عمدة عرفات يرد على تقرير محكمة الحسابات

0
322

رد عمدة بلدية عرفات الحسن ولد محمد على تقرير محكمة الحسابات، المثير للجدل، مؤكدا أن تقاريرها عن بلدية عرفات “جانبها الصواب”.

واستدرك ولد محمد أنه بالرغم من ذلك فإن “المرحلة التي نحن فيها تقتضي تشجيع النشر، والتغاضي عن الأخطاء التي تصاحبه، وتثمين الخطوة دون انشغال بنقدها التفصيلي الذي سيجد لا محالة وقتا، ومناسبات كثيرة”.

وإليكم النص الكامل لرد عمدة عرفات:

تابعت مثل غيري التقارير التي نشرتها محكمة الحسابات متضمنة نتائج تفتيشها لبعض المؤسسات العمومية، لمدة سنوات. وقد سررت بالمبادرة بنشر التقارير، واعتبرتها خطوة جيدة جدا في سبيل ترسيخ مستوى من الشفافية في التعامل مع المال العام، وترسيخ حق المواطن في الوصول إلى المعلومات من مصادرها الأصلية.

ولن ينغص من الفرحة ما أشار إليه البعض من محدودية الجهات التي طالها التفتيش والنسبة المتدنية التي يمثلها نصيبها من ميزانية الدولة.

ومع أن بلدية عرفات وردت في اثنين من التقارير بشأنها بعض الملاحظات التي نعتقد أن الصواب جانبها، فقد كنت صرفت النظر عن التعليق أو الرد على تلك الملاحظات واعتبرت أن الأخطاء التي طالتنا، وإن كانت غير مبررة، ولا مناسبة من وجهة نظرنا، فإن المرحلة التي نحن فيها تقتضي تشجيع النشر، والتغاضي عن الأخطاء التي تصاحبه، وتثمين الخطوة دون انشغال بنقدها التفصيلي الذي سيجد لا محالة وقتا، ومناسبات كثيرة.

وكان هذا أحد أسباب تأخير الرد أو التعليق، ومعه استحضار أن التعليق قد يشغل حيزا من نقاش التقرير وربما يصرف النظر عن بعض القضايا الكبيرة التي يطرحها التقرير، والتي تضمنت اختلالات كبيرة في تسيير بعض المؤسسات العمومية ذات الميزانيات الضخمة بالمقارنة مع مرفق فقير مثل بلدية عرفات.

إلا أن بعض المشفقين اتصلوا مطالبين بتوضيح الملاحظات، والتعبير عن الرأي بشأنها، ومدافعين عن حقهم في الاطلاع على وجهة نظرنا في المسائل المثارة، لأنهم مواطنون موريتانيون أولا، ولأن بعضهم يعتبر ثقته في القائمين على البلدية تحتم عليه معرفة الحقائق بشأنها.

وقد زاد من وجاهة هذا الطرح بالنسبة لي شخصيا، ولمن استشرتهم من ذوي الخبرة والرأي أن القضاة الفضلاء، والمحكمة الموقرة قد نشروا ما أدته إليهم متابعتهم للمؤسسة وأن من حقهم علينا أن نناقشهم، ونبادلهم الآراء والنصائح.. فهم أكبر من التجاهل، وأجل عن الإعراض. وسأحاول إيجاز التعليق، ما استطعت.

في سياق التقرير.

1. إن حجم الجدل الذي دار سلبا وإيجابا، بشأن الملاحظات المتعلقة بالبلدية يدل على أمرين غاية في الأهمية بالنسبة لي؛ الأول: أن الذين يثقون في القائمين على العمل بالبلدية يضعونها فوق الشبهات، ويستفزهم أي اتهام، أو ملاحظة حتى ولو خلت من شبه الفساد، وتهمه. وهي ثقة نحمد الله عليها، ونسأله أن نكون عند حسن الظن فيها.

الثاني: أن الذين استبشروا بالملاحظات وحاولوا التركيز عليها ممن ليس دافعهم الإشفاق والثقة، لم يكونوا يطمعون أن يسمعوا أي ملاحظة على البلدية فلما وجدوا هذه الملاحظات الخفيفة، احتفلوا بها، وأعطوها أكثر مما تستحق، وهذا يدل على أنهم كانوا يضعون البلدية والقائمين عليها خارج دائرة توقعات اختلالات التسيير، وفوق شبهات الفساد، فلله الحمد على كل ذلك.

2. أشكر السادة القضاة على جهدهم المحترم في إعداد التقارير وعلى ملاحظاتهم الجيدة. وأشكر لهم سلوكهم أثناء زيارات التفتيش .

3. بالإضافة لمحكمة الحسابات كانت البلدية خلال السنوات الفارطة محطة ثابتة في عمل كل جهات التفتيش الحكومية. مفتشية الدولة ومفتشي المالية والداخلية، وكنا نتلقى الإشادات بعد كل تفتيش، ونذكر هنا على سبيل التمثيل اندهاش بعض القضاة والمفتشين من حجم الإنجازات التي تقوم بها البلدية وجودة الأسعار مقارنة مع حجم الميزانية المتوفرة لديها.

4. كانت بلدية عرفات تفتش وحدها لعدة سنوات، وفي السنوات الأخيرة أصبحت تفتش معها بعض البلديات الأخرى ربما رفعا للحرج، والدليل على ذلك أن تقرير المفتشية يوضح أن بلدية عرفات هي وحدها التي زارها المفتشون مرتين في الفترة التي تحدث عنها التقريران، ومع تفتيش بلديات أخرى إلى جانب بلدية عرفات، كانت طريقة التفتيش ومستوى التدقيق متباينا جدا، حتى إن بعض الجهات المشرفة على التفتيش أوصت بأن تفتش بقية البلديات بنفس الطريقة التي تفتش بها بلدية عرفات.!

5. ولا أريد أن أختم هذه الملاحظات التقديمية دون الإشارة، على سبيل الامتنان والشكر، إلى رفض بعض القضاة والمفتشين الرضوخ لضغوط مورست عليهم من جهات عليا بغية إدانة البلدية باختراع ملفات فساد لها، وهي مواقف لا يمكن أن تنسى، وقد يأتي اليوم الذي يكشف فيه عن تفاصيل تلك المواقف المشرفة، التي تبعث الطمأنينة في النفس على أن هناك شرفاء في هذا الوطن يرفضون الظلم.

سلطة التقدير ليست خرقا للقانون
أوردت المحكمة ملاحظات على بلدية عرفات في تقريريها المنشورين، وكما قلت سابقا فإن تعليقي سينصب على الملاحظات المتعلقة بالجوانب المالية لحساسيتها، ولاهتمام الرأي العام بها، وفي التقرير الأول وردت عن بلدية عرفات ملاحظتان:

1. استكثر تقرير المحكمة مبلغا شيدت به ثمانية مراحيض، وبالغ في الاستكثار حتى خفض المبلغ إلى ربعه، ولا شك أن هذه فجوة واسعة في التقدير. وهنا لن أزيد على القول إن الصفقة منحت وفق شروط منافسة شفافة شاركت فيها عدة مؤسسات، وإنها رست على أرخص العروض المقدمة.

وليس دفاعا عن الموردين والمقاولين المتعاقدين مع البلدية، وليست لي أي مصلحة في الدفاع عنهم، أذكر قضاة المحكمة المحترمين بأن قيمة الصفقات العمومية توزع على ثلاثة محاور: ٢٠٪ تزيد قليلا تذهب للضرائب، و٢٠٪ تزيد قليلا أو تنقص قليلا تعتبر هامش ربح للمورد، وما بقي هو ما ينفق على المشروع أو المشتريات، وفيه يحتاط المتعاقد لتجنب المخاطر، ويترك المرفق العمومي هامشا يمكنه من المطالبة ببعض التحسين أثناء العمل، ويقوي موقفه في حال النزاع.

وفي العموم فإن أي صفقة تمر بالمساطر القانونية الدقيقة، تنتفي فيها شبه الفساد، وتنتفي فيها حجج القضاء بشكل أقوى وأكثر وضوحا، ويجب أن تسقط من الملاحظات السلبية، لأن ذلك أدعى للوثوق بنتائج التفتيش وتقارير المؤسسات العدلية.

2. رأت المحكمة أن مبالغة حدثت في ثمن طريق سمته ممرا للمعاقين، والحقيقة أن القضاة الفضلاء كانوا يتحدثون عن طريق قصير لفك العزلة عن أحد المراكز الصحية بالبلدية، وقد استكثرت البلدية على هذا الطريق مبلغ 800 ألف أوقية قديمة، وهو رقم جد مقبول لمن خبروا تعبيد الطرق، والأرقام المالية التي تصرف عليها، وقد صرفناه وفقا للإجراءات والنظم المعمول بها، ولا يمكنني الزيادة فيها على ما قلت في الملاحظة السابقة.

وفي التقرير الثاني وردت جملة من الملاحظات، وتعليقي عليها كالتالي:

1. استلمنا تقرير بعثة المحكمة الأخير المتضمن الملاحظات التي نشرت في التقرير. وقد رددنا على التقرير بما ظنناه كافيا عن نشره، ولكن يبدو أن تقدير قضاة المحكمة اختلف عن تقديرنا بالخصوص. ومع هذا لاحظنا أن المحكمة مشكورة استفادت من التقرير وحذفت بعض الملاحظات التي رددنا عليها، وأبقت على بعضها رغم الرد الواضح، ورغم عدم وجود أي شبهة فساد في الملاحظات التي أوردتها.

وقد فكرت في نشر ردود البلدية على التقرير كما أرسلت إلى المحكمة، وأظنها كانت أكثر من كافية، وستشفي الغليل، ولكني عدلت عن الفكرة، والتقرير محفوظ في أرشيف البلدية لأي جهة تريد التحقيق في الموضوع، وسيأتي اليوم الذي يكون فيه نشر التقرير مناسبا، إذا قررت البلدية أن توثق تجربتها في كتاب متكامل.

2. نتفهم أن تحاول المحكمة خلق توازن في تقاريرها بذكر بعض السلبيات، حتى ولو كانت طفيفة، ولا تحمل أي شبه فساد، لأن مقتضى عملها، وثمرة جهودها، في النهاية هي هذه الملاحظات في حال عدم وجود شبه فساد في المؤسسة.

3. أن هذه الملاحظات تقول شيئا مهما بالنسبة لنا، وهو أن إيراد الملاحظات التحسينية، وتسجيل ملاحظات تتعلق بالسلطة التقديرية للمسير دون اتهام بالاختلاس، أو سوء التسيير، أو مطالبة بإرجاع مبالغ مهدورة، يدل على مستوى عال من التقدير، ومستوى أعلى من شفافية التسيير، وعقلانيته، وسلامة إجراءاته! فلو كان في تسيير بلدية عرفات اختلاسات لا قدر الله، أو إهدار للمال العام، أو سوء تسيير، أو فساد مالي من أي نوع لما اشتغل قضاة المحكمة بالملاحظات التحسينية، ولا التفتوا إلى الاختلافات في التقدير بينهم وبين الجهة المسيرة.

4. في الجوهر أورد التقرير جملة من الملاحظات بعضها يدخل في الجوانب الإدارية استفدنا منه وبدأنا العمل على أساسه، وبعضها يمكن تصنيفه في الجوانب المالية وهو الأكثر حساسية بالنسبة للرأي العام وسأسجل بشأنه الملاحظات التالية:

– أشار أحد التقريرين إلى ما اعتبره صرفا مبالغا فيه على صيانة أسطول سيارات البلدية، ومع أن الملاحظة رد عليها تفصيلا في رسالة البلدية إلى المحكمة، فإن القضاة أبقوا عليها كما في تقريرهم المنشور.

– ومع أن مسألة الاختيار بين شراء سيارات جديدة، وصيانة السيارات القديمة، والاستمرار في استخدامها مسألة تقديرية، تعود إلى جهة التسيير التي تقدر أولوياتها، وحجم المال الذي ستنفقه على أي الخيارين اختارت، ومع أن الأمر يخضع لموازنة وترجيح بين استثمار مبالغ كبيرة دفعة واحدة في شراء سيارات جديدة، أو صرف مبالغ أقل، وعلى دفعات، في صيانة السيارات القديمة، ومع أن كل هذا من صلاحيات المسير المؤتمن على مصالح البلدية وممتلكاتها، وتضمين التعليلات في تقاريره وقراراته، ومع أن كل هذا موثق، وتم توفيره للقضاة عند التفتيش، فقد استخدموا سلطتهم التقديرية في ترجيح إبقاء الملاحظات في التقرير المنشور، كما هي دون أي إشارة للأبعاد التقديرية في القرار الأصلي!!.

– في سوقه للملاحظات خلط التقرير بين نوعين من الصيانة خلطا لا ندري هل نتمنى ألا يكون مقصودا، لأن ذلك يدل على نقص في الخبرة، أو يكون مقصودا لأن ذلك يدل على نقص في المسؤولية؛ إذ من المعروف أن الصيانة التي تعني الإصلاح، وشراء قطع الغيار، وتجديد الهياكل (الإصلاحات الكبرى) تندرج في بند التجهيز من الميزانية وإن الصيانة التي تعني تغيير الزيوت، والنظافة، والأمور الروتينية تعني التسيير، وهما بندان مختلفان، لا يجمعهما إلا وحدة العملة التي يصرف منها عليهما.

– وخلط التقرير الصيانة بالبنزين أيضا، وهو أمر لا يمكن معرفة سببه، إلا أن يكون نفخ المبالغ التي تم صرفها، حتى تصبح شيئا جديرا بالملاحظة!!. فما دخل البنزين بجدة السيارة وقدمها؟ وما علاقة وقود السيارة بصيانتها؟ لا شيء.

– لما ذا لم يلاحظ التقرير أن كل المبالغ التي صرفت في الصيانة من بند التجهيز، والتي صرفت في الصيانة من بند التسيير، والتي صرفت على البنزين، لم تخرق سقف توقع واضع الميزانية العامة للبلدية، ونعني هنا المجلس البلدي؟

واستخدم التقريرأحيانا تعبيرات غائمة تزيد اللبس، مثل تسميته أسطول السيارات بـ”حظيرة السيارات” وعند القراءة الأولى يعتقد غير المنتبه أن هذه المبالغ كلها أنفقت على حظيرة السيارات التي تحفظ فيها، في حين أن المعني أنها أنفقت على السيارات ذاتها.!!

إن مجلسا متعدد المشارب السياسية والفكرية انتخبه الناس، وأوكلوا إليه تسيير هذا المرفق، قرر بناء على سلطته التقديرية التي يخوله القانون إياها، وبناء على دراسة جدوى من حقه إجراؤها، أن يبقي على أسطول من السيارات يستخدمه، وأنه لا يملك المال لاستبداله في هذا الحيز الزمني، ثم عرف بناء على نطره أن هذا الأسطول يحتاج صيانة، وقرر أن هذه الصيانة تحتاج مبلغ كذا من الموازنة العامة للمرفق العمومي، فوضع هذا المبلغ، وخول الجهة المعنية بصرفه عند الحاجة، وقامت الجهة المخولة بالتسيير بصرف جزء من المبلغ المرصود للعمل المرصود من أجله، وفي الحيز الزمني المسموح به، ووفق الإجراءات والشروط القانونية المنصوص عليها، لحري أن يفوت الملاحظ، وألا يستكثره المفتش، إن كانت الأمور على طبيعتها!!.

وإن مجلسا بلديا، متعدد المشارب، مختلف الاتجاهات السياسية، قرر أن يخصص مبلغا من المال لتوفير وقود لأسطول سيارات يستخدمه للخدمة العمومية التي هو مسؤول عن توفيرها، وصرف المسير المخول بذلك جزءا من المبلغ المخصص لهذا البنزين في المدى الزمني المحدد في القانون، وبالإجراءات المنصوص عليها، لحري أن يفوت الملاحظ، وألا يقف عنده المفتش!!!.

صفقات البلدية لا شية عليها

1. وردت في التقرير ملاحظات بشأن بناء عشرة أكشاك من الألمنيوم قدمتها البلدية لبعض المعوقين تشجيعا لهم على الانخراط في الحياة النشطة، ومحاولة لبناء نموذج مقبول الشكل للمحلات الصغيرة، يمكن تطويره ليصبح بديلا عن الأخبية والخيم الصغيرة، والعربات التي يستخدمها صغار الباعة. وقد توقف التقرير عند ملاحظات رآها معدوه جوهرية بهذا الشأن؛ الأولى هي المادة التي بنيت منها الأكشاك. ودون أي نوع من تسفيه التفكير الذي يقود إلى المفاضلة بين الخشب، والإسمنت والألمنيوم في تقرير رقابي، فإنني أعتبر هذه الملاحظة غاية في الشكلية، ولم تأخذ في الحسبان السلطة التقديرية للجهة مانحة الصفقة، ولم تأخذ في الحسبان، وهذا هو الأكثر إزعاجا المبررات التي قدمها رد البلدية!!.

.
والأمر ببساطة هو أن الجهة المعنية في البلدية وازنت بين أنواع مواد البناء أخذا في الاعتبار الإمكانات المادية (أسعار الألمنيوم، وأسعار أنواع الخشب الجيدة، القابلية للنقل، قوة التحمل) وكذا الوضعية القانونية للقطع الأرضية التي ليست ملكا للبلدية، واختارت بناء على كل هذه الموازنات، أن تبنى الأكشاك من مادة الألمنيوم.
أما الملاحظة الثانية فتتعلق بملحق للصفقة يتعلق بتقوية الأساس الإسمنتي لهذه الأكشاك، وببناء أسطوانات تساهم في حماية الكشك من السيارات والعربات. وكل ما في الأمر أن لجنة المشتريات بعد منح الصفقة، عن طريق مناقصة شاركت فيها 8 مؤسسات، رأت أن الأساس يحتاج زيادة سمك، وأن الاسطوانات ضرورية لحماية الأكشاك، فدرست الأمر عن طريق مهندس البلدية، وألحقته بالصفقة، ولم تفتح فيه مناقصة جديدة لأن القانون لا يلزمها بذلك، ونظرا لكون الأمر في حقيقته جزءا من الصفقة لم يضمن في عرضها الأول، وليس معقولا أن يلزم به المورد.

والملاحظة الثالثة هي كون هذه الأكشاك لم تستغل، وهو أمر في غاية الغرابة أن تضمنه المحكمة في تقريرها ورد البلدية بشأنه واضح ومفصل، وهو أن هذه الأكشاك منحت لأشخاص لاستغلالها، وما فتئت البلدية تحضهم على استغلالها وتهددهم بسحبها في حال استمرار عدم الاستغلال، وقد استغل بعضها بالفعل، ولو علمنا من الغيب أن بعض من ستمنح لهم لن يستخدموها، لما كنا تورطنا فيها. ولكننا نتمسك بأن الاستمرار في التوعية، وتغيير طريقة الحض، وربما تغيير المستفيدين، ستحقق إن شاء الله ما نرجوه من هذا المشروع، وهو أكثر من مجرد استغلال عشرة أكشاك. إنه مساهمة في تغيير وجه الشارع العام، وتطوير النشاط الاقتصادي للفئات الأكثر عرضة للفقر.

2. بقي أن أقول إن كل صفقات البلدية تحترم القانون حرفيا، وتلتزم بكل المساطر؛ فقد أنجزت لجنة المشتريات بالبلدية “خلال سنتي 2016 و2017 ما يزيد على 120 صفقة ما بين مناقصة واستشارة موردين، شارك فيها ما يزيد على ثمانين مؤسسة فازت منها 37 مؤسسة بأشغال وتوريدات”.

ولم توجد في هذه الصفقات أي ثغرة، رغم أن عملا بهذا الحجم يجب ألا يخلو من ثغرات، فهو من إنجاز بشر يصيبون ويخطؤون. ومع ذلك نستطيع أن نفخر بأنه لا أحد يمكنه توجيه أصابع الاتهام إلينا في بلدية عرفات باستغلال المنصب، أو سوء التسيير، أما الاختلاس فهو نقيصة نحمد الله تعالى على نعمة الترفع عنها.

وقد بدا أن معدي التقرير لاحظوا تكرار ورود أسماء مؤسسات في صفقات البلدية، وهذه حقيقة، ولكننا لا نملك أي حق في إقصاء أي مؤسسة، أو التقليل من حضورها في الصفقات لأن ذلك مناف لمبدأ الشفافية، وقد كان يجدر بقضاة المحكمة أن يكملوا مهمتهم بإرسال بعثة تفتيش إلى هذه المؤسسات لمعرفة إن كانت لديها أي صلة بأي مسؤول في البلدية، وأن يفتشوا على الأعمال التي أنجزت للبلدية خلال الفترة الماضية، أو أن يشيروا إلى أن هذه المؤسسات حصلت على صفقة واحدة بدون مناقصة شفافة مكتملة الشروط تشارك فيها أكثر من مؤسسة. وعندئذ تكون ملاحظتهم في محلها.

سرني أني خطرت ببالك

1. وما أبرئ نفسي من أن تكون بعض التقديرات التي أذهب إليها خطأ، ولا أجزم بأنها تخلوا كلها من أي ميول، هي من طبيعة النفوس، ولكني أستطيع تأكيد انتفاء سوء القصد، وأخذ كل الاحتياطات من أجل تقليل غوائل شهوات الاستبداد، والاستفراد بالقرار، وهذه نعمة نحمد الله تعالى عليها، وأجد أثرها كل يوم في وجوه العاملين في البلدية، وفي المترددين عليها.

2. إن الملاحظات التي أوردها قضاة المحكمة الفضلاء في الجوانب الأخرى محل ترحيب وعناية، وليس الأخذ بها منة منا، ولا تفضلا، فهي مفيدة، وتصب في خانة تحسين العمل وتطويره، ونحن نرحب بها في كل وقت، وبعد دراستها وتصنيفها نأخذ بما نراه مناسبا منها، أو يضيف جديدا لتطوير العمل وتحسين الأداء.

هذا التعليق هو مجرد محاولة لفتح حوار أكثر اتزانا حول ملاحظات محترمة من قضاة محترمين، وبادرة حسنة من مؤسسة محترمة بنشرها تقرير عملها. ونحن في الحقيقة منها بمنزلة الشاعر:

لئن ساءني أن نلتني بمساءة ** لقد سرني أني خطرت ببالك
ومع ذلك نفضل أن تذكر الدولة البلديات في التفتيش على صرف الميزانية، وأن تتذكرهم قبل ذلك عند توزيعها، وترفع لهم النسبة أكثر من النسبة الحالية (أقل من ١٪ بالمائة من ميزانية الدولة) التي يتقاسمون كل سنة، ويوكلون بعدها إلى مواردهم الشحيحة، صعبة التحصيل.

وأما أنا فحسبي الله ونعم الوكيل، وما أجد مستعصما أتعزى به أمام دعاوى غير العارفين بحقيقة أمرنا في البلدية، من قول النجاشي رضي الله عنه حين خير بين الخيانة والأمانة، مع ملاحظة اختلاف الموقف: “والله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيع الناس فيه”. وأنه جل وعلا “لا يصلح عمل المفسدين”.