المُبْطِلاَتُ الخَمْسَةُ لِقَرَارِ “اتْرَامْبْ ” ضِدّ مُورِيتَانْيَا المختار ولد داهى

0
265

جاء فى بيان نشره الجمعة  الثانى من نوفمبر 2018 “المكتب الأمريكي للممثلين التجاريين -US-trade représentatives office”  أن الرئيس الأمريكي”دونالد اترامب” ينوى تعليق   الإعفاء الضريبي  الممنوح لصادرات موريتانيا إلى الولايات المتحدة .

و برر البيان “مشروع القرار الرئاسي الأمريكي” بعدم إحراز موريتانيا التقدم الكافى للقضاء على   ممارسات “العمل تحت الإكراه-forced labor “و “العبودية الوراثية -heridatary slavery” مما يتعارض و يتنافى مع شروط الانتساب إلى “مبادرة النمو و التنمية بإفريقيا-African Growth and Développement Act-AGDA”.

 و مبادرةAGDA(النمو و التنمية بإفريقيا )    مبادرة أطلقها”  الرئيس الأمريكي الأسبق” بيل كلينتون” عام 2000و مَدّدَ الرئيس الأمريكي “باراك أوبوما “العمل بها إلى غايةً2025 و  بموجبها تمنح الولايات المتحدة إعفاءات ضريبية لصالح صادرات 39دولة إِفريقية إلى أمريكا  انتسبت إلى المبادرة فى سنوات متفاوتة و كان انتساب موريتانيا عام 2007.

و القارئ  “لمشروع القرار الرئاسي الأمريكي” المتوقع  ُ
دخوله دائرة التنفيذ  رأس السنة المقبلة 2019 ملاحظ أن هذا القرار بُنِيّ على   معلومات و “إخباريات ” و “كَيْدِيّاتٍ ” مغلوطة و
ُمضللة ما كان لدولة بسَمْتِ الولايات المتحدة الأمريكية-فى ظروف طبيعية- أن تُؤسِس عليها  قرارات لها أبعاد سيادية و دبلوماسية و “حقوقية”.!!

و العارف بالشأن الموريتاني عموما و الشأن الموريتاني “الحقوقي”خصوصا لن يجد صعوبة فى  النفي المطلق لوجود حالات “معلومة” من العمل تحت الإكراه و العبودية المتوارثة  كما لن يجد عناء تفكير فى استحضار و استصحاب المبطلات الخمسة التالية التى تنسف نسفا الباطل الذى أُسِسَ عليه مشروع القرار الرئاسي الأمريكي الظالم لموريتانيا:

أولا-التطور التشريعي الكبير فى مجال محاربة الاسترقاق و رواسبه: انتسبت موريتانيا لمبادرة النمو و التنمية بإفريقيا -AGDA عام 2007 و  الملاحظ أنه منذ ذلك التاريخ لم يُسَجّلْ أي تراجع فى مجال محاربة العبودية بل  شهد التشريع الموريتاني تطورا مهما فى مجال محاربة الاسترقاق تمثل فى مصادقة موريتانيا على كل المعاهدات و الإعلانات الدولية و الإقليمية ذات الصِّلة-من قريب أو من بعيد-  بمحاربة العبودية و تُوّجَ ذلك التطور التشريعي  “بدسترة اعتبار الاسترقاق جرائم ضد الإنسانية لا تتقادم” عام2012.

و قد أكد لي  أحد أكبر فقهاء القانون بالبلد و أحد أرسخ الحقوقيين نضالا ضد الاسترقاق و رواسبه أن الترسانة الدستورية و التشريعية الموريتانية فى مجال  محاربة الاسترقاق أكثر “تقدمية” من مثيلاتها بالعديد من الدول التى عرفت بشكل أو بآخر نوعا من الممارسات الاستبعادية.

ثانيا-إنشاء قضاء “كامل الاعتبار إن لم يكن فوق العادة”مختص فى مكافحة رواسب الاسترقاق: تم فى إطار السعي إلى تغليظ العقوبة على ممارسات رواسب العبودية إنشاء محاكم خاصة بجرائم الاسترقاق استفاد  القضاة و كتاب الضبط العاملون  بها من تكوين مكثف  كما تم تجهيز مقارها و تدشين انطلاق أعمالها منذ سنة 2013.

و لئن كانت الحالات التى تم عرضها على المحاكم حتى الآن قليلة و الحمد لله فإن وجود هذه المحاكم”كاملة الجاهزية إن لم أقل الاستنفار- يضطلع بدور رادع زاجر لكل من قد تسول له نفسه ممارسة أي نوع من أنواع الاسترقاق القديم و الحديث و لست بالمتأكد -رغم بعض البحث-أن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك أجهزة قضائية عالية الجاهزية مختصة حصريا  فى هذا المجال.!!!

ثالثا-اعتماد  و تنفيذ “خارطة طريق”للقضاء على رواسب الاسترقاق: أعدت الحكومة الموريتانية منذ عام 2014 (سنوات بعد انضمام موريتانيا لمبادرة AGDA) خارطة طريق للقضاء على رواسب العبودية وفق مقاربة تشاورية موسعة مع كافة الفاعلين الحكوميين و غير الحكوميين.

و قد شارك بحيوية فى صياغة خارطة الطريق تلك العديدُ من المنظمات غير الحكومية منها منظمات “متهمة بالحَدِيّةِ و غير الوسطية “فى مجال النضال ضد العبودية و “غير  معروفة” بالصداقة و المجاملة و حتى اللباقة مع النظام   الموريتاني الحالي-كما تشارك بفعالية تلك المنظمات فى متابعة و تقييم  تنفيذ مختلف بنود خارطة الطريق.

وأنشأت الحكومة “وكالة كبرى لمحاربة رواسب الاستقرار”حققت نتائج جد مهمة فى مجال تجهيز “حواضن رواسب الاسترقاق”بالبنى التحتية الطرقية و التعليمية و الصحية و الخدمية المُكافئة شيئا ما  لتلك الموجودة بالمدن المتوسطة و الكبرى،كما تم اعتماد التمييز الإيجابى فى الولوج إلى سلك أئمة المساجد و تشجيع المدارس و المحاظر بالمناطق “ذات الاحتياجات الخاصة فى مجال التعليم”.

رابعا-الإجماع السياسي الوطني على أولوية و أسبقية معالجة رواسب الاسترقاق: لست أدرى بالضبط من وفر المعلومات الكيدية ،المغلوطة و المضللة التى بُني عليها مشروع القرار الرئاسي الأمريكي لكنى متأكد أن كامل الطيف السياسي الموريتاني و الحقوقي “الشرعي” مجمع على أولوية و أسبقية محاربة رواسب الاسترقاق، و  مهما  تنوعت المقاربات و تفاوت سقف الطموحات و تجددت من حين لآخر بعض المُلاسنات و المقالمات فإنى أكاد أجزم  على توقع انعقاد إجماع وطني عريض غير مسبوق ضد مشروع القرار الرئاسي الأمريكي.

خامسا-التزكية الدولية للمجهود الموريتاني فى مجال محاربة الاسترقاق:

يحظى المجهود الموريتاني فى مجال محاربة رواسب الاسترقاق-والذى لا أحد يكابر فى أنه  يمكن أن يكون أفضل و أنجع-بتزكية من الشركاء الدوليين الذين خفت و بَرُدَتْ حدة لهجة انتقادهم لموريتانيا بهذا الخصوص خلال العشرية الأخيرة.

و آخر دليل على هذا التطور الإيجابي فى الموقف الدولى من مجهودات موريتانيا ضد الاسترقاق هو تصريحات المقرر الأممي  “فيليب آلستون “فى مجال الفقر المدقع و حقوق الإنسان الذى صرح  سنة 2017 بأن موريتانيا تمتلك ترسانة قانونية رادعة مانِعة لممارسة  العبودية كما تمتلك سياسات تنموية مُخففَة من رواسبها.

و خلاصة القول أن “مشروع القرار الرئاسي الأمريكي” لم يؤسس رأي سياسي و لا حقوقي موريتاني مُعارض أو مٌوالٍ  و لا على تقييم محايد يمتلك ذرة من الإنصاف للتطور الحاصل موريتانيا فى مجال محاربة الاسترقاق منذ انتساب موريتانيا إلى AGDAسنة 2007 كما لم يُبْنَ على موقف المنظمات الأممية و المنظمات غير الحكومية الدولية و راجح التحليل أنه أسس على “نَفْثٍ”من تنظيمات موريتانية  غير مرخصة قانونا منزوعة المصداقية و هو ما يجعلنى متفائلا بالعمل الدبلوماسي المشترك بين البلدين من أجل إحقاق  الحق و إزهاق باطل هذا القرار الظالم لموريتانيا و الولايات المتحدة الأمريكية معا.