هو إذن الاتجار بالبشر في المزادات السرية-الدالفة قسرا للعلن في ليبيا أمام مجلس الأمن. ويتوقع قرار بنَفَس أمني وقانوني في نيويورك، ودول مثل بوركينا فاسو تستدعي سفيرها في ليبيا، والنيجر تنظم عودات جماعية لناسها، وسفارات ليبية مسرحٌ لاحتجاجات منددة، وحديث عن عبودية جديدة.
لكن منظمات حقوقية وأجهزة استخبارات غربية نبهت في عام 2011 و2014 وحذرت من صوملة ليبيا ونتائجها الوخيمة على البشر والحجر في حوض المتوسط.
أولى الهزات الارتدادية للكارثة الليبية كانت الحرب في مالي، ثم مالبث الأمر أن تطور إلى تلاشي الدولة الليبية بين حكومة طرابلس وحكومة بنغازي والميليشيات القبلية والعرقية وسط البلاد.
فنانون وكتاب أوروبيون وأفارقة وإعلاميون من أصول إفريقية بيضاء وسمراء وقهوية بكوا واستبكوا في الواتساب والفيسبوك والانستاجرام؛ ووقيعة مدبرة بين دول إفريقية ذات سواد أعظم وأخرى ذات بياض أعظم في جنوب الحوض.
ما حصل هو أن الفاعلين الرئيسيين في الفيديو القنبلة الذي سجلته صحفية سوداء من قناة “سي أن أن” الأمريكية هما المسكوت عنهما الأكبران في هذا الزمن الأممي المتباكي.
إنهما حلف الشمال الأطلسي والحكومات الإفريقية. دمر الحلف دولة إفريقية وقتل رئيسها وفرط عقدها، وتركت الحكومات الإفريقية المطلة على ليبيا شبابها يتسللون عبر ليبيا ليدخلوا الفردوس الأوروبي الناعس الذي طالما حُرِموه؛ دون حسيب أو رقيب.
ليست محاولات الأفارقة للهجرة إلى أوروبا حديثة، وليست ملابساتها بالشيء الجديد. فلطالما طوردوا في مصر وإسرائيل ورُحّلوا من المغرب وتونس والجزائر.
ما أضفى شحنة تاريخانية على الحالة الليبية هو تلك القرون الأربعة المقيتة من الاستعمار وتجارة الأرقاء السود الذين صحا أحفادهم على دول قوية مستقرة حرة تؤويهم، وأوطان خبال بائسة في إفريقيا هي منطلق الأجداد.
لماذا يهاجر الأفارقة أصلا؟ وهم الذين سيكونون في أربعينيات القرن الواحد والعشرين نصف البشر الأحياء على المعمورة؟ ثم لماذا هذه الهوات الرقمية والتنموية والقانونية واللونية والحرياتية السحيقات بين إفريقيا كحقل وبين شمال الأرض كحقال؟ ثم لماذا لم يوضع أصبع الاتهام على حلف الشمال الأطلسي الذي حول ليبيا إلى مأتم فوضوي صاخب، ورماد دولة أريد له أن يتلظى طويلا؟ محكمة الجنايات الدولية تقودها امرأة إفريقية من بلد إفريقي؛ هو الآخر يملك نسخته من أسفار البؤس، لا تقدم ولا تؤخر الدعوى إلا حين يغضب سادة إفريقيا السابقون واللاحقون على مغضوب عليه.
ليس الأمر الذي يجري في ليل ليبيا البهيم بمسؤولية ليبية صريحة. إنه غسيل سياسات فاشلة في دول المنطلق وتصامم ممنهج في دول الموعد. إنهم فتية سود لقوا أنفسهم غرباء بأرض لا قائد فيها ولا مقود دون طعام ولا شراب ولا كرامة؛ قست عليهم قلوب تجار عاطلين عن العمل فدفعتهم الحاجة ووعثاء السفر إلى إذلال متلفز لأنفسهم، فتمت القراءات بالأبيض والأسود وليس بالألوان.
ليبيا التي بيعوا فيها لا سلطان فيها، وتلك هي البقعة السوداء في بياض راية المنتظم الدولي. كانت ليبيا حتى أمس -مهما قيل أو لم يقل- تمول الاتحاد الإفريقي كله، بنت عمارات للحكومات الإفريقية في باماكو وواغادوغو وداكار وانيامي وبيساوو غيرها.
ليبيا كانت ستوزع الانترنت والاتصالات الهاتفية مجانا على الأفارقة، ولها المال الكافي لذلك وأقامت المنشآت.
ليبيا ما كانت ليرفع عنها الحظر لولا الأفارقة وما كانت الشركات المتعددة الجنسيات الأوروبية لتملك السماء الإفريقية لولا انهيار ليبيا.
بيع عبيد الهجرة في ليبيا لم تقم به ليبيا، بل هو واقع مرّ ولده غياب السلطة وغياب القانون وتكاثر المهاجرين ليقعوا بين خيار العودة لوطن لفظهم والتأهب للموت في سبيل وطن لن يقبل منهم إلا من وصل حيا أو عافته الأسماك والأساطيل المتوسطية.
إسماعيل ولد يعقوب ولد الشيخ سيديا