أوراق كاشفة .. الورقة الأولى عن حزب “تواصل” / محمد الأمين الفاضل

0
326

مرة أخرى أجدني مضطرا لإعداد أوراق جديدة ما هي إلا امتداد أو تكملة لأوراق قديمة كنت قد نشرتها بعد انقلاب السادس من أغسطس 2008، وكانت الورقة الأولى من تلك الأوراق القديمة مخصصة لحزب “التكتل”، وستكون الورقة الأولى من هذه الأوراق الجديدة مخصصة لحزب “تواصل”.
بدءا لابد من الاعتراف بأنه لا يمكن لأي متابع للشأن العام أن يتخيل أي نضال جاد للمعارضة، ولا أي تغيير محتمل في أفق 2019 دون أن يكون حزب “تواصل” في طليعته،

ولو كان بالمقدور تخيل مثل ذلك لطلبنا من أحزاب المعارضة أن تنزل إلى الميادين دون حزب “تواصل”، ولكن، ولقناعتنا التامة بأن المعارضة الموريتانية ستبقى مشلولة وعاجزة عن الحشد بدون حزب “تواصل”، نظرا لقناعتنا بذلك فلم يكن من الحكمة أن نقول لهذه المعارضة بأن تجرب النزول إلى الميادين دون حزب “تواصل”. ليس من الحكمة أن نطلب من المعارضة الموريتانية أن تجرب النزول إلى الميادين دون الحزب الأكثر قدرة على الحشد، والأكثر خبرة في النضال، ولكن، سيبقى من الحكمة تنبيه هذا الحزب على أخطائه الكبيرة التي يرتكبها الآن في حق المعارضة وفي حق الوطن.
لقد أضاع أكبر حزب معارض في العام 2008 فرصة ثمينة لإفشال انقلاب السادس من أغسطس، وهو ما جعلني أفتتح الأوراق القديمة بورقة عن حزب “التكتل”، واليوم يعمل حزب “تواصل” أكبر حزب معارض في هذا الوقت،  بمائة ألف منتسب أو يزيدون، على إضاعة فرصة أخرى، وهو الشيء الذي جعلني أخصص له الورقة الأولى من هذه السلسلة الجديدة.
مد حزب “التكتل” يد العون لنظام “ولد عبد العزيز” عند ميلاده، وهاهو حزب “تواصل” يمد له يد العون عند سكرات موته, فإلى متى تظل أكبر الأحزاب المعارضة ترتكب مثل هذه الأخطاء الكبيرة؟ وإلى متى تظل أحزاب المعارضة تتناوب على تقديم المساعدة لهذا النظام كلما مر بمرحلة حرجة؟ ولماذا كلما لاحت في الأفق فرصة جدية للتغيير سارع أحد الأحزاب الكبيرة إلى ارتكاب أخطاء كبيرة تتسبب في المحصلة النهائية إلى إضاعة تلك الفرصة الثمينة؟
وحتى لا تضيع فرصة 2019 والتي قد لا تتكرر مرة أخرى،  جاءت هذه الأوراق الكاشفة، والتي سنخصص ورقتها الأولى لكشف حجم الخدمات السياسية الكبيرة التي قدمها ويقدمها حزب “تواصل” لنظام “محمد ولد عبد العزيز”، ذلكم النظام الذي دخل في مرحلة سكرات الموت منذ يوم 17 مارس 2017، أي منذ اليوم الذي أسقط فيه الشيوخ التعديلات الدستورية.
تواصل وانتخابات 2013
دعونا نعد قليلا إلى الوراء وإلى الأجواء التي جرت فيها تلك الانتخابات، وذلك لنذكر بجملة من الأمور نحن بحاجة إلى التذكير بها في هذه الورقة الكاشفة.
في العام 2013 كانت توجد منسقية للمعارضة الموريتانية تضم أغلب الأحزاب المعارضة، وقد قاطعت المنسقية انتخابات 2013 باستثناء حزب “تواصل” الذي اتخذ قرارا منفردا بالمشاركة في تلك الانتخابات.
وفي هذا الإطار فإنه علينا أن نذكر بجملة من الأمور:
1 ـ أن مقاطعة الأحزاب السياسية للانتخابات تعد تضحية في أغلب الأوقات، وهي في كل الأوقات لا تحقق أي مصلحة حزبية ضيقة، وإنما تأتي للحزب المقاطع بخسائر، فهي تفقد الحزب المقاطع مقاعد برلمانية محتملة، وعمدا ومستشارين بلديين محتملين، كما أنها تفقده موارد مالية كان يحصل عليها من خلال تلك المقاعد.
2 ـ أن قرار المقاطعة كان قرار كل الأحزاب المنخرطة في المنسقية، وأن قرار المشاركة كان قرارا منفردا لحزب “تواصل”، ومن المهم التذكير هنا  بأن انضباط أي حزب سياسي داخل كتلته السياسية التي ينتمي إليها لا يقل أهمية عن انضباط أي مناضل في حزبه، فكلاهما مطلوب وضروري لبقاء الأحزاب والتكتلات السياسية الكبرى.
3 ـ كان الحزب المعارض الأكثر نوابا في البرلمان السابق هو حزب “التكتل” ويليه حزب اتحاد قوي التقدم.
4 ـ من حيث الموارد المالية فإن حزب اتحاد قوى التقدم يعد من أحزاب المعارضة الأكثر فقرا.
والآن دعونا نجري مقارنة سريعة بين حزب اتحاد قوى التقدم الحزب المعارض الأكثر فقرا الذي قاطع انتخابات 2013مع حزب “تواصل” الحزب الوحيد في المنسقية الذي شارك في تلك الانتخابات.
ـ يوصف حزب اتحاد قوى التقدم بأنه حزب الكادحين في موريتانيا ويوصف حزب تواصل بأنه حزب الإسلاميين.
ـ يمتلك حزب اتحاد قوى التقدم نافذة أو قناة واحدة للتواصل مع الموريتانيين، وهي قناة البرلمان (بدر الدين؛ كادياتا..) بينما يمتلك حزب “تواصل” عدة قنوات للتواصل مع الموريتانيين، فبالإضافة إلى نوابه المتميزين، فهو يملك أيضا وسائل إعلام (مواقع؛ جرائد؛ قناة تلفزيونية)، ومنابر دينية، ومنظمات مجتمع مدني، وكتابا ومدونين نشطين.
يعني هذا الكلام بأن اتحاد قوى التقدم عندما يقاطع الانتخابات فذلك يعني بأنه قد أغلق القناة أو النافذة الوحيدة التي كان يتواصل من خلالها مع الموريتانيين، وذلك على العكس من حزب “تواصل” الذي يمتلك عدة قنوات ونوافذ للتواصل مع الموريتانيين.
بهذه المقارنة السريعة سندرك حجم التضحية الكبيرة التي قدمها حزب اتحاد قوى التقدم بمقاطعته لانتخابات 2013، وسندرك حجم التضحية أكثر عندما نذكر في هذا المقام بأن اتحاد قوى التقدم قد خسر ولأول مرة بسبب مقاطعته لانتخابات 2013 بلديات أصبحت لها رمزيتها بالنسبة للحزب، وذلك لأنه ظل يحتفظ بها منذ أول انتخابات بلدية في عهد “ولد الطايع”.
أختم هذه المقارنة السريعة بالقول بأن حزب الكادحين قد ضحى بالقناة الوحيدة التي كان يتواصل بها مع الموريتانيين، وأن حزب الإسلاميين رفض التضحية بتلك القناة، وذلك على الرغم من أن هذا الحزب يملك قنوات عديدة أخرى للتواصل مع الموريتانيين.
وختاما لهذه الفقرة فلابد من القول بأن قرار المشاركة أو المقاطعة في أي انتخابات تشريعية هو في النهاية مجرد اجتهاد سياسي، فالمشاركة يمكن تبريرها بأنها تتيح للحزب المعارض أن يمارس معارضته من داخل البرلمان، أما المقاطعة فيمكن تبريرها بأنها تؤثر سلبا على مصداقية وشرعية المؤسسات المنبثقة عن تلك الانتخابات، وتكشف زيف العملية الديمقراطية. وبما أن القضية في النهاية هي مجرد اجتهاد سياسي، فستبقى القاعدة التي يمكن استخدامها للحكم على هذا الموقف أو ذاك بأنه صائب أو خاطئ، تتطلب العودة إلى رأي الأغلبية في أي تكتل معارض، فإذا اتخذت أغلبية الأحزاب في ذلك التكتل أو التجمع قرارا بالمشاركة فسيكون الحزب الذي ينفرد بالمقاطعة مخطئا، والعكس صحيح، أي أنه في حالة اتخاذ أغلبية الأحزاب قرارا بالمقاطعة، كما حدث مع منسقية المعارضة في العام 2013، ففي هذه الحالة فإن الحزب الذي ينفرد بقرار المشاركة سيكون هو صاحب الموقف السياسي الخاطئ.
“تواصل” والتعديلات الدستورية
تفككت منسقية المعارضة بعد مشاركة حزب “تواصل” في انتخابات 2013، وتشكل من بعد ذلك المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، وبدأت المعارضة مرحلة جديدة من النضال خاضتها الأحزاب المقاطعة في ظروف صعبة من ناحية الموارد، بينما خاضها حزب “تواصل” في ظروف مريحة.
ظل الأمر كذلك، وظلت مشاركة حزب “تواصل” في الانتخابات متفهمة رغم كل ما قلناه سابقا، إلى أن دخلت البلاد في مرحلة جديدة بعد تمرير تعديلات غير دستورية من خلال استفتاء شعبي شهد عمليات تزوير واسعة.
بعد استفتاء 5 أغسطس ـ أو على الأصح انقلاب 5 أغسطس ـ دخلت البلاد مرحلة جديدة كان من المفترض أن يراجع فيها حزب “تواصل” مواقفه السابقة.
ومن ملامح هذه المرحلة الجديدة:
1 ـ  أن الرئيس الموريتاني قد ألغى الدور التشريعي للبرلمان الموريتاني، ويظهر ذلك من خلال فرضه لتعديلات دستورية كان قد ألغاها مجلس الشيوخ في يوم 17 مارس 2017. من هنا يظهر بأنه إذا كان من الممكن أن نتفهم في الماضي التبريرات التي قدمها حزب “تواصل” للمشاركة في انتخابات 2013، والتبريرات الذي ظل يقدمها للاحتفاظ بنوابه في الجمعية الوطنية، فإن تفهم هذه التبريرات لم يعد ممكنا بعد أن ألغى الرئيس الموريتاني دور البرلمان، وبعد أن أصبح تصويت ممثلي الشعب في إحدى غرف البرلمان ب”لا” قد يعرضهم للسجن وللمتابعة القضائية ولإزالة غرفتهم من الوجود. لقد كان من المفترض بنواب “تواصل”، وهذا يمثل الحد الأدنى من أنواع التضامن البرلماني، أن يستقيلوا من الجمعية الوطنية بعد معاقبة زملائهم الشيوخ على تصويتهم ب”لا”، وإذا لم يستقيلوا، فكان عليهم على الأقل أن يخرجوا من مكتب الجمعية الوطنية، وأن يشكلوا مكتبا موازيا مع مكتب الشيوخ الجديد، ويشكلوا بذلك برلمانا موازيا. ولكن بدلا من اتخاذ أي خطوة من هذا القبيل، فسنجد بأن حزب “تواصل” كان من بين أحزاب المعارضة الأقل تضامنا مع الشيوخ، وقد بخل هذا الحزب بالاعتراف بمكتب الشيوخ الجديد، والذي كانت قد اعترفت به أحزاب معارضة وازنة من بينها “التكتل” واتحاد قوى التقدم.
2 ـ من ملامح هذه المرحلة أيضا أن الرئيس “محمد ولد عبد العزيز” قد قرر وبشكل جاد أن يميط اللثام عن وجهه الدكتاتوري، وأن يلغي المظاهر والشكليات الديمقراطية التي ظل يحتفظ بها كمظهر خداع منذ وصوله إلى السلطة، وفي هذا الإطار فقد قرر أن يعاقب ممثلي الشعب على تصويتهم ب”لا”، وأن يسجن شيخا دون محاكمة، وأن يرفض الترخيص لأنشطة المعارضة، وأن يغلق القنوات التلفزيونية الحرة، وأن يستخدم أقسى أشكال العنف ضد المتظاهرين السلميين، والتي وصلت ولأول مرة، إلى تجريد المتظاهرين من ثيابهم. إن قرار السلطة بالرفع من مستوى الاعتداء على الحريات العامة، كان يجب أن يقابله، في إطار الفعل وردة الفعل، الرفع من المستوى النضالي والاحتجاجي للمعارضة، ولكن الشيء الذي حصل هو أن المعارضة الموريتانية قررت أن تخفض من مستوى الرفض، وأن تزيد في المقابل من مستوى الاستسلام، وكان حزب “تواصل” هو من يتزعم هذا الاتجاه.
3 ـ  من ملامح فترة ما بعد استفتاء 5 أغسطس، عفوا انقلاب 5 أغسطس، أن بلادنا قد أصبحت ولأول مرة بعلمين وبنشيدين، وذلك بعد أن قررت السلطة أن تفرض علما جديدا، وذلك على الرغم من إسقاط مشروع هذا العلم الجديد من خلال مجلس الشيوخ، وإسقاطه كذلك من خلال مقاطعة أغلبية الشعب الموريتاني لاستفتاء 5 أغسطس.
لقد أصبحت بلادنا بعلمين، وظلت المعارضة ترفض من خلال بياناتها المتعاقبة نتائج استفتاء 5 أغسطس، وخاصة ما يتعلق منها بتغيير العلم الوطني.
في ظل هذه الأجواء سنجد بأن حزب “تواصل” هو الحزب الأكثر اعترافا من الناحية العملية بالعلم الجديد. ويظهر ذلك من خلال رفضه لرفع علم الاستقلال في مهرجان المعارضة المبرمج في يوم 16 دجمبر، ويظهر كذلك من خلال رفع أحد نوابه للعلم الجديد في تيشيت ( أشير إلى أن الرأي العام لم يطلع حتى الآن إلى الإجراءات التي اتخذها الحزب ضد النائب الذي توشح في تيشيت بالعلم الجديد)، كما يظهر الاعتراف العملي بالعلم الجديد من خلال رفع هذا العلم على مؤسسة المعارضة التي يتولى حزب “تواصل” زعامتها.
صحيح أن حزب “تواصل” ليس كبقية الأحزاب المعارضة، وأن هناك بعض الإكراهات التي تفرض على هذا الحزب أن يعترف عمليا بالعلم الجديد، وذلك على العكس من بقية الأحزاب المعارضة، ويعود سبب ذلك إلى أن حزب “تواصل” كان قد انفرد بقرار المشاركة في انتخابات 2013. ولكن الصحيح أيضا، بأن استمرار الحزب في وضع رجل هنا ورجل هناك لم يعد ممكنا في هذه اللحظة التاريخية الحرجة التي أصبحت فيها البلاد على مفترق طرق، وأصبح لابد فيها من التمايز البين بين المعارضة التجميلية والمعارضة الفعلية، وذلك بعد أن قرر النظام الحاكم أن يميط اللثام بشكل كامل عن وجهه الدكتاتوري، وأن يلغي غرفة دستورية، وأن يغير رموز الوطن، وأن يغلق القنوات الحرة، وأن يرفع من مستوى التنكيل بالمتظاهرين السلميين إلى الحد الذي وصل إلى تجريدهم من ثيابهم. في مثل هذا الوقت لم يعد بالإمكان لأي حزب سياسي معارض أن يضع رجلا هنا ورجلا هناك. لقد آن الأوان لأن يستقيل نواب حزب “تواصل”، ولأن يستقيل زعيم المعارضة، وبذلك سيخرج الحزب من هذا الحرج  ومن هذا التموقع الذي يصعب تصنيفه، ويكفي حزب “تواصل” بأن مشاركته في انتخابات 2013 قد حافظت له على مناضليه، وأنه قد استفاد من خلالها، ولسنوات متتالية، من موارد مالية هامة مقابل تمثيله في البرلمان وفي المجالس البلدية، وذلك على العكس مما حصل مع بقية أحزاب منسقية المعارضة.
لقد آن الأوان لأن يستقيل نواب الحزب، وخاصة بعد أن ألغى الرئيس الموريتاني أهم أدوار البرلمان، وهنا قد يقول قائل بأنه من المهم أن يبقى هناك نواب من المعارضة يتكفلون بإيصال شكاوي المواطنين وهمومهم إلى الحكومة. يمكن الرد على هؤلاء بالقول بأن هناك قنوات أخرى أصبحت تمكن من إيصال تلك الهموم والمشاكل، وقد أصبحت أكثر إحراجا للسلطة، وأقصد هنا المدونين ومواقع التواصل الاجتماعي. ولعل المثال الأبرز الذي يمكن تقديمه في هذا المجال، هو أن المدونة التواصلية “زينب بنت التقي” تمكنت من القيام بعمل رائع استطاعت من خلاله أن تحرج الحكومة بالشهادة التي نشرتها على مواقع التواصل الاجتماعي عن صاحبة فيديو تعرية الشاب في “لكصر”، وكان جهدها ذلك أكثر إحراجا للسلطة من مداخلتها كنائب في الجمعية الوطنية عن الحادثة نفسها.
يبقى أن أقول ـ وهذا ما سمعناه من فقهاء القانون الدستوري ـ  بأن الجمعية الوطنية الحالية قد انتخبت في إطار برلمان يتكون من غرفتين، ولذلك فإنها قد أصبحت غير شرعية من بعد إلغاء غرفة الشيوخ، وهو ما يعني أن نواب “تواصل” لم تعد لهم أي شرعية، خاصة وأن حزبهم ظل يرفض الاعتراف بمكتب الشيوخ الجديد، وهو ما يعني ضمنيا بأنه قد اعترف عمليا بإلغاء غرفة الشيوخ. شيء آخر لابد من قوله في ختام هذه الفقرة، وهو أن مصير الجمعية الحالية سيتخذ في أغلب الأحوال واحدا من احتمالين : فإما أن يستخدمها الرئيس لتمرير مأمورية ثالثة، وهنا ستبقى الفضيحة تلاحق نواب “تواصل” وذلك لأنهم كانوا أعضاء في جمعية مررت مأمورية ثالثة، ولا يهم في هذا الحالة إن كانوا قد صوتوا ب”لا” على تمرير تلك المأمورية. أما الاحتمال الثاني فهو أن لا يكون هناك أي تفكير جدي في مأمورية ثالثة، ففي هذه الحالة فإنه سيدعى لانتخاب جمعية جديدة، وهنا سيكون من الأشرف لنواب “تواصل” أن يستقيلوا من قبل أن يقالوا، وقديما قالت العرب “بيدي لا بيد عمرو”.
“تواصل” من الجمهور التلقائي إلى الضريبة التلقائية
من المؤكد بأن حزب “تواصل” يستقطب ـ وبشكل تلقائي ـ جمهورا هاما وذلك لكونه حزبا إسلاميا، ولكن، وفي المقابل، فإن الشعارات الإسلامية التي يرفعها هذا الحزب ستجعله في المقابل يدفع ضريبة تلقائية قد لا تدفعها الأحزاب الأخرى، وستجعله يتعرض لمحاسبة لا تتعرض لها الأحزاب الأخرى، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا ذات شحنة دينية، كالوفاء بالعهود، أو كتغليب المصلحة العامة على المصالح الحزبية الضيقة، وعلى المصالح للخاصة.
وإذا كان حزب “تواصل” يتعرض لمحاسبة أقسى من الأحزاب الأخرى نتيجة  لشعاراته التي يرفع، فإنه ـ وهذه مفارقة عجيبة ـ يعد من أحزاب المعارضة الأكثر تساهلا مع قضايا من قبيل :  تغليب المصلحة العامة على المصلحة الحزبية الضيقة ؛احترام رأي الأكثرية في الكتل السياسية؛ الالتزام بالمواثيق والتعهدات السياسية.
وبالعودة إلى السنوات التسع الأخيرة فسنجد بأن حزب “تواصل” الذي لا يمكن المزايدة عليه في القضية الفلسطينية لم يتردد في المشاركة في حكومة مطبعة، وسنجد بأنه هو الحزب الذي خرج عن إجماع الجبهة بمرشح رئاسي منفرد، وبأنه هو أول حزب معارض يتحالف مع الحزب الحاكم من أجل الحصول على مقاعد في مجلس الشيوخ خلال التجديد الجزئي، وبأنه الحزب الوحيد الذي خرج منفردا من إجماع المنسقية للمشاركة في انتخابات تشريعية وبلدية.
إن هذه المواقف السياسية التي تحكمها المصلحة الحزبية الضيقة أكثر من المصلحة العامة قد أثرت سلبا على سمعة هذا الحزب الإسلامي. ولقد وصل الأمر إلى أن أصبح أغلب المعارضين من خارج الأحزاب السياسية يشككون في تعهدات هذا الحزب وفي التزاماته، أكثر من تشكيكهم في تعهدات أي حزب معارض آخر.
على التواصليين في مؤتمرهم الثاني أن يعيدوا النظر في مثل هذه المواقف التي تسيء إلى سمعة حزبهم، وعليهم أن يعلموا بأن هناك لحظات تاريخية فارقة في حياة الشعوب والدول لا يجوز فيها تغليب المصلحة الخاصة أو المصلحة الحزبية الضيقة على المصلحة العامة. هناك لحظات تاريخية حاسمة يكون فيها من الواجب التضحية بالمصالح الشخصية وبالمصالح الحزبية الضيقة من أجل تحقيق مصلحة عامة، وعندما تتحقق تلك المصلحة العامة، وعندما يتم عبور تلك اللحظة الفارقة، يكون حينها من حق الأفراد والأحزاب أن تتنافس في جلب مصالحها الخاصة.
على التواصليين أن يعلموا بأن موريتانيا تمر اليوم بمفترق طرق، وبأن هذا ليس هو الوقت الأنسب ولا المناسب للتشبث بمقاعد في البرلمان، أو لتجنب المشاركة في أي نشاط قد يتسبب في ضياع مصالح حزبية آنية.
“تواصل” والظرفية المحلية والدولية
لا خلاف على أن الظرفية الدولية الحالية ليست في صالح الأحزاب الإسلامية، وبالتالي فهي ليست في صالح حزب “تواصل”، حتى وإن كانت الأمور قد بدأت تتحسن لصالح هذه الأحزاب، وذلك بعد بوادر فشل السعودية وحلفائها في حربها على اليمن، وفشلها كذلك في حصار قطر.
ولا خلاف على أنه ليس من الإنصاف ولا من الموضوعية أن نطلب من حزب “تواصل” في ظل هذه الظرفية المحلية والدولية البالغة التعقيد أن يدخل في مواجهة مكشوفة مع نظام “ولد عبد العزيز”. لا خلاف على كل ذلك، ولكن الشيء الذي يجب التذكير به هنا هو أن تقديم الخدمات والتنازلات للرئيس “محمد ولد عبد العزيز” لا ينجي من عدائه وبطشه، بل إن هذا الرئيس قد يكون بطشه أشد بحلفائه وبكل من يقدم له أي خدمة وأي تنازل، وهذا سلوك غريب لا أملك له تفسيرا، ولكنه سلوك قائم ويمكن أن نقدم حالات وأدلة عديدة في هذا المقام.
وإذا ما اكتفينا بعلاقة نظام “محمد ولد عبد العزيز” بحزب “تواصل”، فسنجد بأن أشد الضربات التي تلقاها الحزب من نظام “ولد عبد العزيز” قد جاءت من بعد انفراد حزب “تواصل” بقرار المشاركة في انتخابات 2013، وتشريعه بالتالي لتلك الانتخابات، ولعلكم تذكرون حل جمعية المستقبل، وإغلاق بعض المحاظر، والاعتداء والتضييق على الشيخ “محمد الحسن الددو”.
لم يكن حزب “تواصل” يمثل حالة فريدة من نوعها في هذا المجال، فقد تعرض حزب التحالف الشعبي لمضايقات من نظام “ولد عبد العزيز” في أوقات كان قدم فيها هذا الحزب خدمات كبيرة لنظام “ولد عبد العزيز”، ونفس الشيء يمكن أن نقوله عن حزب “التكتل”.
على حزب “تواصل” أن يعلم بأن التهدئة مع نظام “ولد عبد العزيز”، وتقديم التنازلات السياسية له، لا تنجي من بطشه، بل إن هذه التهدئة قد تكون سببا إضافيا لممارسة المزيد من البطش.
ختاما
على حزب “تواصل”، وعلى غيره من الأحزاب السياسية المعارضة أن يعلموا بأن هناك لحظات سياسية فارقة في تاريخ الشعوب والأوطان يكون التنافس فيها على تقديم التضحيات لا على تحقيق وجلب المكاسب والمصالح الحزبية الضيقة.
وموريتانيا تمر اليوم بواحدة من تلك اللحظات، ومن هنا فقد وجب التنافس على تقديم التضحيات، ويتأكد الأمر أكثر بالنسبة لحزب “تواصل” الذي يرفع شعارا إسلاميا، والذي يمتلك من المقدرات ما يؤهله أكثر من غيره لتقديم تلك التضحيات.
وفق الله التواصليين في مؤتمرهم الثاني..
حفظ الله موريتانيا..

المصدر