أتى على المنتبذ القصي حين من الدهر كانت رقة الدين فيه موضة من الموضات كتوفير شعر الهامة وتقسيمه نصفين على طريقة “اليّيّ”، وكانت الملحفة رداء خفيفا يهتز طوعاً لغير ريح، ليظهر الجيب لوه والميني جيب أو (ماني جب) على حد تعبير الداعية العلامة محمد ولد سيدي يحيى، وكانت الخمر تباع كالشاي في البارات كبار “كيتا” وبار “گوميز” وبار ثالث شهير قرب طب الحاج قتل فيه المقاوم النهضوي فاضل ولد عبداوه ضابطا فرنسيا غبّ إعدام منفذي اعمارت النعمة.
ولا أزال أذكر وأنا حدث تتبّعي مع أترابي بعض السكارى وهم يترنحون في الشوارع ونحن نصيح “بيفير” تماما نصيح باللص الهارب “فولير”.
كان الإمام بداه درعا واقية من سهام الإلحاد وقلعة حصينة لجأ إليها الناس في طوفان الإلحاد:
فمذ كنت طفلا رأيت الحسين :: منارا إلى ضوئه أنتمي
ومذ كنت طفلا عرفت الحسين :: رضاعا و لـلآن لـم افـطم
ومذ كنت طفلا وجدت الحسين :: مـلاذا بـأسـواره احتمي
وحين سئل الإمام عن حوار كان يعتزمه مع اليساريين، قال زهدت فيهم حين رأيتهم لايقيمون وزنا للصلاة.
كانت البارات تحيي السهرات في كل “Samedi soir” وكان احتفال رأس السنة يوما مجموع له الناس.
وحتى الأشوار بلغت حد الاسفاف مثل “مَضمْ جات افعبوني”.
وانتشرت موضة اقتناء الفتيات لـ “فوتو روما” وكان فارس الأحلام هو بطل القصص المصورة الممثل الإيطالي “فرانكو گاسباري”، كان الحضور الديني مختصرا في بعض المناسبات والشعائر، وكان الدين رمزا للرجعية في مجتمع يحاول التقدم.
باش اتعود اكبير ء تنگاس :: افتح رچّو والعب مرياس
وابلژ فالشيباني عينيك :: لمهابَه ماهِ في القانون
يقول العلامة المؤرخ المختار ولد حامد:
تجول الغادة في الشارع :: ينقص من جمالها البارع
إذ تذرع الشارع مختالة:: في خطوها كالفارس الفارع
لا هي بالمروءة استمسكت :: و لم تطع أوامر الشارع
و القوم في المرأة في بيتها :: أرغب منها وهي في الشارع
ويقول العلامة محمد سالم ولد عدود في تورية بديعة:
كان ابن “خَذْرَ” و بنت “سَرْوَلَ في الوفا :: إلفين يقتطفان أزهار الصفا
يتفيئان ظلال مدرسة الهوى :: و يراجعان دروسها واوا وفا
فأحست البنت الغريرة ريبة :: من نفسها و استشعرت منه الجفا
و تنكرت دنيا الهوى في وجهها :: فأتت إلى الأم الحنون لتسعفا
فاستفهمتها ما دهاك فتمتمت :: كنا نراجع درسنا تحت الخفا
مع التعريب وظهور الثانوية العربية لم يكن الأمر أحسن حالا فقد قاءت العواصم العربية ملاحدة عفيفي الجباه لايشمون التراب وكلهم أكفر من النمرود، قدموا أساتذة من العراق وسوريا وتونس ومصر.
ذات مرة في الثانوية العربية حضرت صلاة العصر، فخرج الطلاب للصلاة وبقي الأستاذ في الفصل يدخن في صمت، ولما قضيت الصلاة وعاد الطلاب سأله أحدهم لماذا لم تصل معنا؟!
فأجابه بكل صلف: أقنعني بوجود الله أولا قبل أن تأمرني بالصلاة.
وأذكر أن الطلاب أحالوا أمره إلى الأستاذ محمد فاضل ولد محمد لمين الذي دخل معه في نقاش انتهى بوقوف حمار الأستاذ الملحد في العقبة.
غياب التربية الدينية وضعف الوازع الديني أحدثا خللا في المجتمع فساد نهب المال العام والاختلاط ولعب القمار (ابوكير والبينگو) والزنا وانتشار المخنثين.
في 2006 افتتح مقهى تونس في نواكشوط لتنبت المقاهي كالفطر في عاصمة لم يعرف أهلها ثقافة المقاهي والفضاءات المفتوحة بدأ الشباب المولع بالترقي في ارتياد تلك المقاهي والجلوس فيها والنقاش وظن بعض الصغار أنه أصبح مثقفا بمجرد الخوض في السياسة ونقد الخطاب الديني والتجديف خلال الفيس.
ومع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي خاصة الفيس بوك بدأ الملاحدة يكتبون بأسماء مستعارة كما فعل الهالك (الناجي) من خلال حسابه “محمد أحمد” وغيره، كما أن بعض أبناء الذوات يكتب باسمه المعروف لأنه محمي اجتماعيا سواء كان في المنتبذ أو في بلاد العم سام.
يا صبر أيوب، ماذا أنت فاعله :: إن كان خصمك لا خوف، ولا خجل؟
ولا حياء، ولا ماء، ولا سمة :: في وجهه.. وهو لا يقضي، ولا يكل
نرجو رفع الحماية عن الملاحدة والتبرأ منهم ، فمن يبدي صفحة عنقه اليوم من الملاحدة يشعر بالأمان ويكتب بكل أريحية بدعوى الثقافة وحرية الرأي وينال من المقدسات ويدافع عن المسيء إلى الجناب الشريف، فهو محمي بمركزه الاجتماعي، فيجب رفع الغطاء الاجتماعي عنهم، وعلى الدولة أن تطبق
المادة 306 من القانون الجنائي وتحكم شرع الله في الزنادقة فقد آن لنا أن لا تأخذنا في الله لومة لائم،
فلو حسمنا أمرنا بمنعرج اللوى لما وصل الأمر إلى ما وصل إليه.