قد لا يدرك المتتبع العادي لمهرجانات المدن القديمة، في نسختها الثامنة، فوائد هذه الفكرة الوطنية الرائدة التي أطلقها فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز منذ 2012على مدننا القديمة بشكل عام وساكنتها بصفة خاصة.
فقد شهدت هذه الفكرة تطورا مرحليا يأخذ في الحسبان البعدين الثقافي والتنموي نظرا للعلاقة العضوية بين المجالين وتحفظ للبلد هذه الكنوز الهامة من تراثه وتاريخه المشرف.
وضعت هذه الفكرة على قاعدة ثابتة وصلبة تقوم على تبادل الأدوار و تعميم الاستفادة بين المدن المعنية بعدالة وشفافية تضمن للفكرة استمرارها وتجاوب الساكنة لها سنة بعد أخرى.
وعندما يأتي الدور على إحدى هذه المدن الأربع تتحول حينها ولعدة أشهر قبل المهرجان إلى ورشات للعمل على كافة الصعد تمهيدا لاستقبال ضيوف المهرجان من داخل البلاد وخارجها.
حيث تقوم كل قطاعات الدولة كل في ما يعنيه بالدور الممول له في هذا الشأن سواء تعلق الأمر بفك العزلة أو ربط الأحياء ببعضها البعض ومدها بشبكات المياه والكهرباء وتقنيات الاتصال الحديثة، وغيرها من الخدمات الأساسية.
كما تقوم الجهات المختصة بترميم بعض المباني الأثرية ونفض الغبار عن المكتبات والمنشآت الدينية والثقافية، بالإضافة إلى ترميم وتجهيز عشرات منازل السكان ومنح أصحابها مبالغ نقدية معتبرة للقيام على خدمة وإعاشة ضيوف المهرجان من البداية وحتى النهاية.
وتوفر هذه الإجراءات مجتمعة فرص شغل دائمة وأخرى موسمية للساكنة المحلية يستفيد منها كل مواطن على قدر ما يقدم من خدمات في إطار المهرجان.
ومع بداية العد التنازلي لأي من المهرجانات تكتسي المدينة المستضيفة حلة جديدة لاستقبال ضيوفها وتعود الحياة إلى كل شيء، سواء تعلق الأمر بالأسواق أو المعارض أو الإقامة أو الشوارع أو الساحات العمومية أو المحلات التجارية وغيرها من المنشآت والمواقع الخدمية والأثرية والسياحية والمكتبات التي تستقبل مع إطلالة كل مهرجان أعدادا هائلة من الصحفيين والباحثين والسياح من داخل البلاد وخارجها.
وأمام هذا الكم الهائل من الوافدين من داخل الوطن وخارجه، يرتفع الطلب على كل شيء، من ما يتيح لكل مواطن تسويق منتوجه أو سلعته أو خدمته في محله ودون عناء.
وتوفر المعارض والأسواق التي تنظم بمناسبة كل مهرجان فرصا نادرة لأصحاب التعاونيات النسوية والحرفية لتسويق منتجاتهم من الصناعات التقليدية بالإضافة إلى اكتشاف مهارات غيرهم في هذا المجال أو ذاك.
كما تنشط الحركة الثقافية والفكرية والأدبية والفنية مع إطلالة كل مهرجان والتي توفر هي الأخرى على أصحابها عائدات معتبرة، حيث تقام الندوات الفكرية والسهرات الفنية والثقافية التي تتعانق فيها الفرق الفنية الوطنية الأصيلة والفرق الشعبية المحلية مع فرق فنية من دول الجوار مع الشعر الشعبي والفصيح والمسرح وغير ذلك من أنواع الفنون الجميلة.
ولتعم الفائدة يقام بمناسبة كل مهرجان مسابقات في حفظ القرءان الكريم وتجويده والحديث الشريف وأسانده، تقتصر المشاركة فيها على حفظة القرءان والحديث وطلبة المحاظر في المدن الأربع، يحصل الفائزون فيها على جوائز نقدية قيمة، وتقوم فكرتها على ربط السكان بمدنهم الأصلية.
وفي الشق الرياضي من هذه التظاهرة الموسمية تقام مسابقات للجمال وأخرى في الألعاب التقليدية مثل”اكرور” و”ظامت” و”السيك”، إضافة إلى مسابقة في الرماية التقليدية وأخرى في الكرة الحديدية وغير ذلك من الألعاب الأصيلة لدى المجتمع، يحصل الفائزون في كل منها على جوائز نقدية معتبرة.
وقد مكنت هذه الإجراءات مجتمعة من ضخ ما يناهز 30 مليون أوقية جديدة سنويا في الدورة الاقتصادية للمدينة المستضيفة من الموارد الذاتية للدولة، بالإضافة إلى المبالغ التي يتم صرفها خارج هذا الإطار من قبل الوافدين لاقتناء حوائجهم الخاصة وتأمين إقامتهم في المدينة ينشط عمل المعارض والأسواق المحلية ومختلف مقدمي الخدمات الذي يعود بكثير من الفائدة على الساكنة.
واستفادت من العائدات المباشرة لهذه المهرجانات منذ بدايتها وحتى اليوم أزيد من 2500اسرة من مساعدات نقدية وأخرى غذائية غيرت من ظروف عيشها.
كما شهدت هذه المدن تطورا عمرانيا مهما بين النسختين الأولى والأخيرة بلغ نسبا تتراوح ما بين 30 و45 بالمائة مع المحافظة على طابعها العمراني الأصيل والمتميز.
ويمكن القول إن مهرجانات المدن القديمة قد أعادت إلى هذه المدن ألقها ودورها الريادي على الصعيدين المحلي والدولي، وخلقت ظروفا معيشية تختلف تماما عن ما كان عليه الحال قبل انطلاقة هذه المهرجانات.
تقرير:سيدي ولد أعمر