هل أمة بمنطق “السيبة” مؤهلة للإنتاج؟! / الولي سيدي هيبه

0
309

“الأمة التي لا تنتج تموت و لو كانت جبالها من الفضة و سهولها من الذهب” –  أمين الريحاني
من أسهل و أدق تعريفات الصناعة أنها “عملية تقوم على تحويل المواد الخام المختلفة من شكل إلى أخر، بحيث تصبح منتجات قابلة للاستهلاك، ويتم عرضها في الأسواق وتسويقها من أجل بيعها للمستهلكين، مقابل مبلغ من المال لتحقيق الربح والفائدة، وتحقيق الهدف الرئيسي من صناعتها الذي هو توفير جميع الاحتياجات والمتطلبات الخاصة بالإنسان”.

و يُسلط عديدُ الأفلام الوثائقية الضوء على سريان تنمية بشرية سريعة بفعل حركة صناعية و اقتصادية مشهودة في بلدان الطوق الحدودي المجاورة عُمرَ بعضها تجاوز القرن من الزمن (السكر في السنغال، و القطن في مالي و بوركينا فاسو، و مسحوق البن في ساحل العاج، و صناعات الزرابي و الأواني المعدنية و المنتجات الغذائية في المغرب…) و أن شعوب هذه البلدان، و في مقدمها رجال أعمالها و أطرها الفنيين مهندسين و حرفيين و شغيلة، تملك حسا صناعيا رفيعا و ثقافة إنتاجية ذاتية و استهلاكية محلية غيورة و ناضجة، و إصرارا على انتهاج الدفاع عن العلامتين الوطنيتين “المسجلة” (Marque déposée) و “صنع في” (Made in) و الدخول بهما سوق التصدير و فضاء المنافسة.
كما تكشف هذه الأفلام الوثائقية أيضا عن وجود أحزمة قطاع صناعي حول عواصم هذه البلدان في الغالب و في عديد مدنها الإستراتيجية أو الزاخرة بموارد طبيعية و معادن و مناطق زراعية و رعوية و مياه صيد الأسماك أو حقول استخراج الغاز و النفط. و هي الأحزمة الحيوية التي ينصب حولها اهتمام الصناعيين في الغرب و الصين و الهند و كوريا و نمور آسيا الصناعية و الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت جميعها تحول إليها بعض صناعاتها و تكون فيها اليد العاملة المتخصصة الماهرة.
و نتيجة لهذه الأحزمة الصناعية تطورت هذه المدن و تمددت و تحسنت بناها التحتية بكل الاتجاهات لتشمل الطرق و المطارات و الموانئ و المدارس و الجامعات و المعاهد العلمية و المدن السكنية و شبكات المياه و خطوط الطاقة، و ارتفاع مستويات العيش و روح المدنية و الوعي و الثقافة بكافة أوجهها و التمكين العلمي و اقتناء التكنولوجيا.
و ليست موريتانيا بأقل هذه الدول موارد طبيعية و لا أضعف إستراتيجية إن لم تكن بالمقاييس المتعارف عليها لتقدير ثروات البلدان هي الأوفر مقدرات و الأدق موقعا على المحيط الأطلسي و في خط التماس بين المغرب العربي و الغرب الإفريقي.
فلماذا تظل إذا بعد ستة و ستين عاما من الاستقلال، و التأثر بالجوار تاريخيا و بشريا و اقتصاديا و جغرافيا، في وضعية “البيات” الارتكاسي و “الجمود” الفكري و “الشلل” الحركي و هي التي تنعم باستقرار نسبي قل نظيره في المنطقة و بضعف محاولات الزعزعة لتي توقظها، مع ذلك، من حين لآخر:
·        الصراعات السياسية المزمنة على خلفية الخواء الخطابي الوطني و غياب البرامج البناءة،
·        و الاختلالات البنيوية الاجتماعية المزمنة من زمن ولى و المحاصصات الموسمية التي تتمخض عنها مع حصول كل تغيير،
·        و انتشار الحيف و الغبن على نطاق واسع و اتساع الهوة بين الفقراء و الأغنياء،
·        و ضعف الحكامات التي توالت و الفساد الذي تولد عنها،
·        و تداعيات حرب الصحراء و ماضي الانقلابات و أحداث النهر،
·        و نوبات الجفاف المتكررة،
·        و الجهل بأصول المدنية و استشراء ارستقراطية الكسل و الترفع عن بذل الجهد البناء،
·        و تحكم المنطق التجاري (Mercantile) الربحي التقليدي المتخلف على حساب النهج التخطيطي التحصيلي بالمنطق الاستشرافي الاقتصادي الصناعي و المالي الحسابي الدقيق.
و تَدل على استمرار هذا الجمود ـ داخل ثنايا التخلف و بؤرة الخواء من كل معلم مدني حضاري ـ كلُّ الأحوال الماثلة للعيان من تخلف في البنى التحتية، و غياب للحراك التنموي، و غلبة حالة نهب المال العام التي لم تتوقف تحت أي ظرف، و انتشار الفساد المرضي، و تحكم المنطق المحاصصي القبلي ـ   الاثني ـ الشرائحي، و انتهاج سياسة النفاق و صراعات المصلحة المادية الضيقة و الانتجاع و الاصطفاف و “شخصنة” الأحزاب و غياب الخطاب المكين فيها، و الانتقائية و الزبونية و الوساطة و المحسوبية تَمسُّكا و عَضّا بالنواجذ على عقلية و منطق و فكر و منهج “السيبة”. و هل أمة بهذا المنطق مؤهلة للإنتاج؟!

المصدر