دخلت موريتانيا فعلا عهد الجمهورية الثالثة، باعتمادها رسميا نتائج الاستفتاء الشعبي الأخير، الذي يعدل علمها الوطني، ويلغي غرفة مجلس الشيوخ، مع تعديلات أخرى جوهرية في أهم المؤسسات، وتغيير منتظر للنشيد الوطني..
ومع بداية العد العكسي لتنظيم أول انتخابات للمجالس الجهوية، وانتخابات لأول برلمان بغرفة وحيدة، وعيون الجميع على رئاسيات 2019 التي بدأت الاستعدادات لها فعليا، هي إذا مرحلة فارقة من تاريخ موريتانيا الحديث، 20 شهرا فقط، ستكون حافلة بانتخاب برلمان، وعـُمد، ورئيس للجمهورية، لكن مصاعب جمة تبدو في طريق هذه الاستحقاقات، ولعل أهم ما تواجهه الدولة اليوم هو المقاطعون لكل شيء، أو السلبيون – كما يسميهم البعض- الذين لا يرون أنفسهم إلا حيث يمارسون سياسة المقعد الشاغر، أو العنصر المـُعطل، والعامل المشوش، فأي خيارات سينتهجها الرئيس ولد عبد العزيز للتعامل مع معارضيه “المشاغبين”..؟.
لعل طبيعة تصرفات المعارضين مستقبلا ستحدد إلى حد بعيد كيفية تعامل النظام معهم، والأكيد أن المرحلة حساسة، والوقت ضيق، وضاغط، لا يسمح بترك من شاء يفعل ما يشاء، بالطريقة التي يشاء، وتبدو خيارات النظام في التعامل مع معارضيه منحصرة أساسا في ثلاث خيارات.
الخيار الأول هو أسلوب “الاحتواء” حيث يعمد النظام إلى التقليل من شأن حراك المعارضين، ووصفه بعديم التأثير، وترك الباب مواربا لهم لتنظيم مسيرات هنا، واحتجاجات هناك، دون قمع، أو تضييق، في تطبيق لسياسة… المعارضة تقول ما تشاء، والنظام يفعل ما يريد.
الخيار الثاني هو مراقبة المعارضين عن كثب، وملاحقتهم، ومحاسبتهم على أفعالهم، فإن صعدوا يصعد النظام ضدهم، وإن تظاهروا دون ترخيص يتم قمعهم، وفي هذه الحالة يكون النظام في موقف ردة الفعل، وتكون المعارضة هي المبادرة، وهي من تحدد مجريات الأحداث، تصعيدا، أو تهدئة.
أما الخيار الثالث فهو التصعيد من قبل النظام، والضرب بيد من حديد على المعارضة الراديكالية، ومنعها من ممارسة أي حراك في الشارع، واعتقال من يصر على ذلك من قادتها، وهنا قد يلجأ النظام لاستصدار مذكرة اعتقال دولية بحق الملياردير محمد ولد بو عماتو، رغم صعوبة تنفيذها نتيجة حصول الرجل على جوازات سفر فرنسية، ومغربية، ونسجه علاقات واسعة في الخارج، فضلا عن توتر علاقات النظام الموريتاني مع المغرب، أو على الأقل عدم تطابق وجهتي نظر الدولتين في العديد من القضايا.
خيار الضرب بيد من حديد إذا انتهجه النظام سيربك حسابات معارضيه، ومعلوم أن نفس الموريتانيين في “النضال” قصير، واستعدادهم “للتضحية” ضعيف، فمعظم المعارضين سيلتحقون بركب النظام، لضمان موطئ قدم في الجمهورية الثالثة، وقد بدؤوا ذلك بالفعل، أما الأقلية فستكتفي – على الأرجح- ببيانات صحفية، تندد بممارسات النظام، والتقاط صور لمسيلات الدموع، لكن الجمهور لن يتجه نحو الصدام مع السلطات الأمنية إن هي قررت أخذ زمام المبادرة، ثم إن مقاطعي الاستفتاء سيجدون أنفسهم في موقف صعب، فإما أن يرفعوا علم البلاد الجديد، وبذلك يعترفون بنتائج الاستفتاء، وبمخرجات الحوار الذي قاطعوه، وإما أن يرفعوا العلم القديم، وحينها سيجدون أنفسهم أمام استحقاقات قانونية خطيرة، وسيمنحون النظام الحجة لملاحقتهم، واعتقالهم بتهمة إهانة رموز الدولة، والتمرد عليها، ورفع علم يخالف العلم الوطني، وإذا ما استبعدنا عنصر المفاجأة، فإن الطريق يبدو سالكا لاستكمال أجندة الجمهورية الثالثة بأقل الخسائر الجانبية.