بعد أن أعلنت نتائج أول تحليل كامل لجينوم سكان مصر القدماء، وأكد أن جذورهم من #بلاد_الشام وتركيا بالشرق الأوسط، وليسوا أفارقة الأصل من وسط القارة السمراء كسكان مصر الحاليين، وفقا لدراسة نشرتها دورية Nature Communications الصادرة عن مجلة Nature العلمية البريطانية الشهيرة، أكد خبير مصري أن كافة المعلومات الواردة في الدراسة غير صحيحة وأن المصريين أصولهم مصرية قديمة وليست شامية أو إفريقية.
وقال خبير الآثار المصري عبد الرحيم ريحان لـ”العربية.نت” إن أصول المصريين مصرية قديمة وليست شامية أو تركية أو إفريقية مؤكداً أن دراسة مجلة nature العلمية البريطانية التي قامت كما تزعم على تحليل كامل لجينوم سكان مصر القدماء اعتمدت على تحليل الحمض النووي لتسعين مومياء عاش أصحابها من 1400 قبل الميلاد وحتى عام 400 بعد الميلاد، وهي مومياوات ناتجة من أعمال حفائر في منطقة واحدة تسمى أبو صير الملق تابعة لمركز الواسطي في #بني_سويف.
وأشار الخبير الأثري إلى “أنها مجرد محاولة التفاف، تحاول فيها الدراسة إثبات أن قدماء المصريين جاءوا من شعوب سكنت موقع #سوريا و #الأردن و #فلسطين و #لبنان المعروفة ببلاد الشام والتي سكنها العبرانيون وبني إسرائيل قبل قدومهم إلى #مصر آمنين مع نبي الله يعقوب عليه السلام خلال توجههم لمقابلة نبي الله يوسف في مصر، وذلك لتأكيد مشاركتهم في بناء الحضارة المصرية وأنهم أصحاب هذه الحضارة.
“دراسة مشكوك في صحتها”
وذكر أن هذه الدراسات مشكوك في صحتها لأنها اعتمدت على نماذج من منطقة واحدة فقط وتنتمي لفترة تاريخية محددة، فضلاً على أنه لا يحق لدراسة علمية مبنية على آثار مصرية أن تخرج بطرق غير شرعية ودون مشاركة علماء مصريين في هذه الدراسة، وهذا حق إنساني وأخلاقي قبل أن يكون حقا قانونياً.
وأرجع الدكتور ريحان ذلك إلى عدم وجود حقوق ملكية فكرية للآثار شأنها شأن حقوق التأليف والموسيقى والأغاني وغيرها ولا يوجد تعريف دولي للآثار لوضعه ضمن اتفاقية الملكية الفكرية “الويبو”.
“الهجرات الشامية” وغزو الهيكسوس
أما عن الهجرات الشامية كما زعمت الدراسة، فقال إن المؤرخ اليهودي جوزيفوس الذي ولد عام 37 ميلادية ادّعى أن اليهود هم الهكسوس الذين دخلوا مصر وخرجوا منها معتمداً على حوادث وقعت في تاريخ مصر حسب ما رواها مانيتون الكاهن المصري الذى عاش تحت حكم بطليموس فيلادلفوس 285- 246 ق.م في كتابه “مصريات” لتساعده على إثبات حجته وقد أفاض فيها في موضوع غزو الهكسوس لمصر وطردهم منها.
وأشار ريحان إلى أن هذه مغالطة تاريخية فالهكسوس هم ملوك الرعاة ففي اللغة المقدسة “هيك” تعني ملك، وفي اللغة العامية “سوس” تعني راعي، وقد جاءت من المصطلح المصري “حقا خاسوت” بمعنى حكام البلاد الأجنبية، وأن اللقب يقصد به الحكام وليس الجنس كله كما قصد مانيتون، فالهكسوس هم خليط من عدة شعوب وقبائل مهاجرة تشمل أيضاً عناصر مثل الكاسي والحوري وكلا الجنسين من أصل هندو أوروبي، وصلوا إلى أواسط آسيا وأطلق عليهم المصري القديم مرة “عامو” ومرة “ستيو” أي الآسيويين، وكانت عاصمتهم فى أفاريس جنوب تانيس “صان الحجر” بالشرقية وعدد ملوكهم 81 ملكا وحكموا من الأسرة 15 إلى 17 من 1674 إلى 1567 ق.م. وطردوا من مصر تماماً في عهد الملك أحمس، ولا علاقة لهم بأي أصول مصرية فهي دولة حكمت فترة من الزمان وطردت، وقد جاءت بعد الفترة العظيمة لبناة الأهرام وتأسيس أصول الحضارة المصرية الخالدة وبناء أعظم آثار العالم.
وأضاف أن بني إسرائيل وكلمة إسرائيل تعني عبدالله وذكرت في القرآن الكريم، “أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا”، (مريم 58).
كما ذكروا في القرآن باسم بني إسرائيل نسبة إلى جدهم الأول نبي الله يعقوب وقد جاءوا إلى مصر في فترة الهكسوس وعاشوا بمصر في أرض جوشن أو جاسان المعروفة الآن بوادي الطميلات وهو الوادي الزراعي الذي يمتد من شرق الزقازيق إلى غرب #الإسماعيلية حتى خروجهم من مصر عبر #سيناء في عهد أحد #ملوك_ مصر، وكانت فترة إقامتهم في مصر حتى خروجهم مرحلة شد وجذب بينهم وبين ملك مصر ولم يشاركوا في بناء حجر واحد في الحضارة المصرية بل قاموا بسرقة ذهب مصر الذي استعرنه نساء بني إسرائيل من المصريات على سبيل الرهن وأثناء خروجهن أخذن كل هذا الذهب معهن، وهو بالإضافة لقيمته المادية فهو قيمة أثرية لا تقدر بثمن ولو أن هناك فرصة للمطالبة بتعويضات فلا تكفي ميزانية دول العالم مجتمعة على الوفاء بقيمته الأثرية والمادية.
“البعد الإفريقي”
إلى ذلك، أكد ريحان البعد الإفريقي لمصر القديمة المتمثل فى رحلات قدماء المصريين وهم أكثر من استخدم البحر الأحمر حيث كانت لهم صلات تجارية مع بلاد بونت “وهي في رأي الكثير من الباحثين تشمل المناطق الإفريقية والآسيوية المحيطة بباب المندب” للحصول على البخور والعطور والأخشاب اللازمة للمعابد، وأهم تلك البعثات هي التي أرسلتها الملكة حتشبسوت لبلاد بونت في الأسرة 18 (1580 – 1322 ق.م) .
ويرجح أن هذه البعثة وصلت جزيرة #سومطرة وسعى البطالمة في مصر إلى التعرف على البحار الشرقية والسيطرة على طرقها التجارية ومحاولة تركيز طرق التجارة الوافدة من إفريقيا وبلاد العرب والهند في البحر الأحمر ومصر، وكانت تجارة مصر في عصر البطالمة تشتمل على منتجات الصين والهند وبلاد العرب وشرق إفريقيا ووارداتها من الأقاليم الشمالية المعادن، الأصباغ والنبيذ لحساب الأقاليم الجنوبية والشرقية. ومن بعدهم استغل الرومان البحر الأحمر لأغراض الغزو والسيطرة على طرق التجارة ورأى فيه المصريون والبيزنطيون واليمنيون وسيلة اقتصادية لتشجيع التجارة، وجاء العرب المسلمون ففطنوا لأهميته لأغراض التجارة ونقل الحجاج.
وتابع قائلاً: “وجه الرومان عدة حملات عسكرية للسيطرة على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر على اعتبار أن هذه المنطقة يمكن أن تنتهي عندها طرق التجارة البحرية وتتحول لطرق التجارة البرية التي تسيطر عليها الدولة الفارسية المنافسة مما يهدد دور اليابس المصري ومن هذا المنطلق كانت العلاقات التجارية والمصالح المشتركة سبباً في التواصل الحضاري المصري الإفريقي.
كما أكد أن البعد الإفريقي لمصر تجسد منذ القدم في رحلات قدماء المصريين إلى بلاد بنت وهي في رأي الكثير من الباحثين تشمل المناطق الإفريقية والآسيوية المحيطة بباب المندب وعلى محور الصحراء الكبرى وجدت أدلة على المؤثرات الحضارية المادية والثقافية بين بعض قبائل نيجيريا وغرب إفريقيا وبين القبائل النيلوتية في أعالي النيل وفي محور شمال إفريقيا دخلت مصر مع الليبيين في احتكاك بعيد المدى وامتد النفوذ السياسي المصري إلى برقة أيام البطالسة والعرب وكانت مصر بوابة التعريب بالنسبة للمغرب العربي.
مصر والمتوسط
أما البعد الخاص لمصر بالبحر المتوسط، فتمثل بحسب الخبير، في علاقات مصر القديمة الحضارية والتجارية بكريت المينوية ثم باليونان وروما وفي العصر الإسلامي أصبح للبحر المتوسط دور حيوي في كيان النشاط التجاري بمصر وارتبطت مدن كالإسكندرية ودمياط مع البندقية وجنوة وبيزا بعلاقات تجارية وربط بينهم جسر بحري.
وتابع ريحان أن مصر في العصر المملوكي مثلت فيها الإسكندرية والقاهرة موطناً دائماً لتجار نشيطين من تجار المدن الإيطالية، وبالمثل كانت علاقات مصر مع بلاد الشام عن طريق البحر المتوسط وفي العصر العثماني انتقل كثير من مهاجري سواحل البلقان واليونان وألبانيا إلى مصر وأقاموا فيها ومنهم الإنكشارية والألبان وبقيت أسماؤهم المعرّبة تكشف عن أصلهم أحياناً مثل الدرملي من مدينة دراما والجريتلي من كريت والأزميرلي من أزمير والمرعشلي (مرعش) والخربوطلي (خربوط) ثم جاءت قناة السويس فأعادت تأكيد البعد المتوسطي في كيان مصر.