أصوات الكثبان: بدأ الحراك الزنجي في موريتانيا خجولا عام 1966 بمحاولة إبراز الخصائص الثقافية والاجتماعية للزنوج الموريتانيين ،كمكون منفصل عن بقية الشرائح الاجتماعية الاخرى.
واستطاع مثقفون زنوج من قوميات البولار والسوننكه والوولف توحيد صفوفهم في حراك مناوئ لعروبة موريتانيا ورافضٍ لانضمامها للجامعة العربية ،عام 1973 ومؤكدٍ على العمق الافريقي لبلادهم.
في العام 1986 تمخضت تلك الجهود عن ظهور وثيقة سرية وزعت في شوارع العاصمة الموريتانية نواكشوط ، أعلنت عن تأسيس “قوات تحرير الأفارقة الموريتانيين” المعروفة اختصارا بـ”أفلام”.
الوثيقة التي حملت عنوان “الزنجي المضطهد” ، شكلت اطارا عسكريا وسياسيا للزنوج الموريتانيين، وطالبت بإشراكهم في القرار السياسي وفي المجال الاقتصادي، معتبرة أنهم يعانون من التهميش والإقصاء على أيدي “مجموعة البيظان” (العرب الموريتانيين) .
وتحت حماسة الوثيقة التي وزعت في مدارس نواكشوط لحظتها ، اندلعت اشتباكات عنيفة بين الطلاب الزنوج والعرب داخل العديد من المؤسسات التعليمية ومدن الجنوب المطلة على نهر السنغال، ما أدى الى سقوط قتلى ومصابين تبعه شرخ في اللحمة الوطنية وفقدان ثقة متبادل ، مازال قائما حتى اليوم بين العرب والزنوج.
توالت الأحداث بعد ذلك وأصبحت أكثر دموية ،بعد اتهام الزنوج الموريتانيين بتدبير محاولات انقلابية فاشلة على الرئيس معاوية ولد الطايع عام 1987 وعام 1990، انتهت بتصفية عدد منهم وبتهجير المئات الى السنغال ومالي المجاورتين.
دفع هذا الواقع بقادة الزنوج الموريتانيين الى رفع سقف مطالبهم ونادوا بانفصال مدن الجنوب عن السيادة الموريتانية، وذلك انطلاقا من دول الجوار التي شكلت حاضنة حقيقية لهم بعد أحداث 1989 ،قبل أن يحولوا العاصمة الفرنسية باريس الى مقر دائم لقوات تحرير الأفارقة الموريتانيين.
وفي العام 2007 ،قدم الرئيس الموريتاني السابق” سيد محمد ولد الشيخ عبد الله” اعتذاره للزنوج الموريتانيين عن تلك الحقبة المظلمة من تاريخ البلاد، فاتحا المجال لمئات المهجرين الزنوج للعودة الى وطنهم وهي خطوة رحبت به حركة قوات تحرير الافارقة .
انتظر قادة تحرير الأفارقة 6 سنوات الى حين اتضاح الصورة في موريتانيا ،وقرر رئيسها “صمبا تيام” ومكتبها التنفيذي العودة عام2013، بعد أكثر من عشرين سنة في المنفى.
وفي التاسع والعشرين من سبتمبر 2016 انخرطت حركة افلام في الحوار الوطني الشامل برعاية الحكومة الموريتانية، معلنة استعدادها للدخول في حوارات مماثلة خدمة للوطن.
وأكد بيان صادر عن رئيس الحركة” صمبا تيام، تلقت”أصوات الكثبان”نسخة منه أن حركته قررت المشاركة في الحوار الجاري بين السلطة والمعارضة في موريتانيا نظرا لأهدافه السامية، وطالب بتناول الحوار القضايا الجوهرية التي تهم الموريتانيين ،وعلى رأسها التعايش” السلمي بين مختلف المكونات .
وتعليقا على مخرجات الحوار قال “عبد العزيز كان” ،الناطق باسم الحركة ل”أصوات الكثبان”إن حركته دخلت منذ عودة قادتها الى موريتانيا في مرحلة جديدة من النضال السلمي ،داعيا الجميع من ساسة ومنظمات مجتمع مدني وقادة رأي الى الجلوس معها مستقبلا على طاولة الحوار والاستماع الى مطالبها المشروعة.
وبخصوص ما راج عن دعوة الحركة لانفصال ولايات الجنوب عن موريتانيا ،يؤكد” كان”أن الحركة تؤمن بموريتانيا موحدة تضم العرب والبربر والزنوج، وأنهم لم يعودوا يفكرون في الانفصال ،لكن كل ما في الأمر أن الحركة اقترحت في جلسات الحوار اعادة تقسيم الولايات الى 4 ولايات بدل 13 واستحداث مجالس جهوية تحترم خصوصية الزنوج الثقافية وتعمل على تقريب الخدمات أكثر من جميع الموريتانيين بغض النظر عن مكوناتهم الاجتماعية.
وأضاف “كان ” أن لديهم مشروعا وطنيا من أجل موريتانيا ، وحث حكومة بلاده على منح الترخيص لحزبهم الجديد “القوى التقدمية من أجل التغيير”.
وختم “كان”حديثه لـ”أصوات الكثبان” بأنهم في “قوات تحرير الأفارقة الموريتانيين” سابقا ركزوا على قضية التعايش السلمي تحت ظل الوطن الواحد ،و لم يتطرقوا في جلسات الحوار الوطني الشامل لموضوع الترخيص لحزبهم الجديد ،معتبرا ذلك حقا مشروعا يكفله الدستور لكل الموريتانيين.
وكانت “قوات تحرير الأفارقة الموريتانيين” ،قد كشفت مؤخرا عن استقبال الرئيس الموريتاني “محمد ولد عبد العزيز” لأعضاء من مكتبها السياسي في سابقة هي الأولى من نوعها.
وقالت الحركة إن اللقاء تميز بالصراحة والاحترام المتبادل، وأن المباحثات دارت حول الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بالبلد، فضلا عن قضية أمن وحرية حركة أفلام ومناضليها.
ورغم ترحيب “قوات تحرير الأفارقة الموريتانيين” بلقاء الرئيس الموريتاني ،إلا أن الحكومة فضلت الصمت حيال هذا اللقاء .
ونظرا لحساسية ملف الزنوج الموريتانيين فان أغلب المسؤولين في البلاد يرفضون التحدث عن نشاطات قادة الحركة، خوفا من الوقوع في المحظور.