أسرار قرار ترامب العقدية‼ / المرابط ولد محمد لخديم

0
338

منذ اليوم الأول الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي والكتاب يكتبون ويؤلفون, والخطباء يخطبون ويزمجرون, والقادة يتداعون ويتناقشون, فاجتمع مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ثم تلتها البيانات والتوصيات,.على مستوى الدول وكان كل هذا لصالح قضية القدس في إجماع دولي غير مسبوق نصرة للقدس ولأول مرة يعزل العالم أمريكا ويعريها في عقر دارها بعد أن تخلى عنها اقرب حلفاؤها التقليديين مثل بريطانيا ..

  أما على مستوى الشعوب فقد حدثت مظاهرات في جميع أنحاء العالم ألقيت, القصائد والخطب, وحبرت عشرات الآلاف من المقالات , والكلمات , الاعتصامات وكل هذا من أجل القضية…
وكان علي أن أرجع في كل مرة إلى ما كتب عن  القضية، وبعد تصفحي لمئات الصحف، والكتب، والمواقع الالكترونية المختصة وغير المختصة، فلم أجد يستحق الذكر إلا محاضرة مسجلة للدكتور محمد السماك(1) أمين عام لجنة الحوار الإسلامي المسيحي رغم أن بعض ما قرأته كان لمفكرين كبار.
والتي يجيب فيها على سؤالين وهما: لماذا توقيت القرار بتاريخ 6ديسمبر 2017م رغم أن ترامب مر على رآسته أشهر؟
في اليوم السادس من شهر ديسمبر من عام 1917 احتلت القوات البريطانية بقيادة الجنرال ادموند اللنبي مدينة القدس من القوات العثمانية. يومها ردد اللنبي عبارته المشهورة «الآن انتهت الحروب الصليبية).».
بعد مرور مائة عام تماماً، في السادس من شهر ديسمبر 2017، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل.. لم يكن التوقيت صدفة
ليقول بدأت الحروب الصليبية..
قبل الاحتلال البريطاني كانت القدس مدينة من مدن فلسطين. لم تكن هناك دولة حتى تكون القدس عاصمة لها.
البريطانيون هم الذين أعلنوها عاصمة لفلسطين بعد ذلك وطوال ثلاثة عقود من الاحتلال البريطاني خلال هذه الفترة فتحت بريطانيا الأبواب أمام الهجرات اليهودية إلى القدس وإلى مناطق أخرى من فلسطين تنفيذاً لمضمون وعد بلفور
استمر هذا الوضع حتى نشوب الحرب العالمية الثانية.
ففي عام 1947 أقرّت الأمم المتحدة تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية على أن يكون للقدس نظام خاص نظراً لوضعها الخاص.
رفض العرب التقسيم. وفي اليوم التالي أعلنت إسرائيل استقلالها.
أدى ذلك إلى تقسيم القدس إلى غربية (يهودية)، وشرقية (عربية مسيحية– إسلامية). وفي عام 1950 ضمّت إسرائيل القسم الغربي اليها، وسيطر الأردن على القسم الشرقي بما في ذلك المدينة القديمة..
في عام 1967 احتلّت إسرائيل القسم الشرقي، وأكدت الأمم المتحدة الطابع الاحتلالي للمدينة في القرارين 242 و 338
السؤال الثاني هوعلاقة القرار بالتنبؤات التوراتية وعلاقة هذا كله بالمسيحية الصهيونية؟
وهي أسباب منسوبة إلى العهد القديم من كتب التوراة وتدّعي أن الله منح هذه الأرض (فلسطين) لليهود. من ذالك أن دافيد بن غوريون رئيس أول حكومة إسرائيلية يردد دائما:
«لا إسرائيل من دون القدس. ولا قدس من دون الهيكل (هيكل سليمان)». وهذا يعني انه بعد ضمّ القدس المحتلة إلى بقية الأرض الفلسطينية المحتلة التي تقوم عليها إسرائيل، فإن الخطوة التالية هي تهديم المسجد الأقصى لإقامة الهيكل. وهو هدف لا ينكره الإسرائيليون..
وقد الفت كتابا في هذا الموضوع بعنوان::القدس قبل فوات الأوان..نشر سنة 2002م يقول السماك…
ويستطرد قائلا: توجد في الولايات المتحدة حركة صهيونية– مسيحانية تؤمن بالعودة الثانية للمسيح. وبأن لهذه العودة شروطاً أهمها بناء الهيكل اليهودي الذي سوف يعلن المسيح عودته منه، كما فعل في المرة الأولى..
وكذلك تؤمن هذه الحركة بوجوب تهديم المسجد الأقصى لبناء الهيكل على أنقاضه.
وهي حركة تضم أكثر من سبعين مليون أميركي وتتمتع بنفوذ سياسي كبير. وكان من أقطابها الرئيسان السابقان رونالد ريغان وجورج بوش الابن. وتقع هذه الحركة في أساس القوى الناخبة للرئيس ترامب والمؤيدة له..
تلتقي الصهيونية اليهودية، والصهيونية المسيحانية على الإيمان بنبوءات وردت في سفر حزقيال، تقول انه يسبق عودة المسيح (وبالنسبة لليهود يسبق الظهور الأول للمسيح) صراع دام مع الكفرة أي: (المسلمين والمسيحيين الذين لا يؤمنون بهذه النظريات كالكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الارثوذكسية والعديد من الكنائس الانجيلية أيضاً)،
وان هذا الصراع يصل في ذروته إلى ما يسمى «هرمجيدون». وذلك نسبة إلى سهل «مجيدو» الذي يقع بين القدس وعسقلان حيث تدور رحى المعارك. وانه بنتيجة هذا الصراع سوف يفنى الكفرة جميعاً، ثم يهبط المسيح إلى الأرض ليحكم العالم ألف سنة، يسمونها «الألفية»،  ويزيح كل الحواجز التي وضعتها الأمم بينها، وسيـضم مملكـة االله، وستكون مملكة االله قائمة على السلام والتقوى، وبعدها تقوم القيامة… شاهد الفيديو:

وكأن الله يطلب من عباده ذبح الآخرين لكسب رضائه، فالاستيلاء على القدس وهدم الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وإقامـة مكانـه الهيكل المزعوم، هو قمة العبادة ورجاء الخلاص عندهم..
وتأسيسا على هذا الكلام فاننا نجد كتاب “نار وغضب” الصادر الأسبوع الماضي (الجمعة 5 يناير/كانون الثاني 2017)،  لمؤلفه الصحفي المخضرم مايكل وولف،يستوحي عنوانه من العهد القديم -خصوصا الإصحاح 66 من سفر أشعيا- في إشارة منه إلى خلفية ترمب الأصولية المسيحية المتصهينة..
”   يظهر ترمب -من صفحات هذا الكتاب- شخصا نرجسيا، متكبرا، غاضبا، متسلطا، غريب الأطوار، لا عهدَ له ولا وفاء، مُوَلَّهاً بالمال، فارغ العقل، سطحيَّ التفكير، لا خبرة لديه في صناعة القرار السياسي، ولا يملك الحكمة والحس السليم الذي يؤهله لذلك. بل يتسم بالكثير من الارتجال والتعجل، ويعجز عن التحليل المنطقي، وعن ربط النتائج بأسبابها..”
فترمب -في كتاب وولف- أشبه ما يكون بالمراهق الأبله، حيث تنحصر هواياته في ثلاث: مشاهدة التلفزيون، وأكل شطائر الهامبرغر، والثرثرة في الهاتف.
ولذلك انتهى به الأمر إلى أن أصبحت تسيِّره حفنة من الأقارب والمقربين، خصوصا صهره جاريد كوشنر وابنته إيفانكا التي اعتنقت الديانة اليهودية، لكي تتزوج جاريد اليهودي الأرثوذكسي المحافظ.
أما البيت الأبيض -الذي هو رمز قوة أميركا وفتوَّتها- فقد بدا في الكتاب قصراً باهتاً، خاوياً على عروشه، يسود فيه الارتجال والمزاجية والفوضى، ويغيب عنه التخطيط المتزن والتفكير الإستراتيجي…
ومما يهم القارئ العربي للكتاب أيضا تلك الشذرات المتناثرة فيه عن القضية الفلسطينية، مثل ما ورد من قول ستيف بانون في مدخل الكتاب “إن ترمب سينقل السفارة الأميركية إلى القدس من اليوم الأول”، وقوله أيضا: “دع الأردن يأخذ الضفة الغربية، ومصر تأخذ غزة. دعهم يتعاملون مع الأمر، أو يغرقون وهم يحاولون ذلك. فالسعوديون على وشك الانهيار، والمصريون على وشك الانهيار، وكلهم يكادون يموتون فزَعاً من بلاد فارس”.
ويبدو منظور ترمب الإستراتيجي للمنطقة تبسيطيا للغاية، فهو وفريق عمله يعتقدون -كما يقول الكاتب- أن اللاعبين المهمين في المنطقة أربعة، وهم: إسرائيل ومصر والسعودية وإيران، وأن على أميركا أن تجمع الثلاثة الأُول ضد إيران.
وهذا المنظور امتداد لنظرة كلية سطحية يقسم ترمب بمقتضاها العالمَ إلى ثلاثة أقسام: قوى عدوة، وقوى صديقة، ومن لا قوة لديهم.
وحتى تعيين ترمب لصهره اليهودي كوشنر مسؤولا عن ملف الشرق الأوسط فسَّره الكاتب ضمن هذا المنحى، فقال: “بالنسبة لترمب لم يكن إيكال ملف إسرائيل إلى كوشنر اختبارا فحسب، بل كان اختبارا ليهودية كوشنر: فالرئيس يختار كوشنر لأنه يهودي، ويجازيه بصفته يهوديا، ويحمِّله عبء مسؤولية مستحيلة لأنه يهودي”!!
إن هذا الكتاب يشرح نفسية ترمب الغريبة الأطوار، ويقدِّم خلفية ثمينة عن الفريق المؤثر فيه وفي قراراته.(2)
وأترامب إنما يعتقد إن عمله هذا تتم لتنبؤات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد وتشكل المقدمة لمجيء المسيح الثاني إلى الأرض كملكٍ منتصر.حسب اعتقاد هذه الحركة..
إذا رجعنا إلى الوراء قليلا فإننا انجد أول رئيس ينتمي لهذه الحركة عندما استلم مفاتيح النووي الأمريكي يتساءل ان كان من الجيل الذي سيشهد المعركة الفاصلة المسماة ب: هرمجدون،.. ومن بعده الرئيس بوش الإبن (بوش دبليو) عندما يستخدم كلمات مثل الحرب المقدسـة أو الحملـة الصليبية لوصفه ردة الفعل على هجمات 11 سبتمبر 2001م..
ولكي نفهم هذه العقلية أكثر نورد هنا ماقالته وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت(3) في كتابها:(الجبروت والجبار),حيث تتناول في القسم الأول من الكتاب الموقف الأمريكي في العالم والدور الذي يلعبه الدين والأخلاق في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية..
في ما يتطرق القسم الثاني إلى العلاقات المضطربة بين المجتمعات الإسلامية والغرب      ثم تعرض المؤلفة أفكارها في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية والدين, من أجل تحديد نقطة التقاء الاثنين السياسة العملية مع طبيعة الدين..
(رأى الأمريكيون أنفسهم وهم يؤسسون مجتمعا متفوقا في التنظيم والأخلاق على الارستقراطيات المضمحلة في أوروبا, وقارنوا أنفسهم بدون تحفظ بالإسرائيليين القدامى
كشعب اختارته العناية الإلهية للمشاركة في وضع خطة إلهية.[وهذا ربما يفسر ادعاءات بوش الابن المتكررة أنه يطبق مشيئة الرب……]
وخلال عقود التوسع والازدهار الاقتصادي والإخفاقات الصاخبة تكرس اعتقاد أن الله ينير مسار أمريكا ومصيرها, وبقى هذا الاعتقاد منتشرا, وفد اقترن القرن العشرون وتجاوزت قدرة البلد وطموحاته الحدود الأمريكية المستقرة الآن إلى الأماكن البعيدة في المحيط الهدى..
وما ميل القادة إلى تمويه مصالحهم الضيقة بخطاب عن القيم العامة إلا انعكاس لرغباتهم قي الظهور بمظهر أفضل مما هم عليه)…)
وهذا مايؤكده انتقاد هيلاري كلينتون(4) في مذكراتها (خيارات صعبة)  للسياسة بلادها الخارجية حيال حلفائها في المنطقة منوهةً بأن الولايات المتحدة ما برحت أسيرة مصالحها الوطنية الضيقة..)
فما ذا يجب علينا كعرب ومسلمين؟
يجب علينا في الوقت الحاضر كشف مؤامرات ومخططات هذه الطوائف التي تفسد في الأرض باسم الدين..
وهنا دور الكتاب والمؤلفين والناشرين كما يجب عليهم أن يتساموا فوق الكثير من القضايا أمام هذا الواقع الجلل..
إن قضية القدس قد تصبح مسألة ثانوية بالتقادم تماما كحادثة الرسوم المسيئة, والتي هب لها العالم العربي والإسلامي, في ما سمي وقتها بزلزال الرسوم المسيئة.
ويرجع هذا إلى أن أمة اقرأ باتت لا تقرأ فالتاريخ الحاضر لا يكتبه الأجداد، ولا يتحرك على الأرض طبقا للأماني والأقوال في مجتمع فقد فعاليته وفقد معها قدرته على قراءة الأحداث الماضية منها والجارية، فضلا عن المستقبلية وتحول إلى ظاهرة صوتية تقول ما لا تفعل، وتسمع فلا تدون، وإن هي دونت فلن تقرأ، لأنها هجرت التحصيل العلمي.وهذا مايظهر من خلال ما كتب وألف مقارنة بمقدسات الأمة وخاصة القدس قضيتهم الأولى..
وحتى ما كتب في ذالك الوقت من كتابات هادفة وصورا جميلة أظهرت المسلمون والعرب أقوياء متحدو الصفوف في وقت بسيط , وهو ما أذهل الجميع_ بما فيهم المسلمون أنفسهم_ بعد أن شوهتهم الصورة النمطية للضعف والتشتت. وكيف أن العالم شرقه وغربه تعاطف معهم إلى درجة تعريته لأمريكا وعزلها في عقر دارها
إلا  أننا نسينا ذالك كله عن قصد أو غير قصد  فحوافر العيش تعود فتحفز ويشتد حفزها، والحياة تعود تهتف بحاجاتها ويشتد هتافها، والإنسان منا يلبى جبرا لا اختيارا، ويتركز على يومه، وينسى أمسه الذي كان، وينسى يومه الذي سوف يكون، إلا من حيث ما يطعم، ويلبس، ويلد، ومن حيث ينعم أو يشقى بالحياة..
ليس أمامنا من طريق لاستعادة الثقة بأنفسنا، والكف عن الاستجداء الثقافي سوى التوصل إلى طريقة ننهي بها التناقضات الداخلية في ثقافتنا الحاضرة، ونخلصها من الشوائب التي أقعدتها عن أداء وظيفتها في الريادة الحضارية.
لنواجه هذه الحركة المتصهينة والتي يقوم اعتقادها بهدم الأقصى وإقامة مكانه الهيكل المزعوم مكانه وأنها إنما تطبق مشيئة الرب.

المصدر