بشارات من محنة فوز “ترامب”

0
294
الكاتب/ محمد الأمين ولد الفاضل
الكاتب/ محمد الأمين ولد الفاضل

لقد أصيب العالم كله بصدمة وبخيبة أمل كبيرة بعد الإعلان عن فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب برئاسة أمريكا، ولقد كانت الصدمة أشد وقعا في منطقتنا العربية والإسلامية، ولذلك فلم يكن غريبا أن يتفجر سيل عارم من التدوينات والمقالات والتحليلات التي ركزت في مجملها على الجانب المظلم

 في محنة فوز ترامب متجاهلة بذلك بأنه لا توجد محنة إلا وفي طياتها شيء من منحة،  قل أو كثر. ونظرا لصعوبة تصديق وجود مثقال ذرة من خير في فوز دونالد ترامب، فلا بأس من قبل التحدث عن البشارات التي حملتها محنة فوز ترامب، أن أحكي لكم هذه الحكاية.

تقول الحكاية بأن سفينة تحطمت في بحر ومات جميع ركابها باستثناء راكب واحد تعلق بلوح خشبي من حطام السفينة، وقد أوصله ذلك اللوح إلى جزيرة نائية لم يستوطنها من قبله بشر.
ظل الراكب الناجي بعد وصوله إلى تلك الجزيرة النائية يذهب في صباح كل يوم إلى جبل في الجزيرة ويتسلقه، وكان كلما وصل إلى قمة الجبل أخذ يقلب بصره إلى كل الجهات بحثا عن سفينة قد تلوح في الأفق، وكان في بعض الأحيان يصرخ بأعلى صوته عسى أن يُسمع صراخه.
وبعد مرور أيام وأسابيع بدأ اليأس يتسلل إلى نفس الراكب الناجي فقرر أن يستسلم للأمر الواقع، وما كان منه إلا أن أخذ يقطع الأشجار ليبني بجذوعها وأوراقها كوخا يقيه من ألسنة البرد القارس، ويحميه من أشعة الشمس الحارة.
أكمل الراكب بناء كوخه، وفي يوم من الأيام وبعد أن أوقد نارا أمام الكوخ، ذهب إلى الجبل، وبينما هو يلتفت ذات اليمين وذات الشمال بحثا عن منقذ فإذا به يفاجأ بكوخه يحترق.
لم يتحمل الراكب الناجي المشهد فأخذ يبكي ويصرخ ويندب حظه، وظل على ذلك الحال حتى استسلم لنوم عميق استيقظ من بعده على قبطان سفينة يوقظه، وكانت تلك مفاجأة كبيرة له، وما كان منه بعد أن فرك عينيه وتأكد بأنه لا يعيش أضغاث أحلام، إلا أن سأل القبطان قائلا :
ـ كيف وصلت إلى هنا؟
أجاب القبطان :
ـ لقد شاهدت ألسنة النيران تصعد إلى السماء، فعلمت بأن هناك من يستغيث، فما كان مني إلا أن غيرت اتجاه السفينة في اتجاه هذه الجزيرة التي ما كنت أعتقد بأنها مأهولة.
لقد كان اشتعال الكوخ بمثابة نداء استغاثة لم يستوعبه ذلك الراكب الناجي، فهو لم يكن يعلم بأن إشعال النيران وارتفاع أعمدة الدخان يعدان من أهم نداءات الاستغاثة التي يلجأ إليها المنكوبون في البحار، ولو كان يعلم ذلك لبادر إلى إشعال كوخه بدلا من الحزن على اشتعاله.
إن حالنا في العالم العربي قد لا يختلف كثيرا عن حال هذا الراكب، فجل سفننا قد تحطمت أو تكاد، وأغلب بلداننا قد احترقت أو تكاد، ونحن منذ مدة لم يعد لدينا ما نفعله سوى أن نرفع أصواتنا بالصراخ طلبا للاستغاثة، ولكن مشكلتنا هي أننا نطلب الإغاثة ممن كان هو السبب فيما وصلنا إليه من خراب. إن الحكومات الأمريكية المتعاقبة هي التي حطمت سفننا، ومع ذلك فقد تعودنا مع كل انتخابات أمريكية أن نجدد الأمل، وأن نحلم بأن أحوالنا ستتحسن مع فوز هذا المرشح أو ذاك.
فمع فوز باراك أوبوما أيقن الكثير منا بأن حالنا سيتغير نحو الأحسن، وَلِم لا يتغير نحو الأحسن وأمريكا بعظمتها قد انتخبت رئيسا أسود من أصول افريقية؟ ذلك ما توقعناه يوم فاز المرشح أوبوما، ولكن، وفي عهد أوبوما، ازداد حالنا سوءا، وتحطمت في عهده سفن عربية كثيرة، وخرقت سفن عربية أخرى وهي الآن على وشك أن تتحطم في بحر أمانينا. هذا هو ما حصل في عهد الرئيس الأمريكي الذي استبشرنا بفوزه أكثر من غيره، ولكن ذلك لم يجعلنا نتوقف عن هذه العادة الساذجة، ولذلك فقد علقنا آمالا طوالا عراضا على نجاح المرشحة هيلاري كلينتون، ولما فشلت هذه المرشحة أخذنا نندب من جديد حظنا العاثر، وكأن نجاحها كان سيغير شيئا من حالنا.
في اعتقادي بأن هناك بشارات عديدة حملتها خسارة هيلاري وفوز ترامب، ومن يدري فربما يرتفع الدخان في سماء أمريكا من بعد فوز ترامب، وارتفاع الدخان بالنسبة للغرقى ليس دائما نذير شؤم.
قد يرتفع الدخان في أمريكا بسبب حماقات ترامب، فالقول بأن أمريكا هي دولة مؤسسات وبأن الرئيس لا يمكن أن يغير شيئا في سياستها الخارجية ليس بالقول الصحيح، كما أن القول بأن الرئيس الأمريكي بإمكانه أن يغير كل شيء في أمريكا ليس أيضا بالقول الصحيح. إن هناك هامشا متاحا من التحرك يسمح لكل رئيس أمريكي أن يترك بصمته الخاصة في السياسة الخارجية لأمريكا، وإذا ما تيسر لترامب أن يترك بصمته الخاصة، فإن تلك البصمة ستشغل الأمريكيين في أنفسهم من قبل أن تشغل غيرهم، وربما تكون هذه الاحتجاجات الرافضة لفوز ترامب، والتي انطلقت في وقت مبكر من بعد فوزه هي بداية لعهد جديد من الاحتجاجات ومن القلاقل الداخلية، وسيكون اتساع تلك الاحتجاجات بمثابة الدخان الذي يحمل  بشائر الفرج، فانشغال أمريكا في نفسها قد يخفف من حجم ما تحيكه ضد منطقتنا من مؤامرات.
إن أهم ما في فوز ترامب هو أنه سيجلنا كعرب (شعوبا وحكومات) لا نتوقع خيرا من أمريكا، على الأقل في السنوات الأربع القادمة، أو هكذا يفترض أن تكون الأمور. ومن الراجح بأن ترامب لن يجاملنا، ولن يطعمنا سما وهو يبتسم، كما كان يفعل أسلافه، إنه سيكشر في وجوهنا من قبل أن يطعمنا سما، وإن في ذلك لخير كثير.
في عهد ترامب لن نعول كثيرا على أمريكا، وربما يجعلنا ذلك ننظر في إمكانيتنا وقدراتنا الذاتية، فنعمل على استغلالها  لكي نتجاوز هذه المرحلة الحرجة التي نمر بها شعوبا وحكومات، وأقول حكومات، وأخص بالذات تلك الحكومات التي أبدعت في إظهار الخنوع والتودد لأمريكا.
إنه علينا أن نستبشر خيرا بفوز رئيس تم وصفه من طرف النخب الأمريكية بالمجنون وبالعديم الخبرة، وذلك لأننا قد جربنا من قبله رؤساء “عقلاء” تعاقبوا على حكم أمريكا ولم يجلبوا لنا في هذه المنطقة من العالم إلا الخراب والدمار، فلِم لا نتفاءل قليلا، ونحن في هذه المرة سنجرب رئيسا مختلفا يقول الكثير من الأمريكيين بأنه مجنون وأحمق وبلا خبرة.
حفظ الله موريتانيا..