التصور العلماني نقيض للتصور الإسلامي – د. علي ولد محفوظ

0
318

مع أننا في غنى عن استيراد تصورات ونظم مناقضة لتصورنا الإسلامي الشامخ الراسخ فإن بعضا من بني جلدتنا – للأسف – فتنوا بما يسمى المنهج العلماني في الاقتصاد والسياسة والحكم.. هذا المنهج المناقض للإسلام في التصور، المناقض للنظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الإسلام..

انبهر – أسفا – بعضٌ من بني جلدتنا بالزخرف الغربي البراق مع حالة الضعف في بلدانهم.. وظنوا وهما أن سر ذلك التقدم هو اعتماد العقائد العلمانية، وترجموا علمانيتهم استبدادا بالرأي واستهزاء بالآخرين وإقصاء وإلغاء.. وهبوا بأقلام حداد يسلقون من لا يوافقهم الرأي وينسبون لأنفسهم الحقيقة المطلقة كقوم آخرين..

فإن كان إنما أعجبهم من العلمانية “حريتها” فكيف يمنعونها غيرهم، ولحرية نظم الإسلام خير وأبقى وأبعد عن الفوضى لو كانوا يعلمون..

وإن كان إنما أعجبهم من العلمانية “ديمقراطيتها” فكيف يخالفونها حين تخرج نتائجها رأيا غير علماني، أو هي صنم التمر لدى المشركين معبود ومأكول ..

يتوهمون “العلمانية” منهج حياد يقف وسطا بين الديانات، وهي في الحقيقة دين وتصور للحياة يستتبع كبقية التصورات التصرفات الناشئة عن تلك التصورات ..

إن الناظر – بادئ الرأي – في التصور الإسلامي ليدرك انتظامه لكل مجالات الحياة وتنظيمه لها .. لا يوافق الإسلام التصورين النصراني والعلماني في فصل الدنيا عن الآخرة وإبعاد الدولة عن القيم والمبادئ ..

إن الإسلام لمنهج متكامل ينظر إلى الكون نظرة موحدة تنتظم سنن الكون وسير الحياة ومبادئ الشريعة وتجعل من الحياة مجال تصالح ووئام لا ساحة تصادم وخصام ..

الإسلام تصور شامل ينتظم مناحي تصرف الإنسان ومجالات حياة الناس، ولا تنفك فيه المشاعر عن الشعائر ولا الشعائر عن نظام الحياة العام بكلياته وجزئياته ..

للإسلام نظام شعائر يترجم السرائر، ونظام حياة يعكس الضمائر، وهي كل لا يتفرق وجميع لا ينفصل وكمال لا ينفصم وجلال لا ينحني وجمال لا يشينه مر الزمان ولا تباعد المكان ولا تنوع الأعصار والأمصار ..

للإسلام نظام اقتصادي مؤمن لا ملحد، موحد لا معدد، إنساني اجتماعي، يراعي الفرد والمجتمع ويعتبر الضعيف والفقير، ويعطي حق الملكية منضبطا منظما لا منخرما منفلتا بفوضى “حرية” متوهمة ..

يعتبر الفوارق اعتبارا إيجابيا ولا يستغرق في مساواة عمياء تنافي العدل والبصيرة، يتوهمها الجاهل في الظاهر عدلا محضا وهي في الحقيقة جور وعدل عن مقتضى الحكمة ..

للإسلام نظام سياسي حكيم؛ يوازي بين مثالية مطلوبة وواقعية موجودة، يحفظ للإنسان كرامته، ويهبه قيمته، ولا يرى الإسلام السياسة شرا مستطيرا ولا لوثة باطل وخداع ووسيلة شهرة وكسب تضل الناس سواء السبيل، بل يراها وسيلة شرعية خلقها الله طاهرة شريفة، نظيفة منيفة، لكن قوما مارسوها بأغراض سيئة، وجعلوها وسيلة إلى كل زور وخداع كما يفعلون في جوانب حياتهم الأخرى، فاللوم عليهم لا على السياسة، والعيب فيهم لا في السياسة، ولقد كانت سياسة العهد النبوي وسياسة العهد الراشدي للدولة نموذجا بشريا فريدا ليس في تاريخ الإسلام فحسب، وإنما في التاريخ الإنساني كله، ولقد شهد بذلك منصفون من خارج منظومة الحضارة الإسلامية ..

للإسلام نظام قضائي جنائي، عاقب بالقتل مدروءا بالشبهات في حالات محدودة إيذانا بقيمة الحياة، وأوكل لاجتهاد الحاكم العقاب بالرق في حالات الحرب الاستثنائية إذا توفرت ضوابط احترام الإنسانية وتحقيق مصلحة عامة إيذانا بقيمة الحرية، لكن الأخيرة ليست حدا فهي في الإلغاء أولى، ولا سيما في زمننا الذي يتجه فيه الناس لاعتماد ميثاق عرف بشري يمنع الاستغلال، على ما في التطبيق من ثغرات وتعثرات، والإسلام أولى بذلك فلا خطة خير تحقق السعادة للناس إلا والإسلام في مركزها تأسيسا وتطبيقا ..

فالحياة والحرية مقصدان إسلاميان ثابتان لا تزعزهما العقوبة بضدهما المحدودة نظرا المعدومة تطبيقا.. للإسلام نظام أسري ينظم الحقوق والواجبات بمثالية وواقعية تصل حد الإعجاز في الدقة والحكمة والإحكام والتفصيل، يهب لكل ذي حق حقه على ما تقتضيه الحكمة..

للإسلام مبادئه الكبرى وكلياته العامة ومقاصده التي تؤول إليها الفروع والأحداث المتجددة، حيث تحقيق كبرى المصلحتين ودرء كبرى المفسدتين..

عظم الإسلام قيمة الحقوق الإنسانية وفرض العدل والصدق والوفاء وحميد الخصال وجميل الخلال ومنع الظلم بكل تجلياته والزور وقبيح الأقوال والأفعال. وبعد فهل نحن بحاجة لاستيراد العدالة من نظام المنهج العلماني؟

إنها أحكام جاهلية قاصرة مليئة بالثغرات المخلة والعثرات المضلة.

{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.