عندما تستثار عواطفنا وأحاسيسنا نتيجة مواقف معينة قد يثير رد فعلنا عليها استغرابنا عقب حدوثها. لكن علماء النفس يخبروننا أن ردود أفعالنا ما هي إلا انعكاس لهذه المشاعر الدفينة، والتي تشكلت في السنوات الأولى من أعمارنا.
مشاعرنا في الصغر كالنقش على الحجر
مشاعر الطفل في سنواته الأولى تشكل مرجعيته مدى الحياة
يخبرنا الدكتور «وليد أحمد فتيحي» وهو طبيب نفسي ومدير مستشفى المركز الطبي الدولي في مدينة جدة، بكتابه«آفاق من الحياة» أن مجموعة الانفعالات والمشاعر التي يعايشها الطفل في سنواته الأولى؛ ترسخ داخله مجموعة من الدروس العاطفية والنفسية. والتي تشكل مرجعية قوية وثابتة وراسخة مدى حياته في تعامله مع محيطه، ومع من حوله من البشر.
فقدرة الشخص على معرفة مشاعره وفهمها وإدارتها والسيطرة عليها هو ما يعرف بـ«الذكاء العاطفي» «Emotional Intelligence» والذي يمكن الشخص من تحفيز نفسه على العمل، وملاحظة عواطفه وكذلك مشاعر الآخرين. بالإضافة للقدرة على التعامللامع المواقف الصعبة، وإدارة العلاقات الشخصية والتحكم فيها.
الإنسان أسير ماضيه
ما يعكسه الطفل من اضطرابات وميول عدوانية نتيجة لخبراته
وفقًا لـنظرية التحليل النفسي لـ«فرويد» يظل الإنسان أسير طفولته حتى لو بلغ التسعين. فقد أرجع تفسير الشخصية والدافعية والاضطرابات النفسية إلى تأثير خبرات الطفولة المبكرة على ما يليها من خبرات وأحداث لاحقة.
ويذكر كتاب «سيكولوجية الطفولة والمراهقة « لمؤلفه عبد الرحمن محمد عيسوي أن الإنسان أسير طفولته؛ فما نلاحظه من مظاهر الصحة الجسدية والعقلية والقدرة على التكيف والانتماء؛ إنما مرجعه لما مر به الفرد خلال فترات طفولته ومراهقته. وبالمثل، ما نلاحظه من شذوذ وأمراض واضطرابات وميول عدوانية وفشل وجريمة وغيرها مرده إلى ما خاضه الفرد من خبرات غير مواتية في مرحلتي الطفولة والمراهقة.
الأذكياء عاطفيًا يفوزون
أصحاب الذكاء العاطفي أكثر نجاحًا من غيرهم
قد تظن أنه يكفي أن تتحلّى بالذكاء التقليدي (I.Q) «Intelligence Quotient» كي تنجح في الحياة. إلا أن الكثير من الأشخاص الأذكياء للغاية لم يتمكنوا من إثبات ذواتهم؛ نتيجة لعوامل اجتماعية وعاطفية تقف في طريقهم.
فقد أثبتت الدراسات أن 80% من نجاح الطفل أو فشله في الحياة العملية نتيجة لمهارات الذكاء العاطفي لديه. في حين أن الذكاء التقليدي يسهم بنسبة 20% فقط.
مشاعرك تحدد رخاءك المادي!
كونك تتمتع بذكاء عاطفي قوي فهذا يجعلك قائدًا ومديرًا جيدًا، وهو ما يجعلك الأفضل في العمل بشكل تعاوني داخل فريق.
وهذا ما أثبتته دراسة أجراها معهد كارنيجي للتكنولوجيا أرجعت 85% من النجاح المالي إلى المهارات البشرية بما في ذلك: الشخصية، والقدرة على التواصل والتفاوض، في حين تساهم المعرفة التقنية بنسبة 15% فقط.
يجب أن يتعلم الطفل مهارات الذكاء العاطفي مثل الذكاء التقليدي
فنحن نضع جل تركيزنا على مهارات الذكاء التقليدية وتنمية المهارات الأكاديمية بحيث أننا تجاهلنا الحاجة لتطوير الدماغ الأيمن الذي يضم الدماغ العاطفي.
وهو ما انعكس بظهور اتجاهات مثيرة للقلق عند الأطفال من حيث ازدياد مشاكل الغضب، والشعور بالوحدة، والعدوان والسلوك المتهور؛ فميول الطفل العدوانية تتضح منذ سنوات عمره الأولى. وهو ما يحدث بسبب جهل الوسط العائلي أو المجتمع ككل.
مشاعر الماضي تحدد المستقبل
المناخ المحيط بالطفل يحفز الخلايا العصبية في الدماغ
لذا تشير الدراسات إلى أهمية تطوير هذه المهارات منذ سن صغيرة. فالمناخ المحيط بالطفل يحفز الخلايا العصبية في الدماغ، والتي تستمر في النمو بعد ولادة الطفل؛ لتبلغ ذروتها في السنوات الأولى من عمره. وهو ما يحدد قدرة الشخص المستقبلية على تلقي المعلومات وتحليلها والتعامل معها.
«فعلى حسب نوعية البيئة المحيطة والتفاعلات التي يعيشها الطفل تنشط أجزاء معينة من دماغه وتنمو فيها الإشارات والوصلات العصبية، فيقوى ذلك الجزء من الدماغ».
العيش في بيوت غير مستقرة يقتل خلايا الدماغ
عيش الطفل في منازل غير آمنة يدمر أجزاء من الدماغ
أما في حالة الأطفال الذين يعانون من ضعف في تطورهم العاطفي نتيجة لعدم وجودهم في منازل آمنة مناسبة، أو يعيشون في عُزلة، أو مناخ غير صحي وغير ملائم لنموهم العقلي السليم بالسنوات الأولى من عمرهم؛ فإن أجزاء من أدمغتهم تضمر وتموت خلاياها.
الذكاء العاطفي ليس فطريًا
يشبه «سانديب كيلار» طبيب الأطفال والخبير المعتمد في الذكاء العاطفي معدل الذكاء التقليدي أنه مثل «اليانصيب الوراثي» فهو أمر فطري؛ على العكس من مهارات الذكاء العاطفي التي يمكن تعلمها وتطويرها لدى الأطفال.
وتشمل هذه المهارات: «محو الأمية العاطفية، والوعي الذاتي العاطفي، وإدارة العواطف، وتحفيز الذات، وإدارة العلاقات، والتعاطف، ومهارات حل المشكلات والمهارات المرتبطة بحل النزاعات».
يمكننا تعليم أطفالنا الذكاء العاطفي
على العكس من الذكاء التقليدي؛ يمكن للطفل تعلم الذكاء العاطفي
-
ومن الطرق الأكثر فاعلية وتأثيرًا هو اللعب. فإغفال أهمية اللعب الفعال يحول دون قدرة الأطفال على تنمية مهارات الإبداع وحل المشكلات وإدارة عواطفهم.
فقد لوحظ ارتفاع مستوى التحصيل الدراسي لدى جميع الأطفال عندما تم إضافة الألعاب وذلك حتى سن رياض الأطفال على الأقل.
مع ملاحظة أنه يجب اختيار تلك الأنشطة التي يستخدم فيها الطفل حواسه وحركته؛ وليست تلك الألعاب الإلكترونية التي تؤدي إلى نتائج عكسية تمامًا.
-
ساعد أطفالك في «تسمية» مشاعرهم الخاصة. وذلك بأن تطلب منهم وصف ما يشعرون به في الأماكن والمواقف المختلفة أو كتابته أو رسمه.
للآباء والمعلمين أبلغ الأثر في تطوير مهارات الذكاء الانفعالي لدى الأطفال
-
يمكن أن تستخدم صورًا توضيحية لشخصيات كارتونية توضح مختلف العواطف؛ ليقوم الطفل باختيار ما يشعر به.
-
كذلك أفضل وسيلة لتعزيز الذكاء العاطفي هو إظهاره؛ فلا تنس أن تخبر أطفالك بما يجعلك موقفٌ أو حدث ما تشعر.
-
وأكثر الناس تأثيرًا على الطفل هم والداه ومعلموه، فالطفل يستطيع فهم آلاف الكلمات قبل عمر الخامسة. لذا إشراك الطفل أو الطالب في عملية صنع القرار والشورى له أبلغ الأثر في خلق جيل يتمتع بالذكاء العاطفي.
دماغ الطفل يسجل المشاعر منذ صغره
فدماغ الطفل لا يحتفظ بالمعلومات وحسب، بل ويخزن كذلك جميع العواطف والأحاسيس التي تفاعل وتعامل معها ويتحكم فيها وذلك في جزء من الدماغ يسمى «Amygdala».
«ومع قوة تأثير هذه الانفعالات وأهميتها ومدى رسوخها، إلا أنه من الصعب على صاحبها أن يفهمها أو يحللها؛ إذ إنها قد خزنت في الدماغ في مرحلة مبكرة من العمر بطريقة بدائية».