[تقرير] أبرز مواضيع الخلاف بين موريتانيا والسنغال.. قبيل وصول الرئيس السنغالي

0
394

صل نواكشوط غدا الخميس 07 – 02 – 2018 الرئيس السنغالي ماكي صال، في زيارة تأتي استجابة لدعوة من الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز عبر رسالة خطية حملها وزير النفط والطاقة والمعادن، وسيجد الرئيسان على طاولة محادثتهما العديد من الملفات التي تقف حجر عثر  في المجرى الطبيعي للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

مسار العلاقات بين البلدين عرف خلال السنوات الأخيرة تأرجحا، ظل التوتر فيها صامتا في أغلب الأحيان، دون أن يمنع ذلك من تبادل قادة البلدين رسائل بدت غير مشفرة في بعض الملفات، ويشكل اجتماع الخميس فرصة لوضع البلدين النقاط على الحروف في ملفات عديدة، بعضها جديد كملف الغاز في الحدود بين البلدين، وبعضهما قديم متجدد كملف صيد السنغاليين في المياه الإقليمية الموريتانية، وكذا رعي الموريتانيين لقطعان حيواناتهم في الأراضي السنغالية، كما يبرز ملف النفوذ الإقليمي كأحد مجالات التنافس والخلاف بين البلدين.

 ويكشف “تاريخ” العلاقات بين موريتانيا والسنغال خلال العقود الأخيرة “حتمية” عودة الدفء إليها مهما كانت درجة الصقيع التي وصلتها، حيث تعرضت خلالها لهزات عديدة وعنيفة أحيانا، لكن سرعان مع تعود بعدها لسابق عهدها، وينتصر التاريخ والجغرافيا والتداخل البشري على الخلافات السياسية.

من الصيد كانت الشرارة

يعتبر ملف الصيد من الملفات البارزة والمؤثرة في علاقات البلدين، وتعود له شرارة للتطور الأخير في علاقاتهما، حيث قتل خفر السواحل الموريتانيين يوم السبت 27 يناير المنصرم صيادا سنغاليا، ويوم الاثنين 29 يناير عرفت مدينة سينلوي السنغالية احتجاجية استهدفت متاجر موريتانيين، وتم نهب أحدهم بالكامل.

لكن هذا الحادث الذي أثار الشرارة الأخيرة لم يكن سوى حلقة من مسلسل أزمة متصاعدة بين البلدين في ملف الصيد، بدأت منذ فبراير 2016، حيث أوقفت موريتانيا آنذاك صيد القوارب السنغالية في مياهها، وكان قرارها مصحوبا بأوامر لرجال الأمن بعدم استخدام الرصاص في مطاردة القوارب السنغالية المخالفة.

وجاء القرار الموريتاني إثر إجراء السلطات الموريتانية لتقييم لحجم عائداتها الاقتصادية من الصيد الذي يمارسه الصيادون السنغاليون في المياه الإقليمية الموريتانية، حيث كشف التقييم أن الصياديين يأخذون سنويا حوالي 50 ألف طن، في حين أن ما تدفعه السلطات السنغالية لموريتانيا لا يتجاوز  250 ألف يورو، وهو ما رأت السلطات الموريتانية أنه يبدو كما لو كان تعويضا رمزيا، حيث لا يتجاوز سعر الطن – بهذا العائد – 50 أورو فقط، ويعني ذلك أن كلغ السمك يصل السنغال بسعر لا يتجاوز 20 أوقية.

كما أعلنت الحكومة الموريتانية عن عملية تحديث الشاملة لنظم الصيد في موريتانيا، وخصوصا مدونة الصيد، وبناء على هذا التحديث تم تقسيم الصيد لنوعين هما:

  1. الصيد الأجنبي: ويلزم العاملون فيه بإفراغ حمولتهم في سفن في البحر تحت مراقبة السلطات الموريتانية، للتأكد من موافقة حمولتها للقوانين الموريتانية، وعيناتها، وما إذا كانت مرخصة للزبون الأجنبي، وفق الاتفاق الموقع بين الطرفين.

وقد طبقت موريتانيا هذا الأمر على السفن الأجنبية العاملة في مياهها الإقليمية، وغرمت السفن التي سجلت عليها مخالفات، وصادرت كمياتها، حيث تقوم بتوزيع هذه الكميات في المدن الداخلية بأسعار مخفضة، كما سعت لاقتناء تجهيزات للبحرية لمراقبة المياه الموريتاني.

  1.  الصيد الموريتاني (وهو الذي يعمل فيها موريتانيون بآليات موريتانية)، وقد تم إلزامهم بالتفريغ في الشواطئ الموريتانية قبل بيع الكميات التي حصلوا عليها، حيث يتم معرفة مدى مطابقتها للقوانين الواردة في مدونة الصيد الموريتاني.

تأرجح تصنيف السنغال

السلطات الموريتانية سعت للتعامل مع أمر واقع يمنح السنغاليين خصوصية في المياه الإقليمية الموريتانية، وقد سعت السلطات الموريتانية – حسب مصادر دبلوماسية – إلى منح السنغال ميزة تفضيلية عن الصيد الأجنبي، حيث أبلغت السلطات السنغالية بهذه الخصوصية المتمثلة في صيغة وصفت من طرف موريتانيا بأنها تشبه الصيغة الممنوحة للصيادين الموريتانيين، وتضمنت إنشاء ميناء شبه خاص في مدينة انجاكو (15 كلم من السنغال)، يفرغ فيها الصيادون السنغاليون حملتهم وتراقبها السلطات الموريتانية قبل توصيلها إلى السنغال.

وقد رفضت السنغال هذه المبادرة من الحكومة الموريتانية، وأبقت موريتانيا رقابتها على الصيادين السنغاليين في عمق المياه الموريتانية، كما جددت السلطات الموريتانية أوامرها لأفراد خفر السواحل بتجنب استخدام الرصاص الحي خلال مطاردة القوارب السنغالية التي تصيد بشكل مخالف للقوانين في المياه الإقليمية الموريتانية.

ويكشف البيان الذي أصدره الجيش الموريتاني عقب الحادثة الأخيرة حجم “المناوشات” الحاصلة في هذا الملف، حيث كشف عن تنفيذ البحرية الوطنية وخفر السواحل خلال 2017 أكثر من 62 عملية اعتراض تمكنت خلالها من توقيف 108 زورقا و930 صيادا.

ويشكل هذا الملف أحد “مؤرقات” علاقات البلدين، كما سيشكل أحد الملفات الرئيسية على طاولة الرئيسين غدا الخميس، إن لم يكن الملف الرئيسي، حيث تسعى السنغال للسماح لصياديها بالعودة لوضعهم السابق بتفريغ حمولة قواربهم في السنغال، في حين ترى موريتانيا أن مدونتها للصيد لا تسمح بذلك.

الغاز.. الوافد الجديد..

يشكل ملف استخراج الغاز من المنطقة الحدودية بين البلدين أحد الملفات الرئيسية بينهما، فقد عرفت السنوات الأخيرة اكتشاف مقدرات كبيرة من المحروقات السائلة، وخاصة من الغاز، في المنطقة الحدودية المشتركة بين موريتانيا والسنغال، وكان أبرز الاكتشافات ما توصلت إليه “كوسموس أنرجي”، والتي تعاقدت لاحقا عملاق النفط “بريتيش بتروليوم”.

ورغم تقدم أشغال استخراج الغاز من هذه المنطقة، بل والحديث عن تاريخ محدد لبدء الاستخراج إلا أن سلطات البلدين لم تتوصل بعد إلى اتفاق لتسيير الملف، واكتفتا – حسب مصادر في الشركة – بحديث عام يؤكد أنهما لن يختلفا في تسييره حين يصبح واقعا.

وتقع بعد حقول الغاز التي تم اكتشافها في المياه الإقليمية الموريتانية حصرا، فيما يقع بعضها في المياه السنغالية، لكن الإشكال الذي يحتاج نقاشا بين قادة البلدين هو الحقول المشتركة بينهما في مياه المحيط بين البلدين.

قطعان مواشي موريتانيا

ملف آخر يشكل أحد الملفات الرئيسية في علاقات البلدين، وهو ملف استفادة منمي موريتانيا من المراعي السنغال، ويتزايد الاهتمام بهذا الملف مع تراجع الغطاء النباتي في موريتانيا في ظل العجز المسجل في الأمطار خلال السنة الحالية.

ويرتبط البلدان باتفاقية في هذا المجال، تحدد المواقيت الزمنية لدخول القطعان وخروجها، وتعود للعام 1974، غير أن الأوضاع على الأرض كانت تأخذ مناحي أخرى قد تبتعد كثيرا عن نصوص الاتفاقية بين البلدين، حيث ترى السنغال أن القطعان التي تدخل من موريتانيا تتجاوز بأضعاف الأعداد المتفق عليها بين البلدين، كما أنها لا تلتزم بالتواريخ المحددة للدخول والخروج المنصوصة في الاتفاقية.

وقد أقام البلدان لجنة مشتركة بينهما لإدارة الثروة الحيوانية بينهما، ولها اجتماع سنوي لنقاش مستجدات الملف، غير أن هذا الاجتماع الدوري توقف منذ مايو 2015، ومن الخلاصات التي توصلت لها حينها أن تقوم كل دولة بإحصاء ثروتها الحيوانية في البلد الآخر، وقد تأجل اجتماعها مايو 2016 حيث كان مقررا أن يتم في العاصمة السنغالية داكار، غير أن الأخيرة لم تدع إليه، كما أنها – حسب المصادر الموريتانية – لم تقم بإحصاء ثروتها الحيوانية الموجودة على الأراضي الموريتانية.

وتقدر الثروة الحيوانية لموريتانيا في الأراضي السنغالية بـ10 آلاف رأس من الإبل، فيما تقدر الثروة الحيوانية السنغالية على الأراضي الموريتانية بـ10 آلاف بقرة.

ومن المحطات البارزة في هذا الملف القرار الذي أصدرته السنغال بداية يوليو 2016 بإبعاد قطعان الإبل الموريتانية وبشكل متزامن، خلالها لإبعادها بشكل متدرج كما كان يقع سابقا، وهو ما أبدت مصادر موريتانية – آنذاك – استغرابها له ، وكذا من مستوى الصرامة فيه.

الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز علق – آنذاك – على القرار السنغالي في تصريحات من مدينة روصو الحدودية، مؤكدا احترام موريتانيا لقرار السنغال بإبعاد قطعان الإبل الموريتانية، ووصفه بـ”القرار السيادي”، مشددا على أن “موريتانيا ستحترمه”.

وقد تراجعت السنغال لاحقا عن القرار، غير أن الملف ظل أحد الملفات الرئيسية، في العلاقات بين البلدين، ولم يتم إلى التوصل لاتفاق نهائي بشأنه، ويربط – بشكل ما – بملف صيد السنغاليين في المياه الموريتانية تهدئة وتصعيدا.

اللعب في الساحة الداخلية

ملف آخر، لا يستبعد أن يحضر على طاولة المفاوضات بين الرجلين في نواكشوط، فقد اتهمت نواكشوط داكار أكثر من مرة بفتح المجال أمام معارضين للنظام لتنظيم أنشطة مناوئة لها، كما أوفدت نواكشوط وفدا ضم عدة عمد، وكان على رأسه رئيس رابطة العمد الموريتانيين، والصديق الشخصي للرئيس ولد عبد العزيز العقيد المتقاعد الشيخ ولد بايه لزيارة القيادي السياسي المعارض في السنغال خليفة صال في سجنه في نواكشوط.

وقام الوفد الوفد السياسي الموريتاني الذي ضم عددا من العمد الموريتانيين هم – فضلا عن ولد بايه – (بيجل ولد هميد عمدة انجاكو، ورئيس حزب الوئام، وختار ولد الشيخ أحمد عمدة بلدية لحريجات بولاية الحوض الغربي، وخاليدو سيلا عمدة بلدية غابو بولاية كيدماغا، وعبد الله با، عمدة بلدية بابابي بولاية البراكنة)، بزيارة القيادي السياسي السنغالي وعمدة داكار بداية شهر إبريل الماضي.

وقد طرحت الزيارة أكثر من سؤال، حول مدى إمكانية قيام سياسيين سينغاليين، وشخصيات مقربة من الرئيس السنغالي بزيارة سجناء سياسيين في سجون نواكشوط.

منتصف العام المنصرم جرى الحديث عن توصيل نواكشوط رسالة احتجاج إلى داكار من نشاط عدد من المعارضين الموريتانيين في السنغال، وقد حذرت السنغال أكتوبر الماضي رئيس مبادرة “انبعاث” الحركة الانعتاقية “إيرا” بيرام ولد الداه ولد اعبيدي من حضور مؤتمر صحفي كان ينوي حضوره في داكار بالتعاون مع منظمات حقوقية سنغالية.

كما سُرب في نواكشوط تسجيل منسوب للسياسي الموريتاني المصطفى ولد الإمام الشافعي يتحدث فيه عن محاولة اختطافه من طرف الأمن الموريتاني أثناء وجوده في داكار.

ويتواصل الحديث عن اللعب في الملفات الداخلية من قبل كلا البلدين، وهو ما يرشح هذا الملف للدخول ضمن الملفات الموضوعة على جدول أعمال الرئيسين الموريتاني والسنغالي غدا الخميس.

صراع النفوذ الإقليمي

خامس الملفات العالقة في مسار علاقات البلدين، هو ملف النفوذ الإقليمي، حيث خلق الحراك الدبلوماسي الموريتاني خلال السنوات الأخيرة ملفات رشحت هذا الملف للعودة للواجهة، وكان إحدى حلقاته في غامبيا بداية العام المنصرم، حيث يرى دبلوماسيون موريتانيون أن دفع السنغال بقواتها تحت يافطة “الإكواس” حد من ألق الوساطة الموريتانية التي نزعت فتيل الأزمة من هذا البلد المرتبط بعلاقات عميقة موريتانيا.

كما برزت مجموعة دول الساحل الخمس كعنوان للنفوذ الإقليمي، وتواجه السنغال عقبات في الالتحاق به رغم الضغوط الفرنسية المتزايدة من أجل ضم الحليف القديم لهذا التجمع الإقليمي المرشح لأدوار أمنية وتنموية متزايدة.

هيئة إقليمية أخرى هي “المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا- الإكواس” تشكل أحد عناوين التدافع الإقليمي، حيث أبدت موريتانيا العام الماضي رغبتها في العودة إليها بعد سنوات من الانسحاب لها، لكن الملف الموريتاني ما زال يسير بوتيرة تدفع للاعتقاد بأن جهة ما نافذة في هذه المجموعة لا ترغب في استعادة موريتانيا لدورها دون ثمن.

ملفات عديدة، ومتشابكة، تنتظر الحسم أو الحلحلة من الرئيسين الموريتاني والسنغالي خلال قمة نواكشوط الخميس 08 – 02 – 2017، وتتداخل فيها السياسية بالاقتصاد، فيما لا يستبعد أن يكون للبعد السياسي دور أبرز في نقاشهما، مع التخوف من تحول تناول هذه الملفات إلى عناوين في الاستحقاقات الانتخابية التي تظلل الساحة السياسية في كلا البلدين.

المصدر