منذ وصول رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز إلى سدة الحكم، قبل تسع سنوات، أخذت الدبلوماسية منعطفا جديدا أعادها إلى سابق عهدها أيام حكم الرئيس المؤسس المرحوم المختار ولد داداه.
لقد أثمرت دبلوماسية الرئيس محمد ولد عبد العزيز حضورا قويا متزايدا في المحافل الدولية والإقليمية، تم تتويجه برئاسة الاتحاد الافريقي وجامعة الدول العريية، وكذا بقيادة وساطات أدى بعضها إلى منع نشوب حروب أهلية مثل وساطة الرئيس في الأزمة الغامبية.
ولعل الأزمة الغامبية، التي كانت فيها موريتانيا والسنغال على طرفي نقيض بعد أن حشدت دكار قواتها لإذكاء حرب طاحنة في جارتها، هي ما جعل ماكي صال يضمر الشر لولد عبد العزيز الذي منع نشوب تلك الحرب التي كانت ستكون وبالا على الشعب الغامبي وعلى المنطقة برمتها.
فمنذ نجاح الوساطة الموريتانية في غامبيا بدأت السنغال في احتضان وتشجيع كل من هب ودب وادعى معارضة نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، في خرق سافر لعلاقات حسن الجوار، دون أن تفكر في مصالح أكثر من مليون سنغالي يعملون في موريتانيا و يرسلون حوالات شهرية بعشرات الملايين لأسرهم داخل السنغال.
فمن فرقة أولاد لبلاد، إلى حركة “إيرا” غير المرخصة، إلى الأفراد المتاجرين بوطنهم… فتحت دكار ذراعيها لاحتضان من يريدون زعزعة أمن واستقرار جارتها الشمالية السخية مع الشعب السنغالي الشقيق.
وأخيرا، وصل تطاول دكار على نواكشوط حد تبني خطاب المعارضة الموريتانية، بل وأعداء موريتانيا في الخارج، من خلال تدخل وكالة الأنباء السنغالية الرسمية في الشؤون الداخلية لبلد جار مستقل لم تجد منه غير الاحتضان والتشغيل وكرم الضيافة.
لم تلجأ الدبلوماسية الموريتانية إلى الفرقعات الإعلامية في تعاطيها مع إساءة السنغال، بل إنها لعبت على أعصاب حكومة السنغال بممارسة الصمت الرسمي مع إيحاءات تم تسريبها عبر قنوات مختلفة بأن نواكشوط إذا غضبت وقررت رد الإساءة، فسيكون ذلك مزلزلا في شوارع السنغال، وربما يجبر حكومة ماكي صال على الرحيل قبل استكمال مأموريتها، فقط لأن الشعب السنغالي إذا وجد نفسه مجبرا على الاختيار بين حكومته ومصالحه في موريتانيا، فخياره سيكون واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار.. فمصالحه في موريتانيا مستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وسريعا، استوعب ماكي صال الدرس، فأرسل وزير خارجيته للاعتذار والتعهد بعدم التكرار، معلنا بذلك اعترافا صريحا بقوة الدبلوماسية الموريتانية، التي لا شك أنها مارست حقها الطبيعي في إملاء الشروط على المبعوث السنغالي لقبول اعتذار الرئيس ماكي صال، وفتح صفحة علاقات جديدة بين البلدين قوامها الاحترام المتبادل وحسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.