العرض العسكرى بكوركل .. احتفال بالاستقلال أم رسالة لدول الجوار؟
قرر الرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز مخالفة المتوقع من الأنشطة الرسمية فى عيد الاستقلال الوطنى بولاية كوركل، دافعا بتشكيلات عسكرية وأمنية لشوارع المدينة الحدودية من مجمل القواعد العسكرية العاملة داخل البلد، وخصوصا تلك المكلفة بمحاربة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، وقوات التدخل السريع التابعة للأركان العامة للجيوش بموريتانيا، فى رسالة بالغة الأهمية لمجمل المهتمين بالحراك السياسى داخل البلد أو الحراك الإقليمي المتصاعد، فى ظل توتر للعلاقة بين الرجل الممسك بالبلاد منذ 2008 وأغلب الأطراف الفاعلة فى المشهد الإقليمي.
عرض عسكرى قرب خليج الراحة بنواذيبو 2015، وآخر على ضفاف كيهيدى فى ولاية كوركل 2017، بعد سنتين من التصعيد المتبادل بين نواكشوط ومحور “الرباط – دكار”، والذى توج بالاستعراض المتزامن لقوات الجيش الملكى بالداخلة ( أشهر المدن الصحراوية المحتلة)، والشرطة السنغالية بسينلوى كما وصفها مصدر مقرب من الرئيس ليلة الابتزاز المعلن لصناع القرار بموريتانيا.
عرض عسكرى تم إقراره دون إعلانه للجمهور، وتصريحات لافتة لقائد الجيوش العامة بموريتانيا الفريق الركن محمد ولد الغزوانى عن حجم القوات المتحركة التابعة له ( 20 ألف جندى ضمن الوحدات المتنقلة)، وتصعيد مكشوف من قبل الدولة الفرنسية الراعية للمحور المذكور، والإعلام المقرب منها ( إذاعة فرنسا)، بفعل الخلاف الدائر حول نشر القوات التابعة لمجموعة الساحل فى الصحراء (G5).
ويرى بعض المتابعين للحراك الحالى أن الهدف الأول، هو إرسال رسالة بالغة الوضوح لمجمل الأطراف الدولية عن جاهزية الجيش الموريتانى للمشاركة فى أي جهد جماعى هادف إلى بسط الأمن فى القارة السمراء، لكنها جاهزية تسير من قبل أصحاب القرار بنواكشوط وليس من عواصم صنع القرار بأوربا.
تبدوا مدينة كيهيدى بفعل سوء التحضير المقام به خلال الأشهر الأخيرة غير جاهزة للعرض العسكرى على غرار ماتم بنواذيبو قبل فترة، لكن رسائلها ستسمع بوضوح داخل العواصم الإفريقية القريبة ، وخصوصا الجارة دكار، والتى باتت لديها قناعة بأن صناع القرار فى موريتانيا أو ” بانديات” نواكشوط – كما يقول الرئيس مكى صال- قادرون على تجاوز الحدود والخروج عن المألوف من التعامل بين دول الجوار.
لم يقتصر استعراض الجيش على العيد الوطنى لموريتانيا فقط، بل باتت المدينة الحدودية مسرحا شبه يومي لعروض عسكرية ينفذها سلاح الجو، وقوات الحرس والدرك والشرطة، ناهيك عن وحدات متنقلة من قوات النخبة بموريتانيا، مع حضور محدود للآليات العسكرية المملوكة للجيوش.
جاهزون للتدخل ولكن ….
ويكتسى العرض – الذى تحضره نخبة من الإعلاميين الأجانب – أهمية بالغة فى ظل السجال الموريتانى الفرنسى، والتردد الذى تتهم به الحكومة الموريتانية أو ضعف الجاهزية على لغة الفرنسيين.
فنواكشوط تحاول الآن إظهار جاهزيتها لأي خطوة تضمن أمن المنطقة، لكنها فى الوقت نفسه ترفض الزج بقواتها إلى أتون حرب مفتوحة دون غطاء أممى أو تمويل يضمن استمرار العمليات العسكرية بالساحل.
وكانت مصادر مقربة من دوائر صنع القرار فى موريتانيا قد كشفت لموقع زهرة شنقيط عن الشروط التى تقدم بها ولد عبد العزيز للمنظومة الدولية قبل أي تدخل عسكرى فى الساحل، مما أزعج الحكومة الفرنسية بشكل كبير، وأجل نشر القوة المكلفة بمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة فى الساحل.
وتقول مصادر زهرة شنقيط إن النقاشات الجارية خلف الكواليس بين الرؤساء الأفارقة وأعضاء مجلس الأمن، لاتزال تراوح مكانها فى انتظار تلبية المطالب عبر جلسة لمجلس الأمن مطلع نوفمبر 2017 أو انهيار المشاورات الجارية من أجل نشر القوة على الأرض لمحاربة القاعدة وأخواتها فى أكثر من دولة إفريقية.
شرطان قبل أي تحرك عسكرى
ولد عبد العزيز أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة (غوتيرس) والرئيس الفرنسى خلال مشاركته الأخيرة فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن نشر القوة المكونة من خمسة آلاف جندى يحتاج إلى غطاء من المجتمع الدولى، عبر استصدار تكليف من الأمم المتحدة ( مجلس الأمن) ، وضمن البند السابع بالتحديد، مع تعهد الدول الأعضاء في المجلس وبعض القوى المهتمة بمكافحة الإرهاب بتمويل أقله 500 مليون يورو، وأن توجه تلك الأموال للدول المنخرطة فى العمليات العسكرية على الأرض، بدل توجيهها إلى “العتاد” أو “التكوين” أو ” “تسيير العمليات”، بحكم التجربة الإفريقية القاسية مع التمويل الأممى، الذى تستنزفه الدول المانحة دون أن تستفيد من الجهات المخصص لها أصلا.
شروط أقرها بعض رفاقه فى الساحل، وخصوصا رئيس “أتشاد” أدريس دبى، وهو صاحب أهم قوة فى المنطقة قاتلت الجماعات الإسلامية المسلحة، وكان رفضه الحديث فى الجمعية العامة للأمم المتحدة مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز أبرز مظاهر الإنزعاج مما آلت إليه الأمور خلال اجتماعات أنيويورك.
وتقول مصادر زهرة شنقيط إن الرئيس التشادى والرئيس الموريتانى رفضا الحديث فى اجتماعات الأمم المتحدة للسبب ذاته، بعد أن حاولت فرنسا جلب رؤساء الساحل للحديث أمام المشاركين فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، لاستجداء الدعم المعنوى والمادى من الدول الكبرى.
أين المفر؟
الحكومة الفرنسية عبرت عن انزعاجها بقوة من الموقف الموريتانى، بعدما فهمت أن نواكشوط بإصرارها على استصدار القرار تحاول تأجيل حسم الأمور، لكن الأخيرة ترى أن القوة يجب أن تعمل لصالح المنظومة الدولية وليست شرطى فى الساحل توجهه باريس كيف تشاء.
وفى اجتماع نواكشوط أبلغ ولد عبد العزيز السفراء المعتمدين لدى مجلس الأمن (15 سفير) بأن الحرب على الإرهاب والتهريب مصلحة أممية، وأن الأمم المتحدة معنية بتشكيل القوة ودعمها إذا كانت جادة بالفعل فى فرض الأمن بالعالم، وإذا رأت الأمم المتحدة أن الأمر شأن إفريقى، فموريتانيا ستكتفى بتأمين حدودها ولن تدفع بقواتها إلى جحيم الساحل دون تغطية من المجتمع الدولى، ولن تقبل بتشكيل قوة إفريقية تحت مظلة أي دولة مهما كانت العلاقة معها كبيرة أو التأثير الذى تتمتع به بحجم التأثير الفرنسى فى القارة السمراء.