تتناقلت وسائل الإعلام المختلفة بين الفينة والأخرى فتاوى سياسية تصدر عن مشايخ وطلبة علم شرعيين، يصفها رافضوها والمعترضون عليها بـ”الغريبة والصادمة”.
ووفقا لناشطين فإن ذلك اللون من الفتاوى السياسية أشد ما يكون غرابة حينما يتصدر المشهد مشايخ السمع والطاعة لولي الأمر، إذ إنهم بدل أن يكونوا صوتا عاقلا يساهم في إنهاء النزاعات والخلافات بين الدول، تراهم بانحيازهم إلى ولي أمرهم، يكرسون واقع الفرقة والشقاق والنزاع.
في هذا السياق وجه الناشط السياسي الكويتي، هاني محسن، عبر صفحته على الفيسبوك سؤالا لمن أسماهم “مشايخ السمع والطاعة لولي الأمر..” قال فيه: “في نزاع قطر والسعودية والإمارات.. هل كل شعب يقف مع ولي أمره أم ثمة تكييف شرعي بحسب المصلحة والمفسدة؟”، معقبا: “أفيدونا لا بارك الله فيكم! ضيعتوا المسلمين”.
ومن آخر تلك الفتاوى السياسية الصادمة كما يصفها منتقدوها، ما قاله قبل أيام خطيب مسجد معاوية بن أبي سفيان في جبل الجوفة بالعاصمة الأردنية عمان، مراد شكري، والذي أحدث ردود فعل غاضبة بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
ففي معرض إجابته عن أسئلة المصلين بعد صلاة الجمعة قبل الماضية، قال شكري في رده على سؤال بشأن ما يجري في المسجد الأقصى بأنه “صراع بين حماس والسلطة الفلسطينية، ولا علاقة لليهود بالموضوع”.
وحمل شكري “حماس” مسؤولية ما يجري في الأقصى، لأنها هي التي دبرت عملية قتل جنود الاحتلال، بإدخال عناصرها (نفذها 3 أشخاص من عائلة جبارين من أم الفحم)، عمدا لتفتعل قصة، متسائلا: “ماذا ننتظر من دولة إسرائيل بعد أن أطلقوا الرصاص على جنودها..؟”.
ووصف شكري الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، بأنه “ربهم وأحد طواغيتهم”، كما أنه نعت عمليات الطعن التي يقوم بها فلسطينيون ضد المستوطنين وجنود الاحتلال الإسرائيلي بـ”المسخرة”.
وبسبب ما أحدثته أقوال شكري من ردود فعل ساخطة في الأوساط الأردنية، واحتفاء صفحة تابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية بما قاله الخطيب الأردني، قامت وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الأردنية باستدعاء شكري للتحقيق معه.
من جهته أوضح أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله، منذر زيتون أن الذين يطلقون تلك الفتاوى الصادمة والشاذة ليسوا صنفا واحدا، بل يمكن تصنيفهم إلى عدة أصناف.
فبعضهم وفقا لزيتون علماء بحق، يعرفون الأحكام الشرعية والواقع معرفة جيدة، لكنهم أصحاب مناصب دينية، يسعون للمحافظة عليها، لذا فهم يحاولون التوفيق بين كونهم علماء وأصحاب مناصب وطموحات، لكنهم مع الوقت يمعنون في تبرير سياسات الأنظمة والدفاع عنها.
وأضاف لـ”عربي21“: وبعضهم علماء وطلبة علم، لكنهم يتبنون منهجا فكريا شاذا أصلا، يحيد الدين ويحصره في مسائل معينة، ويرون في الوقت نفسه وجوب طاعة ولي الأمر ونصرته، ومهاجمة من يعارضونه، فلذلك يغلب عليهم تبرير كل ما يقع منهم، ورفض أي مظاهر للاعتراض عليهم درءا للفتنة.
وتابع الأكاديمي الأردني: “للأسف فإن من أولئك الذين يظهرون بمظهر العلماء وزيهم، ليسوا في حقيقة الأمر أكثر من موظفين تمت صناعتهم على أعين الأنظمة، فهم موظفون يخدمون تلك الأنظمة بحسب ما تطلبه منهم، وفي المجال الذي يعملون فيه”.
من جهته أشار الباحث الشرعي الكويتي، فواز البرازي، إلى أن “استغلال الفتاوى في اللعبة السياسية أمر مشتهر في التاريخ، وحينما كان بعض العلماء يُكرهون إكراها ملجئا لإصدار فتاوى صريحة لنصرة السلطان، أو تبرير أمر له، كان العلماء يتفطنون لذلك ويحذرون من فتواهم”.
واستذكر البرازي في حديثه لـ”عربي21” مواقف أئمة المذاهب الفقهية في “ضربهم أروع الأمثلة في صيانة ميراث النبوة عن العبث السياسي، فقد جلد الإمام الأعظم أبو حنفية النعمان، وحبس ودس له السم فمات، وجلد إمام دار الهجرة مالك بن أنس حتى خلعت يداه، وجلد إمام أهل السنة أحمد في فتنة خلق القرآن وغيرهم”.
وانتقد البرازي مسارعة علماء وطلبة علم إلى “تقديم الفتاوى للسلطان من غير طلب منهم، ولا إكراه لهم عليها، فتخرج فتاواهم مشوهة ومتناقضة، حتى اشمأز شباب الأمة من مواقفهم هذه، واستاءوا منهم، وانفضوا من حولهم، متسائلا: “هل غاب عن أولئك العلماء وطلبة العلم أن العبث بميراث النبوة أمر خطير على دينهم؟”.
وذكر البرازي أن من “أعظم الفساد تبرير العبث السياسي وغيره بفتاوى دينية، تنسب زورا إلى ميراث النبوة”.
لكن ما هي دوافع تلك الفتاوى السياسية التي يصفها منتقدوها بالصادمة والشاذة؟ وهل ترجع إلى جهل أصحابها بحقيقة ما يجري لعدم متابعتهم وغيابهم شبه الكامل عن الواقع، أم لضلوعهم في تسويق سياسات ولي الأمر وإضفاء الشرعية الدينية عليها؟
أجاب الأكاديمي الشرعي الإريتري، والقيادي في مؤتمر الأمة، حسن سلمان، بأن تلك الفتاوى ليست ذات طابع واحد، فمنها ما يكون سبب شذوذه الجهل بالنص الشرعي ومقاصده، وغالبه يقع من غير الراسخين في علوم الشريعة.
وأضاف: “ومنها ما يكون شذوذها راجع إلى عدم الإلمام بالواقع بكل أبعاده، واقتحام ميادينه من غير أهل الاختصاص فيه، أو سؤالهم للصدور في الفتوى عن رأيهم، وهذا يقع فيه كثيرون، حتى أهل العلم بالشريعة يقعون فيه، حينما يقصرون في معرفة الواقع، ولا يسألون أهل الاختصاص والمعرفة”.
وبيّن سلمان في حديثه لـ”عربي21” أن “من العلماء وطلبة العلم من ينطلقون في الفتوى من موقف بلادهم الرسمي، ويلتزمون برأي السلطة السياسية فيها، سواء بحسب ظنهم في ما تقوله لهم، أو بانحيازهم لها لعوامل عديدة”.
وانتهى القيادي في مؤتمر الأمة إلى القول: “قد يكون الشذوذ في الفتاوى السياسية من أطراف ذات طبيعة وظيفية، تستخدم فيها السلطات بعض ضعاف النفوس، أو أصحاب الأغراض والخصومات”، في إشارة منه إلى توظيف الأنظمة السياسية للخلافات الدينية والمذهبية واستثمارها لصالح أجنداتها السياسية.