمؤتمر ألاك، نسبة إلى مدينة ألاك التي احتضنته. وفي هذا المؤتمر، أُعلن اندماج حزبي “الاتحاد التقدمي الموريتاني”، و”حزب الوئام الموريتاني” في حزب واحد، وهو “حزب التجمع الموريتاني”.
وخلص المؤتمر إلى مجموعة من التوصيات الداعية للاستقلال الموريتاني، ورأب الصدع بين الجماعات والقبائل، واعتماد الشريعة الإسلامية في التشريعات وحل النزاعات، وتحسين نوعية التعليم وجودته خاصة باللغة العربية، وجعلها اللغة الرسمية للبلاد، وإقرار العدالة بين البيضان، “العرب الموريتانيين” والزنوج، في الضرائب والموقف من الخدمة العسكرية، واختير “المختار ولد داداه” رئيساً للوزراء.
يبلغ عدد سكان موريتانيا قرابة 4 ملايين نسمة، 80% منهم عرب أو ما يعرف بـ”البيضان” و20% من الأفارقة الزنوج، الذين تعود أصول معظمهم إلى السنغال.
يدين جميع سكان البلاد بالدين الإسلامي على المذهب السني، وتوجد جاليات سنغالية ومالية مسيحية. وتعد اللغة العربية اللغة الرسمية للبلاد، وإن كانت الفرنسية هي الأكثر شيوعاً في المعاملات الحكومية.
تعرَّضت البلاد لعدد من الانقلابات العسكرية، كان آخرها الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال محمد ولد عبد العزيز، مدير الديوان العسكري لرئيس الجمهورية، الذي أطاح بالرئيس المدني المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله العام 2008.
جمهورية أفغانستان الإسلامية
بعد انسحاب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان العام 1989، دخلت الجماعات الإسلامية، أو ما يعرف بـ”المجاهدين”، في حروب ونزاعات بينهم؛ تمكنت إثر ذلك حركة طالبان من السيطرة على حكم البلاد، حتى أطاح بها الغزو الأميركي لأفغانستان العام 2001.
وبعد مباحثات بين المجتمع الدولي وقيادات التيارات والفصائل الأفغانية، تشكلت حكومة انتقالية كلفت بدورها لجنة لصياغة دستور للبلاد. وفي 2004، خرج الدستور الأفغاني الجديد للنور، وصدقت عليه الجمعية الوطنية الأفغانية.
نص الدستور على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، وأسس لجمهورية إسلامية، مع الالتزام بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتعهد بمكافحة الإرهاب والتطرف.
وبحسب الدستور، يعد رئيس الجمهورية رأس الدولة، وتمتد فترة رئاسته إلى خمس سنوات، وتعد “اللويا جيرغا” أعلى هيئة تشريعية في البلاد، ويناط بها مسائل السيادة الوطنية، أو أية تعديلات دستورية، وكذلك النظر في القضايا والاتهامات التي توجه إلى رئيس الجمهورية.
يتكون سكان أفغانستان من عدة أعراق، أبرزها البشتون أو الأفغان وهم الأغلبية، والطاجيك ويشكلون 25% تقريباً من السكان، بالإضافة إلى التركمان والأوزبك.
ويدين 99% من السكان بالإسلام، معظمهم من السنة، باستثناء أقلية شيعية تتواجد في المنطقة الحدودية مع إيران.
جمهورية غامبيا الإسلامية
“غامبيا.. في يدي الله، وابتداء من اليوم فإن غامبيا دولة إسلامية، وسنكون دولة إسلامية تحترم حقوق المواطنين”
كان هذا ما أعلنه رئيس غامبيا يحيى جامع، في ديسمبر/كانون الأول العام 2015، وقال إن الغالبية العظمى من سكان هذه البلاد يدينون بالإسلام؛ لذا فإن من حق غامبيا التماشي مع هويتها، والتخلص من إرثها الاستعماري، إلا أنه طمأن الأقليات الدينية الأخرى، وذكر أن من حق النساء في البلاد ارتداء ما يشأن.
حكم يحيى جامع البلاد 22 عاماً، منذ انقلابه العسكري العام 1994، وأعيد انتخابه مرتين، في عامي 2006، و2011، وواجهت إدارته للبلاد اتهامات عدة بتقييد حرية التعبير والصحافة وخنق المجال العام.
خاض جامع انتخابات العام 2016، لكنه هُزم فيها أمام مرشح المعارضة أداما بارو، واضطر إلى تسليم السلطة بعد امتناعه لفترة، وادعائه بوجود مخالفات شابت العملية الانتخابية.
وجاء ذلك بعد أن لجأ منافسه بارو إلى السنغال، وأدى القسم الرئاسي في السفارة الغامبية، كما دخلت قوات عسكرية من عدة دول غربي إفريقيا، من ضمنها السنغال لغامبيا، وهدَّدت بالإطاحة بجامع بالقوة إذا رفض التخلي عن منصبه لصالح الرئيس المنتخب الجديد بارو، فقرر التخلي عن السلطة بعد محادثات أجراها مع الرئيسين الموريتاني والغيني.
وتقع غامبيا في غرب إفريقيا، عاصمتها بنجول، وتعد بلداً صغيراً، إذ لا تتعدى مساحتها 11.300كم2، ويدين 90% من السكان بالدين الإسلامي، وينص دستورها على احترام ديانات الأقليات الأخرى.
جمهورية القذافي العربية الإسلامية “الأقصر”
وهي الجمهورية الأَقْصَر عمراً في التاريخ! إذا لم يقدر لها العيش أطول من 24 ساعة فقط!
ففي يناير/كانون الثاني العام 1974، وخلال زيارة للرئيس الليبي الراحل معمر القذافي إلى تونس، أعلن قيام وحدة بين تونس وليبيا، تحت مسمى الجمهورية العربية الإسلامية؛ وهو ما عرف بـ”اتفاق جربة”، نسبة إلى جزيرة جربة التونسية التي شهدت إعلان هذه الوحدة.
نصَّ الاتفاق على قيام وحدة بين البلدين، يكون بموجبها الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة رئيساً للجمهورية الجديدة، ويتولى معمر القذافي منصب نائب الرئيس، إلى جانب مسؤوليتي الدفاع والجيش.
نقض الرئيس التونسي بورقيبة الاتفاق بعد 24 ساعة فقط، دون أن يعلم أحد على وجه الدقة كيف ومن أين أتت فكرة قيامه ولماذا تم نقضه!
وتتحدث روايات عن مخاوف نقلها المحيطون بالحبيب بورقيبة من هذه الوحدة، ومن قيام معمر القذافي بالانقلاب عليه، باعتباره يمتلك مسؤوليات الجيش والدفاع، وأخرى تتحدث عن تدخلات خارجية، خاصة من فرنسا لمنع حدوث هذه الوحدة؛ فطالب الرئيس التونسي ليبيا بتسليم نسخة هذه الاتفاقية خشية محاولة ليبيا فرض أمر الوحدة بالقوة في حال وفاة الرئيس بورقيبة، بحسب ما ذكره أحمد قذاف الدم، المنسق السابق للعلاقات الليبية المصرية.