من داخل محبسه.. عبد الرحمن طوطو يرد على تدوينة ابنته

0
324

“إبنتي وصديقتي وحبيبتي..أبلغتني والدتك في زيارتها الأخيرة بما كتبت على صفحتك، تحت عنوان (عجيب هو أبي!).

حبيبتي..
ليس المقام مقام عتب عليك، فأنا أحس حتى أخمص قدميّ مدى الألم الذي تشعرين به لغيابي عنك، وعن أخواتك، وعن حبيبتي والدتكن، وعن إخوتي وأهلي وأحبابي، لكن ذلك لا يمنعني، ياحبي، من أن أكتب لك رأيي فيما نشرتِ على صفحتكِ. فعقارب الساعة لا تتوقف، أو على الأقل تدور أسرع في عالمك الآن، مقارنة بعالمي.

حبيبتي..
أنا لا أعامل، ولا أحاسب الناس على تصرفاتهم أو نواياهم.
لأن التصرفات السيئة إنما هي نتيجة لخطأ مني أو خطأ منهم، وفي كلتا الحالتين لا يعالج خطأ بخطأ، وإلا، فما فائدة العقل الذي حبانا به ربنا.
وأما النوايا فلا يحاسب عليها إلا الخالق المطلع على حقائقها.
ثم إن ما تبقى من حياتي لا أريده للخصام والعتاب، لأنني أوفره لأغدقكن به حباً.

حبيبتي..
كل اولائك الذين تعرفين والذين لا تعرفين هم اصدقائي، لسبب بسيط، وهو أني لا أرغب في كفةٍ للعدو.

حبيبتي..
علمتُ أيضا أنك عاتبة علىّ، لأنني أحب هذا البلد وأوصيك بمحبته. رغم أنه، كما قلتِ، يجازيني جزاء سنمار.

نعم حبيبتي..
أحبه… ويكفيني من مبررات حبه أن ترابه تواري جثمان والديّ رضي الله عنهما.
ويكفيه أنه حباني بسيدة من أروع نساء العالم، أحببنا بعضنا، وعشنا على حبنا، وأنجبنا ثلاث أميرات رائعات هنّ أنت وأختيك.

أنا يا حبيبتي، أحب هذا البلد، لكنه ليس وطني الأوحد، فحيثما حللتُ كانت الجغرافيا موطني.. ويبقى قلبي موطن بلدي..
نحن صديقان، نرحل ونسافر بنفس التذكرة وعلى ذات المقعد.

أنا يا حبيبتي.. لا أعاني من وهم الخرائط، ولا أتعلق بالقطيع والجماعة والقبيلة.

هذا أنا.
لكني لا أدعوك ولا أرغمك على العيش في جلباب أبيك، فأنت محصّنة، وبالغة، وأنا أثق في خياراتك ثقة مطلقة، ولن يفسد هذا للود، والحب والأبوة، قضية.

لكن شيئا واحدا سيظل يطاردك، ويطارد أخواتك، وحبيبتي والدتكم، ألا وهو حبي لكن، وشغفي بكن وشوقي إليكنّ.

وسيظل حبي يطارد بلدي حتى ولو رفسني في المؤخرة.

اطمئني يا أغلى ثمرة..
فما نمر به هذه الأيام، هو جزء مما تمر به البشرية، فالطبيعة ترتب أمورها منذ سنة، ونحن جزء من المشهد.

اطمئني.. وتفائلي.. وعيشي كالفراشة..
اضحكي، والعبي، واسخري من اللعبة..
فما كل مايحكى يستحق الرد..
وما مصيبتنا إلا ابتلاء وإعادة توجيه البوصلة للوجهة الأصح، ونحن في أمان.

كان بودي أن يكون لديّ من الحرية ما يسمح لي بعناقك وتقبيلك الآن، أو على الأقل الكتابة لك على صفحتك مباشرة.
لكن، الحمد لله على كل حال، والحمد لله الذي خلق الأقلام وجعلها (راحة) للأبدان.

تذكري ما كان بيننا..
فكري في كل شيء، إلا رزقك.

(ريثما تمر هذه اللحظة، قبلاتي)

صديقك وحبيبك ووالدك
عبد الرحمن لاهي

من مكان وزمان غريبين…”