الموريتانيون سلطات ومعارضون ورأي عام حاليا بتفاعلات قضية الملياردير الموريتاني المعارض محمد ولد بوعماتو، التي تتواصل التحقيقات لتجميع عناصرها وتشخيص المتهمين فيها الذين يتوقع أن تكون غالبيتهم من متشددي المعارضة.
ويتخوف متابعو هذا الملف من أن تتوسع قضية بوعماتو لتصبح عاملا جديدا في توتير العلاقات بين موريتانيا والمملكة المغربية التي يتخذ بوعماتو منها مركز إقامة ولجوء سياسي.
وكانت التحقيقات والاستجوابات التي تواصلها لحد اليوم، شرطة الجرائم الاقتصادية محل تنديد واسع من المعارضة الديمقراطية الموريتانية، التي أدانت في بيان وزعته أمس ما سمته «الاعتداء على الحريات واستخدام الأساليب البوليسية الخارجة على القانون من أجل تصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين».
وأعلنت المعارضة «تضامنها الكامل مع الشيوخ والصحافيين والنقابيين الذين تم الاعتداء على حريتهم ومحاولة ترهيبهم وتكميم أفواههم، كما تجدد وقوفها الحازم مع الشيخ محمد ولد غدة الذي يدفع ثمن رفضه للظلم والاستبداد، وترفض إطلاق سراحه فورا.»
ودعت «القوى الوطنية جميعهم للوقوف في وجه هذا الانزلاق السلطوي الخطير الذي يهدد الاستقرار ويعمق الأزمات الخطيرة التي تعيشها البلاد»، والتعبير للمعارضة.
وأكدت المعارضة «إرادتها الحازمة في التعاون والتنسيق مع كل من يعارض طغيان الحكم الفردي ويناضل من أجل عودة المسلسل الديمقراطي إلى طريقه الصحيح».
وأوضح بيان المعارضة «أن نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز يواصل جر البلاد إلى منعطف خطير، من خلال خنق الحريات الجماعية والفردية، وانتهاك الحقوق كلها التي يكفلها الدستور وتصونها القوانين، وذلك بعد التضييق على الأحزاب السياسية والتجمعات والهيئات المعترف بها، وحظر نشاطاتها وقمعها بصورة وحشية، وتحريم الاحتجاجات السلمية التي يقوم بها الشباب وأصحاب المظالم».
«بعد كل هذا، تضيف المعارضة، عمد إلى استخدام الشرطة السياسية والقضاء لتلفيق التهم واختلاق المؤامرات والجرائم العابرة للحدود من أجل إسكات الأصوات كلها التي ترتفع ضد طغيانه ونهبه لخيرات البلد واحتقاره للمواطنين وعدم اكتراثه بمعناتهم وبمشاكلهم».
وتابعت: «إن هذا التخبط ينم عن حالة الارتباك التام الذي ينتاب السلطة نتيجة العزلة الشعبية والهزيمة السياسية التي تعيشها وعكسته سخافة الأسئلة التي تم توجيهها لمن استدعتهم الشرطة السياسية، قد أفقد الدولة كل هيبة وأظهر ضعف السلطة الحاكمة، حيث أصبحت تتخيل المؤامرات حتى في العلاقات المعلنة والطبيعية والقانونية بين بعض السياسيين وبعض رجال الأعمال، وهي العلاقات التي استفاد منها رأس النظام نفسه إلى حد كبير ولم ير أية غضاضة في ذلك عندما كانت تمويلاتهم السخية ومساندتهم الفاعلة تصب في مصلحته».
وشددت المعارضة الموريتانية تأكيد «أن التمادي في هذا التوجه الخطير، الذي يعود بالبلاد إلى عهد الأحكام العرفية، ويرمي إلى القضاء على المكاسب التي حققها الشعب الموريتاني في مجال الحريات، يسد الطريق أمام الخروج من الأزمة المتفاقمة التي تعيشها البلاد، ويشكل تهديدا للاستقرار والسلم الاجتماعي».
وفي تدوينة له أمس أكد مجمد جميل منصور الرئيس الدوري لمنتدى المعارضة الموريتانية «أن التحقيقات التي جرت مع الشيخة المعلومة بنت الميداح ومع صحافيين بارزين ونقابيين معروفين يستدعي ملحوظات منها «أنه واضح من المعتقل الأول الشيخ محمد ولد غدة ومن أسماء الصحافيين والنقابيين ومن آخر المحقق معهم الشيخة المعلومة أننا أمام شخصيات وجهات غير محبوبة من النظام إمّا لموقفها السياسي أو خطها التحريري أو تموقعها النقابي ما يعني أننا أمام استهداف سياسي وتصفية حسابات يوظف أعوان القضاء فيها».
وأضاف: « الكرة في ملعب السلطة والشبهة حولها مجتمعة ومكثفة والأولى بالجرائم الاقتصادية أن تتوجه هناك وأنا كفيل لها بأنها ستجد ما يشفي الغليل ويسود الدفاتر ويساعد في ملف الشفافية إن قصدت وما هي بمقصودة والنزاهة إن طلبت وما هي بمطلوبة»، حسب قوله.
وفي مقابل المواقف التي عبرت عنها المعارضة، دافعت جمعيات حقوقية محلية عن موقف الحكومة؛ ومن بين هذه الجمعيات جمعية البركات للإغاثة الإنسانية، والعمل ضد الفقر، والسلام من أجل محاربة الإكراه والظلم، والجمعية الموريتانية لترقية الحقوق، وجمعية حماية حقوق الإنسان والتنمية، ومنظمة دعم الوحدة الوطنية، ومنتدى حقوق المرأة والطفل. وأكد بيان لهذه الجمعيات «أن اعتقال السيد محمد ولد غدة من قبل فرقة مكافحة الجرائم المالية أدى إلى إثارة ردة فعل من طرف عدد من الصحافيين، ومركزية نقابية، ولفيف المحامين المدافعين عن المعني عبر وسائل اتصال ذات مصدر وحيد، حيث نددت بعدم شرعية الاعتقال وهاجمت المؤسسة القضائية التي وصفتها بكل الشرور». «وشكل هذا الاعتقال، يضيف البيان: فرصة لهذه الكيانات لمهاجمة السلطة على جميع الجبهات عن طريق الإهانات التي ليس لها علاقة بالقضية المعنية»، مبرزة «أن هذه المخرجات المختلفة تشكل ضغطا مباشرا على القضاء ولا تخدم التحقيق الجاري في القضية، كما أنها لا تحترم مبادئ حقوق الإنسان الشاملة بما فيها الترقية والحماية لمصلحة الفاعلين جميعهم في القضية نفسها، ولا ينبغي استخدامها بهدف التلاعب بالرأي العام من خلال نشر المعلومات المضللة».
وأكدت المنظمات المذكورة في بينها المدافع عن السلطات «أن النيابة العامة أجرت تحقيقات أولية معمقة وشاملة بعد وضع اليد على معلومات موثقة عن أعمال التواطؤ والتخطيط لهذه الأعمال، وستعلن النيابة العامة الاستنتاجات المستخلصة من هذه الوقائع وغيرها وفقا لما تسمح به الإجراءات القضائية».
وفي تحليل تحت عنوان: «قراءة في قصة المحمدين»، أكد محمد الأمين ولد الفاضل القيادي المعارض «أن الاستنتاج الذي يمكن أن نخرج به من «قصة المحمدين» (غدة وبوعماتو)، هو أن الأوسمة السامية وتهم الفساد والخيانة لا توزع حسب المقياس المعروف لدى الدول التي تحترم الحد الأدنى من القانون والعدل، وإنما توزع في بلادنا حسب التخندق السياسي وحسب تقلبات المزاج السامي للحاكم، فرجل الأعمال عندما يعارض صاحب المزاج المتقلب يصبح وبشكل تلقائي من رموز الفساد والخيانة ( ولد نويكظ 2009 وولد بوعماتو 2017)، وعندما يوالي صاحب المزاج المتقلب، فإنه يتحول إلى بطل وطني يستحق أعلى الأوسمة ( ولد بوعماتو 2009 وولد انويكظ 2015)، والأمر في الحالتين لا علاقة له بالفساد ولا بالوطنية، وما قلناه هنا عن رجال الأعمال ينطبق على غيرهم من المواطنين، سواء كانوا سياسيين أو نقابيين أو صحافيين أو فنانين».
وأضاف: «من المفارقات أن تلقي الأموال من رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو يعد خيانة للوطن إن كان المتلقي معارضا، ولا بأس به إن كان المتلقي مواليا، وفي الوقت الذي تحاول فيه أجهزة الدولة أن تجعل من تلقي الأموال من رجل الأعمال محمد ولو بوعماتو، الذي هو بالمناسبة لا يزال مواطنا موريتانيا، جريمة فساد كبرى عابرة للحدود، في مثل هذا الوقت بالذات تطالعنا وسائل الإعلام الرسمية بخبر يتعلق بتبرعات مهمة قدمها سفير دولة أجنبية (السفير الصيني) للحزب الحاكم».