تحقيق لصحيفة “لوموند” يكشف حرب التجسس في إفريقيا

0
315

«أفريقيا معركة المستقبل»، هكذا ينظر خبراء وكبار المحللين في العالم إلى قارة الذهبين الأبيض والأسود، فالقوى العالمية تحضر نفسها لمواجهة قوى إقليمية صاعدة مثل اليابان، وكوريا، والهند، وإيران، وتركيا، وإسرائيل، بعد أن كانت مواجهة الغرب مقتصرة على الصين الذي يتبادل مع القارة أكثر من 400 مليار دولار، لكن صحيفة لوموند الفرنسية، فاجأت الرأي العالمي بتسليط الضوء على صراع القوى الغربية فيما بينها.

وكشفت لوموند وفق تحقيق أجراه فريقها الصحافي عن نظام تجسس واسع النطاق، تعرضت له المصالح الفرنسية في القارة الأفريقية. وشمل التقرير الذي نشرته قبل أسبوع، الجريدة الفرنسية ذائعة الصيت، 20 دولة أفريقية رُصدت ضمن التجسس الذي قامت به وكالات الأمن القومي في بريطانيا، وأمريكا.

واستندت لوموند إلى الكم الهائل من وثائق إدوارد سنودن، الفار إلى روسيا، والذي كشف عن أكثر من مليون وثيقة سرية للاستخبارات الأمريكية في فترة سابقة، كما رصد فريق التحقيق أن الوكالة الوطنية للأمن الأمريكي، ومكتب الاتصالات الحكومية البريطانية استمعا إلى مكالمات وزارة الخارجية، من بينها مصالح دول عربية كالجزائر وسفارتها في السعودية، بالإضافة إلى مؤسسات وهيئات حكومية وغير حكومية، من بينها شركة الاتصالات الفرنسية «أورانج»، ومسؤولون دبلوماسيون من فرنسا وخارجها بالقارة الأفريقية.

ونشرت الصحيفة مجموعة من البيانات والمعلومات التي تعتبرها تعرضت للتجسس والرصد عن طريق استخبارات أجنبية، وذهب ضحية هذه العملية التي جرت بين عامي 2009 و2010 قادة دول ورؤساء حكومات ومسؤولون في أجهزة استخبارات لدول المنطقة، بالإضافة إلى حركات تمرد وجماعات متشددة ومتطرفة بالساحل الأفريقي.

هذه هي الشخصيات والهيئات المُرَاقَبة

وشمل التحقيق مجموعة من الهيئات والفئات التي جرى التجسس عليها، كالشخصيات السياسية والمصالح الإستراتيجية لفرنسا، واحتوت على رؤساء بلدان أفريقية، ورؤساء حكومات ومستشارين على مستوى عالٍ، كما تنصت البريطانيون والأمريكيون على مجموعة من الدبلوماسيين في وزارات الخارجية، والسفراء الفرنسيين وغير الفرنسيين، وبعثات الأمم المتحدة والهيئات الأفريقية مثل الاتحاد الأفريقي.

وتجسست الاستخبارات البريطانية على الرئيس الكيني ورئيس وزرائه وبعض المستشارين في الرئاسة، كما تم التنصت على رئيس أنجولا، جوزيه إدواردو دوس سانتوس، وقادة ومسؤولين سياسيين ودبلوماسيين في الكونجو الديمقراطية، ونيجيريا، وغانا، وتشاد، وإرتيريا، وسيراليون، وتوجو، وغينيا الاستوائية، والسودان.

وبخصوص السفراء أوردت لوموند قائمة تتضمن سفير زيمبابوي في غانا، وسفير الكونغو الديمقراطية في البرازيل، والسفير السوداني في باكستان، وسفراء نيجيريا في كل من تركيا، وجنوب أفريقيا، وليبيا، والكاميرون، وإيران. ولم تسلم المملكة السعودية من التنصت، حيث أجهزة الاستخبارات سفارات إرتيريا والجزائر وغينيا والسودان، بالإضافة إلى السفير السوري في السودان.

واهتم تحقيق لوموند كثيرًا، بالتجسس على مديري شركة «زين» للاتصالات في الكويت والسعودية. وتقول الصحيفة إن الاستخبارات تجسست، وتنصت على عدد من المدراء في شركة زين، بخاصة المتواجدين في السعودية ولبنان، ومن لهم علاقة مباشرة بـ15 دولة أفريقية يستفيد مواطنوها من شبكة الاتصالات.

وكان للجانب الاقتصادي الفرنسي نصيب من التجسس، حيث تابعت الأقمار الصناعية إدارة التعاون الدولي للتنمية وسفارات فرنسا، ونشاط المنظمات غير الحكومية كأطباء بلا حدود، وشركات كبرى مثل توتال، وتاليس الفرنسيتين. ولعل المساحة الكبرى للاستثمار الفرنسي في الساحل، ووسط أفريقيا يجعلانها ضمن الاهتمام الاستخباراتي القوي لبريطانيا، وأمريكا.

الأقمار الصناعية والتنصت على الهواتف أبرز أدوات التجسس

وخصت لوموند ملفًا كاملًا حول خطة التجسس على الطائرات عن طريق المراقبة بالأقمار الصناعية، ونشرت الملفات التي تثبت تعقب الطائرات المدنية للخطوط الجوية الفرنسية «آر فرانس» منذ عام 2005 و2008 من قبل وكالة الأمن القومي لبريطانيا، كما عثرت الجريدة على مذكرة من 13 صفحة تحتوي على الزمن التفصيلي للخطوات الرئيسية لبرنامج مراقبة الطائرات.

واعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية في نفس التقرير، الطائرات الفرنسية والمكسيكية ضمن أهداف الجماعات المتشددة لاختطافها والقيام بأعمال إرهابية، وترجع السبب إلى وجود مشاكل قانونية، وضعف الحماية لدى هذه الشركات. ووجهت مذكرات مماثلة إلى عشرين جهة استخباراتية وأمنية في أمريكا مثل وكالة الاستخبارات المركزية، ووزارة الأمن الداخلي، ووكالة الاستخبارات المكانية، ووكالة الاستخبارات الدفاعية، وموظفي القوات الجوية.

ويقول التحقيق إن أجهزة الاستخبارات رصدت استخدام الجوية الفرنسية للهواتف الذكية أول مرة في ديسمبر (كانون الأول) 2007، وتكرر استعمال الهواتف فيما بعد، والتجسس عليها، ضمن درجات الأعمال بالطائرة، ولم يقتصر استعمال الهواتف في الجوية الفرنسية؛ بل تعدى ذلك إلى عدد من الشركات العالمية.

وقامت نفس الأجهزة بمراقبة شركة الاتصالات السعودية، والشركة الفرنسية «أورانج»، والجنوب أفريقية «إم تي إن»، بالإضافة إلى شركات اتصالات محلية لمراقبة قادة حركات التمرد، التي لها علاقة بدول الخليج العربي، مثل المملكة العربية السعودية، والإمارات، وقطر، بحسب نفس التحقيق، وورد اسم جبريل محمد إبراهيم، شقيق خليل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة الذي اغتيل عام 2011.

كما تابعت الاستخبارات البريطانية، وبالتعاون مع خمس دول أخرى مثل أستراليا، مدير شركة إدارة المواقع الإلكترونية «OVH»، وهي أكبر شركة أوروبية في استضافة المواقع وخدمات الويب. ويقول التحقيق إن البريد الإلكتروني للمدير، أوكتاف كلابا (فرنسي الجنسية وبولندي الأصل)، كان ضمن المراقبة والمتابعة المستمرة لعدد كبير من أجهزة الاستخبارات الدولية.

التجسس سلوك أمني أمريكي خالص

ولم يغفل التحقيق التطرق إلى الهدف من وراء هذا التجسس، حيث تحدثت الصحيفة عن المصالح المالية والاقتصادية الفرنسية بالمنطقة، ولذلك أدرج وزراء المالية والطاقة والنفط والمتعاملون الاقتصاديون والشركات الاستثمارية الفرنسية ضمن الهيئات التي تم التركيز عليها في المتابعة والمراقبة المعلوماتية، ويعتبر هذا التحقيق أحد الملفات التي قد تدفع نحو خلاف سياسي ودبلوماسي أوروبي أمريكي.

وسبق أن انزعجت ألمانيا وفرنسا من تصرفات مماثلة، قامت بها أجهزة الاستخبارات الأمريكية. وأوضحت صحيفة «داي زيت» الألمانية، أن قرابة 800 ألف شخص كانوا مستهدفين بعمليات التنصت الألمانية، التي نُفّذت لصالح وكالة الأمن القومي الأمريكية. وطالبت ميركل من جهاز الاستخبارات الاتحادية الألماني توضيح الخروقات الاستخبارية من الولايات المتحدة بهذا الشأن.

وكانت صحيفة الجارديان البريطانية، في أواخر العام الماضي 2015، نشرت تقريرًا حول الملفات المسربة من استخبارات القوى العظمى والإقليمية في الصراع القائم في القارة الأفريقية، وهي وثائق وبرقيات ركزت بشكل كبير على جنوب أفريقيا باعتبارها دولة متطورة في مجال تكنولوجيا الاتصال، خاصةً مع النمو الاقتصادي في القارة، والصراع الدولي الكبير في عدة مناطق منها.

وورد في التقرير تجنيد أكثر من 78 جاسوسًا أجنبيًّا يعملون في بريتوريا العاصمة الجنوب أفريقية، كما يوجد 65 عميلًا للمخابرات الأجنبية يعملون في سرية، ينحدرون من الصين، والهند، والسنغال، وأوروبا، والولايات المتحدة الأمريكية. ويرتكز دور هؤلاء العملاء في مراقبة ومتابعة أنشطة المد الإيراني، والإسرائيلي، والجهادي في مناطق الساحل، وجنوب الساحل، والقرن الأفريقيين.

الصين المستفيد الأوّل في القارة

ولم تغفل لوموند في هذا التحقيق، العلاقات الوثيقة بين وكالة الأمن القومي الأمريكية، ونظيرتها البريطانية، أو الإشارة إلى الاتفاق الكبير والإستراتيجي الخاص بحماية إسرائيل، ودعمها بكافة المعلومات اللازمة، سواء داخل الأراضي الفلسطينية، أو خارجها.

وتقول تقارير إن هذا التحقيق سينعكس على النفود الأمريكي والبريطاني بالسلب، ويمكن للقوى الآسيوية الاستثمار في التعاون الاستخباراتي مع الدول الأفريقية، بعد اكتشاف أدوات التنصت والتجسس التي تعتمدها الدول الغربية في التعاون الأمني والعسكري مع الحكومات الأفريقية.

وتشير الدراسات أن الكثير من الحكومات الأفريقية، تحولت منذ زمن قصير تجاه الصين، واليابان لوجود ثقة تجارية متبادلة، على عكس الدول الأوروبية والغربية التي ما زالت تعامل القارة الأفريقية كمستعمرة أبدية، كما أن عدم وجود قوات آسيوية في مناطق النزاع الأفريقي يشجع الحكومات والمجتمعات الأفريقية على التعاون أكثر مع امتيازات الشرق على حساب أخطاء الغرب.

المصدر