هسيبريس: أكد محمد الطيار، الخبير الأمني، أن للنظام العسكري في الجزائر خطة محبوكة من أجل اختراق منطقة ما كان يعرف قديما بشبه جزيرة الرأس الأبيض.
وأضاف الباحث الأكاديمي، في حوار خاص مع هسبريس، أن الهدف الجيو-سياسي الخطير للنظام الجزائري يتمثل في عزل المغرب عن عمقه الإفريقي وتقزيمه سياسيا واقتصاديا ليصبح كيانا صغيرا لا يستطيع أن يشكل عليها أي تهديد أو خطورة عبر جماعة البوليساريو.
واعتبر الطيار، وهو باحث بالمركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، أن الوضع في موريتانيا أصبح مرشحا للانفجار؛ وهو ما “يفرض على المغرب تعزيز أمن حدوده مع هذه الدولة الهشة”، على حد قوله.
إليكم الحوار الكامل مع محمد الطيار، الخبير الأمني في منطقة الساحل والصحراء وأحد الباحثين الأكاديميين في المجال..
هناك حديث رائج الآن، بعد الزيارات الملكية إلى دول إفريقية، عن تحرك عناصر “البوليساريو” في منطقة نواديبو الموريتانية. كما أن هناك من يتحدث عن خطة جزائرية من أجل التشويش على نتائج هذه الزيارات بزرع عناصر من “البوليساريو” في الشريط العازل المحاذي للكويرة، فهل يمكن أن تنجح الجزائر في زرع البوليساريو في هذه المنطقة العازلة؟
إن خطة النظام العسكري في الجزائر من أجل اختراق منطقة ما كان يعرف قديما بشبه جزيرة الرأس الأبيض، والمشكلة حاليا من لكويرة المغربية ونواديبو الموريتانية، ليست جديدة أو وليدة اليوم؛ بل إن هذا النظام يسعى، منذ عقود، إلى الوصول إلى المحيط الأطلسي. ففي سنة 1975، قامت القوات العسكرية الجزائرية بنقل عدد مهم من عناصر “البوليساريو” بشاحنات جزائرية إلى لكويرة؛ غير أن تلك العناصر لم تستطع المكوث في المنطقة طويلا. وقبل ذلك التاريخ بسنة، كان الرئيس الجزائري هواري بومدين يدير بنفسه غرفة عمليات عسكرية في مدينة تندوف من أجل التدخل العسكري في موريتانيا، وفق ما ذكر الرئيس الموريتاني الراحل المختار ولد داداه في مذكراته. وقد حاول بومدين إقناع ولد داداه، بكل الوسائل، من أجل إقامة فيدرالية بين الجزائر وموريتانيا. كما أن الملك الراحل الحسن الثاني أكد، في أحد حواراته الصحافية، أن الجزائر اقترحت عليه أن تتخلى عن “البوليساريو” مقابل إطلاق يدها في موريتانيا؛ لكنه رفض هذا المقترح. كما أن معركتي امغالة ، التي خاضها الجيش الجزائري سنة 1976 ضد المغرب، كانت تستهدف الوصول إلى المحيط الأطلسي.
إذن، ما هي الأهداف الإستراتيجية للجزائر في المنطقة؟ هل الوصول إلى الساحل الأطلسي؟
أغلب المخاطر والتهديدات التي تهدد الأمن القومي المغربي مرتبطة بالإستراتيجية الجزائرية في المنطقة؛ ذلك أن موقفها السياسي من الصحراء مبني على أهداف جيوسياسية، حيث تستعمل “غطاء مساندة حركات التحرر” الذي يخفي في الحقيقة بعداً اقتصادياً يتمثل في كون الصحراء منطقة غنية بالفوسفاط، وهي مع باقي المخزون المغربي ككل تشكل أكثر من ثلثي الاحتياطي العالمي من الفوسفاط، وهو ما يرشح المغرب للتحكم في الغذاء العالمي مستقبلا. كما أن الجزائر ترغب في الحصول على ممر عبر الصحراء من تيندوف إلى المحيط الأطلسي، حيث لا تزيد المسافة عبر هذا الممر عن أكثر من 400 كيلومتر، ولا شك في أن فتح ممر نحو المحيط الأطلسي من شأنه أن يرفع مستوى الجزائر سياسيا واقتصاديا وجيو-إستراتيجيا.
أما الأهداف الأخرى الجيو-سياسية، فأخطرها عزل المغرب عن عمقه الإفريقي وتقزيمه سياسيا واقتصاديا، ليصبح كيانا صغيرا لا يستطيع أن يشكل عليها أي تهديد أو خطورة، ولن تكون له القدرة على المجابهة والمطالبة بحل أي مشكل عالق كإعادة ترسيم الحدود مثلا أو رد أي اعتداء من الجزائر.
وهكذا، فورقة الصحراء بالنسبة إلى الجزائر تشكل لوحدها مجموعة من التهديدات والمخاطر القوية على الأمن القومي المغربي، أولها التماسك الوطني الداخلي وموقع المملكة المحلي والإقليمي والدولي.
طيب، هل تمتلك الجزائر الركائز التي تقوم عليها هذه الإستراتيجية التي تحدثت عنها؟
العقيدة الأمنية العسكرية في الجزائر تستند في حقيقتها على اعتبار الجيران أعداء مفترضين، يجب العمل على خلق مشاكل داخلية لهم حتى يمكن أن تضعفهم وتجعلهم يركزون على حل هذه المشاكل. وتظهر هذه العقيدة بجلاء في تورط النظام الجزائري في خلق العديد من التوترات بكل من المغرب وتونس وليبيا ومالي وموريتانيا.
كما تقوم هذه العقيدة على سياسة تستعمل ورقة “محاربة الإرهاب” للخروج من العزلة التي خلفتها السنوات العشر للحرب الأهلية، والتموقع إلى جانب القوى الغربية في “محاربة الإرهاب” والحصول من وراء ذلك على منافع مادية عديدة، إضافة إلى تلميع الصورة.
وتستند هذه العقيدة أيضا على مبدأ أساسي يقوم على ضرورة عزل الغريم المغربي عن الساحل الإفريقي؛ وهو ما يسهل حصاره إفريقيا ويضعف على المدى البعيد سيطرته على صحرائه، وقطع شريان عمقه الإفريقي.
ولهذا، فالجزائر ضد التقارب المغربي مع فرنسا بخصوص القارة الأفريقية؟
صحيح، فالجزائر تعتبر أن التقارب الفرنسي المغربي في المنطقة هدفه تأسيس كتلة لاحتواء القوة الجزائرية. ومن ثم، تعمل على إخراج فرنسا من مالي، عن طريق حرب العصابات. وقد أظهرت غضبها اتجاه موريتانيا التي رحبت وساندت الوجود الفرنسي في المنطقة. وانتهجت سياسة تطويع موريتانيا وجعلها تعيش في حالة خوف دائمة ودفعتها إلى عدم السير بشكل متوازن في علاقاتها بالمغرب.
ولكن يرى المتابعون أن موريتانيا قريبة من المغرب، فكيف استطاعت الجزائر تطويع النظام الموريتاني؟
بداية من سنة 2008، قامت مجموعة الجزائري المختار بلمختار، التي تحسب على تنظيم القاعدة والتابعة للأمن العسكري الجزائري، بشن عدة هجمات داخل التراب الموريتاني وقتلت وذبّحت عدة جنود من الجيش؛ الأمر الذي دفع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز إلى إرسال موفدين من سجناء السلفية السابقين إلى مختار بلمختار، وجرى عقد اتفاق معه سنة 2010 تلتزم فيه موريتانيا بإطلاق سراح المعتقلين السلفيين ودفع مبالغ مالية سنويا للتنظيم والسماح له بحق العبور من الأراضي الموريتانية. وقد تطرق مختار بلمختار لهذا الاتفاق سنة 2011 في مقابلة مع صحيفة “أخبار نواكشوط”.
كما نص الاتفاق على السماح لمختار بلمختار باستثمار أمواله الكثيرة المحصلة من التهريب والفدية داخل موريتانيا. وقد كف التنظيم الجزائري، منذ ذلك الحين، عن استهداف موريتانيا.
كما أن الرئيس الموريتاني قام، في الفترة نفسها، بزيارة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في العاصمة الجزائرية. كما دأب ولد عبد العزيز، منذ ذلك الحين، على إرسال إشارات ضد المغرب ووحدته الترابية خوفا من الجزائر؛ منها مثلا تقليص مستوى التمثيلية الدبلوماسية في السفارة الموريتانية في الرباط.
طيب، كيف ترى المخاطر المحدقة بالأمن القومي المغربي، بعد التطورات الأخيرة في منطقة الكركرات؟
إن اتفاق النظام العسكري في موريتانيا مع تنظيم مختار بلمختار ينص على السماح له بالعبور من الأراضي الموريتانية واستهداف الدول المجاورة، وطبعا منها المغرب. ومن ثم، يتوجب على المغرب أن يقوم بتعزيز الأمن في حدوده مع موريتانيا، خاصة في منطقة الكويرة والكركرات.
كما أن الأحداث التي تقع حول المغرب، سواء في دول الجوار أو على المستوى الإقليمي، تؤثر سلبا أو إيجابا على أمنه القومي؛ وذلك بالنظر إلى أن موقع المغرب الجيو- إستراتيجي، القريب جدا من أوربا والمتجذر في إفريقيا تاريخيا ودينيا واقتصاديا، يعد معبرا بريا إلى إفريقيا، خاصة غربها ووسطها.
إن حدود المغرب المشتركة مع كل من موريتانيا والجزائر (ووجود مخيمات تيندوف) تجعل بلدنا أمام تحديات أمنية كبيرة بسبب عدم الاستقرار بهذه الدول المرشحة للتدهور والأزمات لارتباطها المباشر بمنطقة الساحل، التي تعتبر من مناطق التوتر في العالم.
والتطورات الحاصلة في هذه المنطقة، خاصة بعد انهيار نظام معمر القذافي وانتشار السلاح واستفحال الجريمة المنظمة إلى جانب الجماعات الإرهابية، كلها معطيات بات لها تأثير مباشر ليس فقط على الحدود الجغرافية للمغرب؛ ولكن لها تأثير خاص على قضية الصحراء.
يعني أن التنظيمات الإرهابية تهدد المغرب؟
أكيد، فالتنظيمات المرتبطة بالجزائر حاولت عدة مرات اختراق الأراضي المغربية كما فعلت مع موريتانيا؛ غير أن يقظة المصالح الأمنية المغربية والعسكرية كانت لها بالمرصاد، وقامت بالتصدي للعديد من المخططات الإرهابية القادمة من منطقة الساحل ومن الجزائر والتي كانت تستهدف المغرب انطلاقا من صحرائه الجنوبية. وفي هذا السياق، جرى مثلا تفكيك خلية أمغالا سنة 2011 التابعة “لكتيبة طارق بن زياد”، إحدى كتائب القاعدة بمنطقة أزواد التي يقودها جزائري. وقد عثر، إثر التحقيقات التي قامت بها المصالح الأمنية المختصة، على ترسانة مهمة من الأسلحة بمنطقة أمغالا بالصحراء والتي تبعد حوالي 220 كلم عن مدينة العيون شرقا. كما جرى سنة 2005 تفكيك الجناح المغربي التابع للجماعة السلفية الجزائرية ببومرداس. وفي سنة 2006، عملت المصالح الأمنية على تفكيك خلية “الجماعة الإسلامية للتوحيد والجهاد في بلاد المغرب”، التابعة لأبي نصير الجزائري أحد قياديي تنظيم القاعدة بأوربا.
باعتبارك خبيرا في الأمن، ما الذي يجب فعله من قبل المغرب حتى لا تدخل هذه الأسلحة إلى داخل الصحراء؟
أرى أنه على المغرب القيام بالعديد من الإجراءات الجديدة على حدوده مع موريتانيا من أجل أمنه واستقراره، فقد انتشرت الأسلحة في السنوات الأخيرة انتشارا مهولا في منطقة الساحل الإفريقي؛ بل إن تجارة الأسلحة الفردية والذخيرة الخفيفة أصبحت، في السنوات الأخيرة، رائجة في مالي وفي المناطق المتاخمة للحدود المغربية مع موريتانيا. كما أصبحت هذه التجارة من أشكال التهريب، القائم منذ سنوات في منطقة الزويرات الموريتانية، التي تشكل بحق منطقة خطيرة، حيث إنها توجد في حيز ترابي يجمع ما بين شمال مالي وشمال موريتانيا والحدود المغربية الجزائرية الجنوبية، وتتحرك بها بسهولة تامة الجماعات الإسلامية المتطرفة وفئة من الطوارق وجماعات مسلحة مكونة من عناصر “البوليساريو” تخصصوا منذ عقود في أنشطة التهريب بكل أنواعه؛ وهو ما أكده الباحث بول سالم أمانداك ادليك في دراسة له بعنوان “تحديثات العملية الانتقالية في ليبيا”، والتي نشرها المركز الأمريكي “كارنيغي للسلام الدولي” في شهر يونيو من سنة 2012، حيث أكد ارتباط تهريب الأسلحة بشكل كبير بشبكات “عناصر البوليساريو”، التي استحدثت مخازن ومستودعات للتخزين المؤقت في إطار أنشطتها التهريبية.
وإن طرق تهريب السجائر القديمة تستعمل حاليا لتهريب الكوكايين القادم من منطقة الساحل والذي مصدره أمريكا اللاتينية. وقد كشف مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة أن 15% من التجارة العالمية للكوكايين تتم عبر منطقة الساحل والصحراء؛ وهو ما يشكل خطرا على المغرب باعتباره كذلك ممرا نحو أوربا. وتظهر الخطورة بشكل كبير في الارتباط الحاصل بين تهريب المخدرات وبين المجموعات الإرهابية التي تعمل في التهريب وتتلقى عمولات لحماية وتسهيل مرور قوافل المخدرات قبل نقلها إلى أوربا.
وهناك ارتباط كبير بين الجماعات المتطرفة وبين التهريب؛ فقادة الجماعات هم كذلك من يدير التهريب. ولعل أحسن مثال يوضح ذلك هو مختار بلمختار الجزائري، الذي عرف في بداية مساره كمهرب كبير للسجائر.
كما توسعت تجارة الكوكايين في أمريكا الجنوبية إلى أوربا عبر غرب إفريقيا، حيث تصل أولا إلى إحدى الدول الساحلية كموريتانيا وغينيا وغينيا بيساو والطوغو وبنين وغانا، ويتم نقلها عن طريق الجو أو البحر، لتصل بعد ذلك إلى أوربا إما عبر الشحن أو بواسطة المطارات كمطار نواديبو، أو عن طريق البر أولا وصولا إلى السواحل الأوربية يفرض على المغرب القيام بتأمين منطقة لكويرة وتحسين ظروف الإقامة بها؛ لأنها تعتبر مركزا متقدما من أجل التصدي للتهديدات التي تستهدف الأمن القومي المغربي.
كما أن الوضع في موريتانيا المرشح للانفجار، وهو ما أكدته عدة تقارير دولية في الأيام القليلة الماضية، يفرض على المغرب تعزيز أمن حدوده مع هده الدولة الهشة؛ فقد أشارت دراسة أجرتها ممثلية الأمم المتحدة في موريتانيا إلى خطورة تهريب السلاح إلى موريتانيا، حيث كشفت أن أكثر من 92 % من الموريتانيين يملكون أسلحة أغلبها عبارة عن مسدسات وبنادق خفيفة، فيما كشفت دراسة أخرى للمعهد الدولي لدراسة الأسلحة وجود 70 ألف قطعة سلاح يتداولها السكان المدنيون في موريتانيا، وأكدت الدراسة أن أهم مصادر السلاح المتداول بطرق غير شرعية في موريتانيا هي السوق السوداء ومخازن الجيش وقوى الأمن.
يعني أن موريتانيا أصبحت سوقا للسلاح؟
طبعا، تعد موريتانيا ثاني أهم سوق للسلاح في منطقة الساحل الإفريقي بعد مالي؛ وهي القناة الرئيسية لتهريب الأسلحة إلى المغرب والجزائر، وتوجد في البلاد أسواق سوداء لبيع الأسلحة تلبي طلبات الراغبين في قطع خفيفة وقليلة، بينما توجد أسلحة أخرى وبكميات كبيرة في مدينة غاو أو كيدال أو الخليل في مالي.
ويجعل انتشار قطع السلاح في أوساط المجتمع الموريتاني وبنسبة كبيرة الأمن القومي المغربي أمام تحديات خطيرة، بحكم الجوار والامتدادات القبلية والعائلية للموريتانيين داخل المجتمع في الصحراء المغربية.
وهكذا، الصحراء المغربية هي جزء من الصحراء الكبرى، وكل التهديدات والمخاطر القائمة في منطقة الساحل لها تأثير مباشر على الصحراء، بحكم الحدود الجغرافية المشتركة مع موريتانيا والجزائر، وهي كذلك معرضة لكل التهديدات العابرة للحدود من تهريب وهجرة سرية وجريمة منظمة وجماعات إرهابية مختلفة.
كما أن الصحراء المغربية موضوع تهديد من “البوليساريو” كمنظمة عسكرية لها روابط مع الجريمة المنظمة، حيث إنها متورطة في التهريب بكل أنواعه. ومن ثم، يجب التصدي للأهداف الجزائرية الرامية إلى حصار المغرب بالوصول إلى المحيط الأطلسي وتعزيز الإجراءات الأمنية لمنع التنظيمات الإرهابية المرتبطة بالأمن العسكري الجزائري من اختراق التراب المغربي وضرب أمنه واستقراره.