وتتقسم إلي نوعين متباينين ، بطانة صالحة وبطانة سيئة ، كما ورد في الحديث الشريف : فقد صح عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال “ما استخلف خليفة إلا له بطانتان بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه والمعصوم من عصم الله” .
فالبطانة الصالحة هي التي تَصْدُق الحاكم وتدله علي فعل الخير ولا تكذب عليه ولا تنقل له الا ما هو صحيح وخال من الأغراض الشخصية وتدفعه لاتخاذ المواقف والقرارات الصائبة والسليمة التي تقربه من الرعية وتحببه إلي مواطنيه .
أما البطانة السيئة – أعاذنا الله من شرها وسمومها – فإنها نقيض البطانة الصالحة تعمل علي حجب الحقائق وتمتهن نقل المعلومات الخادعة والكاذبة التي قد يتخذ ولي الامر قراراً خاطئاً علي ضوئها يناقض المصلحة العامة فيترك ذالك القرار أثراً سلبياً و سيئاً علي البلد حاضره ومستقبله مثل ما وقع في مصر في عهد السادات حين دفعته بطانته السيئة إلي تصفية رموز وقيادات الناصريين من اجهزة الدولة سنة ١٩٧١ تحت شعار تصفية مراكز القوي لتنفرد به تلك البطانة وتدفعه لاحقاً إلي توقيع اتفاقية الْخِزْي والعار في كامبديفد التي عزلت مصر وأخرجتها عن محيطها العربي ومن دائرتها الاسلامية .
البطانة السيئة تتعمد التضليل والوقيعة بين الحاكم ورعيته وتسعي دوماً إلي إبعاد وإقصاء الخيرين من الناس بالعمل علي تشويههم وتحويل صورتهم من وطنيين صادقين إلي أفراد شريرين في نظر الحاكم متخذة كل الأساليب القذرة من شعوذة وسحر وكذب وأعمال كهنوتية .
فتنطبق عليها صفات المنافق كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ) رواه البخاري.
وفي حديث آخر ، عن ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ، وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ، وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
أسأل الله العلي القدير أن يجنب بلدنا شر بطانة السوء وان يبعدها عن قائدنا حتي يظل ويبقي علي نقائه وطهارته التي عرفناه بها.
كما اسأله جل في علاه ان يوفقه وان يرزقه بطانة صالحة تعينه وتساعده علي مواصلة مسيرة البناء والنماء ، بطانة لا تكذب ولا تتآمر ، تبني معه ولا تهدم ما بناه ، توحد ولا تفرق ، تجمع ولا تبدد ، تقربه- كما كان – من قلوب وعقول شعبه .
قال تعالي في سورة الانفال : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ.
وقال تعلي ايضاً في سورة آلِ عمران : إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ.
وقال تعالي مخاطباً نبيه ورسوله موسي عليه السلام في سورة طه : وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَيٰ.
فهذا حكم يتناول كل ساحرٍ وفي كل زمان لانه تعالي لم يقل ولا يفلح هؤلاء السحرة.
وقال في سورة الاعراف : وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ، فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ .
وقال جلَّ من قائل عن الكهنة والمشعوذين : وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه .
فلنتوكل علي الله.
الخليل الطيب