حتى لا نُضَيِّعَ فرصة 2019 / محمد الأمين ولد الفاضل

0
272

سنواصل في الحلقة الرابعة من سلسلة “حتى لا نُضَيِّعَ فرصة 2019” طرح الأسئلة المتعلقة بغياب الفاعلية أو الفعالية عن الفعل المعارض، ولماذا لم تكن المكاسب السياسية المتحققة للمعارضة تتناسب مع حجم الجهود والتضحيات المبذولة خلال ربع قرن كامل من النضال؟
ويكفي لتبيان حجم الفجوة الكبيرة بين الجهود المبذولة والمكاسب المتحققة أن نعود قليلا إلى الوراء لاستعراض الجهود الكبيرة التي بُذلت في إسقاط التعديلات الدستورية،

ونتساءل من بعد ذلك عن النتائج أو المكاسب السياسية التي تحققت من وراء تلك الجهود الكبيرة التي بُذلت.

لم تكن الجهود والتضحيات التي بُذلت لإسقاط التعديلات الدستورية جهودا عادية، ولتبيان ذلك فدعونا نذكر بالآتي:

(1)

في هذا الشهر من العام الماضي، وتحديدا في اليوم السابع عشر منه أسقط الشيوخ التعديلات الدستورية ب “33 لا”. لم يكن مثل ذلك الأمر متوقعا، بل صُنف على أنه شكل أول زلزال سياسي يتعرض له نظام ولد عبد العزيز منذ وصوله إلى السلطة. ومما زاد من أهمية هذا التصويت الذي أسقط تعديلات تقدم بها رئيس الدولة هو أنه حدث في دولة مخابراتية تولي أهمية قصوى لمتابعة الأفراد وللتجسس عليهم، وعلى الرغم من ذلك فقد ظل الرئيس وإلى آخر لحظة  يتوقع أن تمرر تعديلاته الدستورية بما يقترب من 50 “نعم” فإذا بها تسقط ب 33 “لا”.

(2)

في الأيام والأسابيع التي سبقت استفتاء 5 أغسطس نزلت المعارضة الموريتانية بقوة إلى ميادين الاحتجاج، وأصبحنا نسمع عن احتجاجات ووقفات شبه يومية، وأصبحنا نسمع كذلك عن مسيرات متزامنة في ولايات العاصمة الثلاثة. كما أصبحنا نشاهد قادة المعارضة وهم يتعرضون للتنكيل والضرب المباشر من طرف عناصر الأمن.

(3)

كانت مشاركة المدونين المعارضين للتعديلات الدستورية في الجهود الرامية لإسقاط تلك التعديلات مشاركة مميزة، وكانت حملة “ماني زارك” من الحملات التدوينية الناجحة. وفي يوم الاستفتاء قدم المدونون جهودا جبارة، ففي ساعات الصباح الأولى تمكنوا من نشر مئات الصور المختلفة عن عدد كبير من مكاتب التصويت وهي خاوية على عروشها في شرق البلاد وفي غربها، في شمالها وفي جنوبها.

لقد أربك المدونون السلطة بما نشروا من صور وفيديوهات في يوم التصويت، وجعلوها ـ أي السلطة ـ تظهر أمام الرأي العام وهي عاجزة عن إخفاء مقاطعة الشعب الموريتاني للاستفتاء وعاجزة عن التغطية على فشل الاستفتاء.

(4)

في يوم الاستفتاء أظهر الشعب الموريتاني بأنه بلغ مستوى لا بأس به من الوعي ومن النضج السياسي، فاستطاع هذا الشعب أن يقاطع الاستفتاء رغم كل ما قامت به السلطة الحاكمة من ترغيب وترهيب، واستطاع أن يعبر عن مقاطعته بطرق حضرية كان من أبرزها ومن أهمها رفض الذهاب إلى مكاتب التصويت في يوم الاستفتاء.

الآن دعونا نطرح السؤال التالي : ما هي النتائج أو المكاسب السياسية التي تحققت في المحصلة النهائية  من وراء التضحيات والجهود الكبرى التي بذلها الشيوخ والمعارضة والمدونون والشعب الموريتاني، والتي كانت في مجملها جهودا نوعية، بل وغير مسبوقة في بعض تفاصيلها؟

على أرض الواقع يمكننا أن نسجل الآتي:

ـ تم إلغاء غرفة الشيوخ بالقوة، وأحد الشيوخ ممن عارض التعديلات الدستورية يوجد في السجن منذ سبعة أشهر ودون محاكمة، وشيخ آخر من معارضي التعديلات الدستورية ممنوع من السفر للعلاج، ويخضع عدد آخر من الشيوخ والنقابيين والصحفيين للرقابة القضائية.

ـ العلم الجديد يرفرف على كل المباني الحكومية، وبدأت بعض القوى المعارضة تتآلف معه، وقد تم رفعه من طرف قيادات معارضة ومن طرف جماهير معارضة خلال استقبال الرئيس التركي.

ـ العلاقة بين هذه المكونات التي لعبت دورا هاما في الوقوف ضد التعديلات الدستورية ليست على ما يرام، فالشيوخ يواجهون مصيرهم لوحدهم وهم يتعرضون للسخرية حتى من بعض الجمهور المعارض، والمدونون يواصلون جهودهم التدوينية ولكن بفوضوية تؤثر سلبا على تلك الجهود. أما المعارضة ممثلة في مجموعة الثمانية فهي مشلولة وغير قادرة على تنظيم أنشطة مشتركة، الشيء الذي جعل المنتدى ينظم أنشطة بمفرده، و”إيرا” تنظم أنشطة بمفردها، أما بقية مكونات مجموعة الثمانية فهي غائبة تماما عن المشهد.

يمكننا أن نلخص كل ما سبق في جملة واحدة : لقد كانت الجهود المبذولة في إسقاط التعديلات الدستورية جهودا كبيرة جدا، وكانت النتائج المتحققة هزيلة جدا.

والآن دعونا نسأل لماذا كانت الفجوة كبيرة جدا بين الجهود المبذولة والنتائج المتحققة؟ وهل كان بالإمكان تحقيق أفضل مما كان؟

قبل الإجابة على هذه الأسئلة دعونا نعترف بحقيقة لا يمكن تجاهلها، وهي أن المعارضة ليس لديها إلا النضال السلمي، وأن النضال السلمي قد لا يعني شيئا كثيرا لدى الأنظمة الدكتاتورية. فهذه الأنظمة لا تتراجع عن قراراتها حتى ولو خرجت مسيرات شعبية حاشدة ترفض تلك القرارات. وهذه الأنظمة باستطاعتها دائما أن تزور نتائج أي انتخابات، وأن تفرض نتائج تلك الانتخابات المزورة.

تلك حقيقة لا يمكن إنكارها، ومع ذلك فقد كان بإمكان المعارضة أن تحقق من حيث النتائج على الأرض أفضل مما كان لو أنها كانت تمتلك روح المبادرة، ولو أنها كانت قادرة على أن  تفكر من خارج الصندوق، وأن تخرج من روتين نضالها بتجديد أساليبها النضالية.

دعونا نتصور الآن أن المعارضة الموريتانية قررت بعد استفتاء 5 أغسطس أن تأخذ بزمام المبادرة، وأن تقوم بالأنشطة التالية (كل الأنشطة التي سيتم ذكرها هنا كان قد تم طرحها من بعد الاستفتاء، وكان كاتب هذه السطور قد كتب عن بعضها):

1 ـ تنظيم أنشطة احتفالية أمام مقر اللجنة المستقلة للانتخابات وفي الشوارع وفي الساحات العامة وفي مقرات الأحزاب لمدة أسبوع كامل احتفالا بإسقاط الاستفتاء شعبيا وبنجاح المقاطعة.

2 ـ كان من بين تبريرات الغياب عن المشهد من بعد الاستفتاء هو خروج الجماهير من العاصمة إلى الداخل، ولكن ألم يكن بالإمكان استثمار العطلة الصيفية بشكل إيجابي؟ إليكم هذه الفقرة من إحدى مقالاتي التي نشرتها بعد الاستفتاء : ” ألم يكن من الممكن أن ينسق مثلا حزب اتحاد قوى التقدم مع شيخ تجكجة لتنظيم وقفات احتجاجية في مدينة تجكجة، وأن ينسق حزب تواصل مع شيخ مكطع لحجار لتنظيم وقفات احتجاجية في مكطع لحجار، وأن ينسق حزب حاتم مع شيخ كبني، وأن ينسق حزب التكتل مع شيخ بوتلميت أو مع الشيخة المعلومة لتنظيم وقفات احتجاجية في مدينة المذرذرة، وهكذا..

لو كان هناك تنسيق جدي بين المعارضة والشيوخ لكان بالإمكان تنظيم وقفات احتجاجية ـ على الأقل ـ  في دوائر الشيوخ المشمولين في الملف، وبذلك تكون المعارضة الموريتانية قد حافظت على حضورها في المشهد في لحظة سياسية بالغة الدقة والأهمية.”

3 ـ إطلاق حملة كبرى لمدة أشهر لرفع علم الاستقلال على أسطح المنازل والمحلات، على أن تنطلق هذه الحملة بعد أول يوم من الإعلان الرسمي عن نتائج الاستفتاء، وتستمر حتى يوم 28 نوفمبر 2017. مثل هذه الحملة كانت ستستفيد من المزاج الشعبي الذي كان حينها متمسكا بعلم الاستقلال، وهي من الحملات التي لا يمكن مواجهتها بالقمع لأنها لا تتطلب تجمعا جماهيريا في أمكنة محددة، هذا بالإضافة إلى أن كلفتها المادية لن تكون كبيرة إذا ما قورنت بكلفة إحدى المسيرات الكبرى ..بعد مرحلة من إطلاق هذه الحملة كان سيتم الوصول إلى المرحلة الحرجة التي سيصبح فيها رفع علم الاستقلال موضة وشكل من أشكال التعبير التي يلجأ إليها المحتجون وأصحاب المظالم للتعبير عن الاستياء والرفض. إن إطلاق حملة من هذا النوع كانت ستشكل نمطا من العصيان المدني الذي لا يمكن مقاومته، وكانت ستربك السلطة، وستجعلها في موقف حرج عندما تقرر رفع العلم الجديد في يوم 28 نوفمبر 2017، وذلك لأنها كانت ستجد علم الاستقلال قد رفع فوق أسطح آلاف المنازل والمحلات.

إن إطلاق حملة من ذلك النوع كانت ستربك السلطة وستجعلها أمام الأمر الواقع، عكس الحاصل الآن حيث أربكت السلطة المعارضة، وجعلتها أمام الأمر الواقع الشيء الذي جعل بعض المعارضين يضطرون إلى رفع العلم الجديد.

4 ـ كان بالإمكان تشكيل إطار جديد من بعد الاستفتاء يضم كل الذين شاركوا في مواجهة التعديلات الدستورية : من أحزاب وحركات وتكتلات منخرطة في مجموعة الثمانية، هذا بالإضافة إلى الشيوخ والمدونين الذين لعبوا دورا بارزا في الوقوف ضد تلك التعديلات الدستورية.

تلكم كانت مجموعة من الأفكار التي لم يأخذ بها، فلم يُرفع علم الاستقلال إلا في حالات محدودة جدا من طرف بعض نشطاء حراك “محال تغيير الدستور”، وبعض الشباب الآخرين في إطار مبادرات فردية، ولم ينتظم رافضو التعديلات الدستورية في تشكيلة كبرى تتفق على مبادئ عامة لمواجهة مرحلة ما بعد الاستفتاء مما يعني بأن المعارضة لم تأخذ بزمام المبادرة من بعد الاستفتاء، الشيء الذي جعلها تجد الآن نفسها في موقف حرج وغير مريح.

إن السرعة في التحرك، والقدرة على ابتداع أساليب نضالية جديدة، والأخذ بزمام المبادرة ستبقى من الأمور الأساسية التي على المعارضة أن تأخذ بها إذا ما أرادت أن تكسب رهان 2019.

يتواصل..

حفظ الله موريتانيا..

المصدر