إضراب الأطباء بين مطرقة مافيا النظام وسندان حاجة المرضى!

0
283

أوضح الأطباء المضربون خلال لقائهم بالمدونين مسار إضرابهم منذ قدموا إشعارا قبل عام أو أكثر، كما تعرضوا لكل الوعود الكاذبة التي قدمت لهم من خلال الجهات السلطوية، رغم أنهم التقوا عزيز نفسه ووعد بحل المشكل، ربما فات عليهم أن وعود نظام عزيز يعرفها أهل البراكنة في مصنع العلف ـ فأين العلف والعام عام جفاف؟ ـ وأهل كيفة في كلية البيطرة ، وأهل الترارزة في مأساة طريق روصو، ويعرفها أهل نواكشوط في المسجد الكبير منذ 2010، وفي ساحة عرفات الخضراء المزعومة منذ 2009، ويعرفها سكان تجمع ترمسة ذي الجنة الموعودة والجحيم الواقعي، ويعرفها أهل موريتانيا في أسطورة محاربة الفساد، وجزء من الحصيلة هو إفلاس سونمكس بعد نهب 800 مليون منها في فضيحة السماد، وفضيحة أموال الجيش 470 مليون، وفضيحة فينكر حوالي مليار، وفضيحة الخزينة وغيرها، هذه مجرد أمثلة للاستئناس لا للحصر.

عرج الأطباء على واقع الصحة وأوضحوا أنهم يقومون بالإضراب من أجل عدة مطالب في صالح المواطن العادي وفي صالح تحسين القطاع عموما بما في ذلك الطبيب طبعا، وقدموا جملة مطالب من بينها: مجانية الدواء في الحالات المستعجلة، موضحين أن كثيرين يفقدون حياتهم بسبب انتظار جلب الدواء، وفي بعض الأحيان لا يستطيع المريض ولا ذووه توفير الدواء، ألا يجب دعم هذا المطلب من طرف الجميع؟!

كما طالبوا بتعميم التأمين الصحي على المواطنين، وربما نسوا أن مسألة تعميم التأمين على المسنين وبقية من التزم النظام بهم ـ خاصة عزيز ـ لم يتم إلى الآن فكيف بتعميمه على الجميع، وهذا ديدن نظام الوعود الخلّب. ومن بين مطالب الأطباء مراجعة الرواتب ومسألة التكوين،

والطريف أن البعض يلوم الأطباء إذا طالبوا بتحسين رواتبهم (150 ألف للطبيب العام، و220 للأخصائي) بعد سنين طويلة من الدراسة والتعب أغلبها على حسابهم الخاص، ثم تعرض حياتهم للخطر وللعدوى أضيفوا إلى ذلك عبء النقص الحاد، فمعدل البلد هو طبيب واحد لكل 5000 مواطن وهناك مناطق يوجد فيها ممرض واحد لكل 5000 آلاف مواطن، والمعدل المقبول هو طبيب لكل 500 ـ 1000 مواطن. وبعض الزاهدين ـ قلت بعض ـ الذين يأخذون على الأطباء هذا المطلب قد لا يتكلم مثلا في صفقات الفساد الكبيرة ولا في رواتب الوزراء والأمناء العامين والجنرالات ومدراء ـ أو مديري ـ المؤسسات الخ ولا أعرف إن كان هؤلاء سيرفضون مطالبة المعلمين والأساتذة والجنود ووكلاء الشرطة والممرضين بتحسين رواتبهم مثلا، فكل هؤلاء يعيشون واقعا مزريا بسبب تدني الرواتب وغلاء المعاش.

من مطالب الأطباء الرئيسية كذلك تأمين أدوية ومواد مخبرية موثوقة المصدر وذات جودة عالية، وممارسة رقابة صارمة وإنفاذ القانون على المخالفين، موضحين أن المرضى والأطباء يعانون من ضعف فعالية الأدوية والمواد المخبرية، مما يمس بعض الأحيان من سمعة الطبيب مثلا رغم أن المشكل قد يكون في الدواء. ثم طالبوا بإشراك الأطباء لأن بعض من يجلبون هذه الأجهزة لا علاقة لهم بمعرفتها، وبعض الأحيان تأتي وقد استعملت كثيرا، أو تتهالك بسبب عدم الصيانة. إنه جانب بسيط من الفساد كلنا يعرفه في القطاعات الأخرى.

أوضح الأطباء أن من بينهم مقصرون وربما فاسدون، لكن ذلك ليس سببا كافيا لإقصاء مطالبهم ولا لطبخهم جميعا في سلة واحدة. ألا يوجد فاسدون ومتملقون وجهلة في قطاع الإعلام والتدوين؟ ألا يوجدون في التعليم؟ وفي الأسلاك الأمنية والعسكرية وفي المجالات الأخرى؟ إن الجيل الذي يحمل هذه المطالب من الأطباء في أغلبه جيل شاب متعلم جدا ولا تؤخذ على أغلب عناصره مآخذ سلبية كبيرة رغم أنه قد توجد أخطاء، لكن المطالب التي يحمل هؤلاء إن لم تساهم في علاج الأخطاء وإصلاح الواقع فإنها لن تزيده فسادا.

شكا الأطباء من تجاهل الإعلام العمومي الممول من مال دافعي الضرائب، في بلد يدعي أنه ديمقراطي، وهذا دأب هذا الإعلام، فليسألوا عمال اسنيم عن إضرابهم الذي تورط الإعلام الرسمي كله في وأده وتشويهه بل وبعض الإعلام “الحر البزنسي”. إن الإعلام الرسمي في هذا البلد سيف على رقبة كل من يسعى لتغيير الواقع إلى الأفضل أو يعارض أو ينتقد أخطاء النظام، إنه آلة لتصنيم الحاكم أي حاكم، وليس إعلاما وطنيا شاملا يعكس كل تنوع الوطن!

مشكلة الأطباء المضربين الأساسية أنهم جعلوا أنفسهم عرضة لمافيا النظام، ومافيا وزارة الصحة، ولأقلام كثير منها يتحامل عليهم انطلاقا من ثقل المخزن ضدهم وعصابات التأثير القوي، وبعضها يهاجمهم بنية حسنة ليحملهم سوءات آخرين كادوا أن يتقاعدوا قبل تخرج هؤلاء. ثم إن هؤلاء الأطباء في عجز إعلامي شبه تام لإيصال رسالتهم كما ينبغي ـ وقد قال أحدهم أن ما يأخذه بيان أو توضيح من الوقت قد ينقذون فيه حياة كثيرين ـ ولذلك يحملهم النظام وأعوانه واقعا يفترض أن يغيره النظام، ويحملهم المرضى نفس الواقع فهم بين مطرقة هؤلاء وسندان أولئك.

بقلم/محمد الأمين سيدي مولود