ربما كان من نصيب كثير من الفيروسات أن تؤدي دورًا مدمرًا لحياة البشر، سواء لكونها قد تؤثر سلبًا على صحة الجسد البشري أو على التوازن البيئي، ولكن بعضها قام بدور إيجابي في الحياة الإنسانية وهو ما صُنف في خانة الفيروسات النافعة أو التي استُخدمت بشكل نافع في مواجهة فيروسات أشد ضررًا أو في مجابهة أمراض قاتلة أو تًستخدم بشكل مفيد في المجال الإلكتروني، وهنا نعرض أربعة أنواع من هذه الفيروسات التي جعلت العالم مكانًا أفضل.
النار تأكل بعضها.. فيروسات تقتل فيروسات أخرى
ففي عام 2011 تمكن مجموعة من العلماء من جامعة كاليفورنيا-سان دييجو من تطوير نسخة غير مؤذية من فيروسنقص المناعة المكتسب المسبب لمرض «الإيدز»، وهو فيروس يهاجم جهاز المناعة في جسم الإنسان والذي تتمثل مهمته في المدافعة عن الجسد البشري من الأمراض المختلفة، ويستهدف الفيروس بالتدمير نوعًا من خلايا الدم البيضاء في الجهاز المناعي تُسمي «خلية T المساعدة».
فيديو عن (خلية T المساعدة):
وتعتمد النسخة غير الضارة التي طورها العلماء في مادتها على فيروس نقص المناعة نفسه، وأُطلق اسم (TIPs) على الفيروس المُطور، اختصارًا لمصطلح «الجسيمات التدخلية التداخلية». أصبح TIPs مُطورًا بعد تقليص الشفرة الجينية له إلى ثلث حجمها الأصلي، كما يفتقر الفيروس المُطور إلى القطع الهامة اللازمة التي تُمكنه من نسخ نفسه، ولن يتمكن من نسخ نفسه والتكرار مثل الفيروس الضار إلا إذا قام بالتسلل إلى الشفرة الوراثية للفيروس غير المُطور.
تتمثل طريقة عمل الفيروس المُطور في إبطاء انتشار وتكرار فيروس نقص المناعة في الجسد البشري، وهو ما يُمكن الفيروس المُطور من إعطاء الشخص المُصاب بمرض نقص المناعة من خمس إلى عشر سنوات إضافية قبل أن يتطور مرضه ويصل إلى مرحلة الإيدز، وهو مرض نقص المناعة المُكتسبة الذي يترك المُصاب به عرضة للإصابة بأمراض خطيرة مثل العدوى الانتهازية والأورام.
العاثيات.. جيشك الخاص الذي يحميك من الجراثيم
في هذا النوع من الفيروسات المضادة يجري التعامل مع ما يسمى بـ«العاثيات Bacteriophage»، والعاثيات هي فيروسات تتطفل على بعض الجراثيم وتتضاعف بداخلها مؤدية في كثير من الأحيان إلى انحلال هذه الجراثيم وتخربها، والعاثيات من أكثر الكائنات الحية شيوعًا على سطح الأرض، وتوجد مليارات منها في أمعاء الإنسان، إذ تساعده في مكافحة البكتيرياالضارة التي تهاجمه، وتوفر أمعاء الإنسان لها وسطًا معيشيًا مناسبًا، فتساعد على استمرار حياتها والقيام بمهمتها في حماية الإنسان من البكتيريا الضارة إن أصابت أمعاءه.
تعتبر العاثيات هى المرادف الطبيعي للمضادات الحيوية المُصنعة، وكان الأطباء يعتمدون عليها في الأدوية التي يُقدمونها للمرضى، ففي عام 1920 تعامل الأطباء مع العاثيات لمواجهة بعض العدوى، لكن لم يكن الكثير قد اكتشف عن العاثيات بعد، مما جعل طرق العلاج خاطئة بشكل كبير بل وتؤثر بشكل سلبي على المرضى. تسبب هذا في جعل العلاج بمساعدة العاثيات غير موثوق به.
وبعد الحرب العالمية الثانية بدأ إنتاج المُضادات الحيوية المُصنعة يزداد وينتشر بشكل كبير بسبب فاعليته الأكبر. والمضاد الحيوي عبارة عن مادة/ مركب كيميائي تقتل أو تضعف من نمو الجراثيم، وأصبح هذا النوع من العلاج أكثر ثقة من التعامل مع العاثيات، إلى الحد الذي جعل التعامل مع العاثيات في الولايات المتحدة الأمريكية طي النسيان، لكنها لم تكن كذلك في الاتحاد السوفييتي، الذي أثرت تبعات الحرب على وصول المضادات الحيوية وخصوصًا الجيد منها له، مما دفعالسوفييت للتعامل مع العاثيات وتطوير التعامل معها، بحيث أصبحت أكثر فاعلية من ذي قبل، وفي العصر الحديث يُقدم العلاج بالعاثيات بعدة طرق مثل الأقراص و السوائل والحقن، كما أنها تعد أحد أشكال العلاج الرئيسي في بولندا وجورجيا وروسيا.
صورة عامة لفيروس
فيروس الهربس يعلن الحرب على السرطان
الهربس والسرطان من الأمراض التي تصيب الجسد البشري، وإن اختلفت درجة خطورة كل منهما عن الآخر، ولكن العلماء بدؤوا في استكشاف أن أحدهما يمكن أن يستخدم في مواجهة الآخر ولمحاربته، فالهربس الأقل خطورة يمكن استخدامه لمكافحة السرطان الأشد فتكًا.
ومرض الهربس هو إصابة فيروسية متكررة بسيطة – في العادة – تصيب الفم والأجهزة التناسلية، أما السرطان فهو مرض يصيب الخلايا، التي تعتبر الوحدة الأساسية في بناء الجسم، حيث تقوم أجسامنا بتخليق خلايا جديدة بشكل مستمر حتى تتم عملية النمو، واستبدال الخلايا الميتة، أو لمعالجة الخلايا التالفة بعد الإصابة بجروح، وتوجد جينات معينة تتحكم في هذه العملية، ومن ثم فإن مرض السرطان يحدث نتيجة لتلف تلك الجينات الذي عادة ما يصيب الإنسان في حياته، وبشكل عام، فإن الخلايا تنمو وتتكاثر بطريقة منظمة، ولكن قد تؤدي الجينات التالفة إلى تصرف الخلايا بشكل غير طبيعي، فقد تنمو الخلايا مكونةً كتلة يطلق عليها ورم.
فيروس الهربس
ومؤخرًا بدأ العلماء في استخدام فيروس الهربس لصنع دواء مكافح لسرطان الجلد أطلقوا عليه اسم «إيمليجيك»، ولا يعد هذا الدواء فاعلًا في العلاج بحد ذاته بشكل مباشر، ولكن يظل استخدامه لمجابهة السرطان أفضل أنواع أدوية السرطان المتاحة، سيما أن آثاره الجانبية لا تتعدى تأثير الأنفلونزا على جسم الإنسان مقارنة بما يسببه العلاج الكيميائي.
أما عن آلية عمل الهربس لمكافحة السرطان فتتمثل في أنه عندما تتحول خلايا الجسد إلى سرطان فإن آلية مكافحة الفيروسات تنهار في الجسم، مما يفتح الباب أمام فيروس الهربس – الذي يُفضل بدوره مهاجمة الخلايا السرطانية – أن يبقى حيًا و يبدأ في عمله في مقاتلة الخلايا السرطانية، وتلك العملية تنبه الجهاز المناعي في جسم الإنسان، فيتنبه ويبدأ في المكافحة هو أيضًا، ولكن لم يثبت حتى الآن ما إذا كان الجهاز المناعي في هذه الحالة يواجه الخلايا السرطانية بأكملها أم يواجه فقط تلك التي هاجمها فيروس هربس. ويعتبر الـ«إيمليجيك» هو أول من يحصل على موافقة في الولايات المتحدة الأمريكية باعتباره علاجًا للسرطان.
اشحن هاتفك مستقبلًا باستخدام فيروس
سُميت الفيروسات الإلكترونية بهذا الاسم نسبة إلى نظرائهم البيولوجيين، والآن تؤدي الفيروسات البيولوجية إلى الفيروسات الإلكترونية. وفي هذه الحالة من الفيروسات تُستخدم بشكل مفيد للبشرية إلكترونيًا، فهناك بعض المواد الصلبة تسبب شحنات كهربائية لدى ضغطها، وهو ما يطلق عليه اسم «الكهرباء الانضغاطية»، ويُعد أحد أبرز تطبيقاتها هو ساعات الكوارتز، كما أن لها العديد من التطبيقات الأخرى.
لكن المواد المستخدمة في توليد الكهرباء الانضغاطية يكون أغلبها سامًّا ويصعب التعامل معها، مما يحد من الانتشار الواسع لاستخدامات وتطبيقات الكهرباء الانضغاطية، وهو ما استطاع علماء معمل بيركلي تغييره من خلال استخدام فيروس لتوليد هذا النوع من الكهرباء.
حيث قام العلماء باستخدام فيروس العاثية (M13) – وهو فيروس يستهدف البكتيريا وغير ضار بالنسبة للإنسان – في مجال الإلكترونيات وتكنولوجيا النانو. وبعد التجارب التي أجراها علماء معمل بيركلي نتج عن استخدام تلك الفيروسات طاقة كافية لتشغيل شاشة تلفزيونية «LCD»، ومن خلال هذه التكنولوجيا يمكن شحن الأجهزة المستقبلية من الاهتزازات الناتجة عن المهام اليومية، مثل تسلق السلالم أو إغلاق الأبواب.