والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي صح عنه أنه قال: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم).
أما بعد فإن من أبشع وأخس المنكرات: التساهل في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فويل لقوم شروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين.
والمسؤولية الملقاة على عاتق العلماء – والتي إن لم يتحملوها عُدُّوا من سَقط المتاع وأصبحوا وأمسوا وباتوا وظلوا لا معنى لوجودهم وأصبح بطن الأرض خيرٌ لهم من ظهرها –: هي حراسة الشريعة والذب عنها صادعين بالحق حاملين هذا الدين نافين عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
ومن هنا فإننا نحن – علماء هذا البلد تحملا للمسؤولية الملقاة على كواهلنا – نحكم ببراءة شريعة محمد – صلى الله عليه وسلم – من حكم محكمة الاستئناف بانواذيبو على ساب النبي محمد صلى الله عليه وسلم لثلاثة أسباب:
السبب اﻷول: عدم انعقاد ولاية القضاء لرئيس المحكمة لفقده أهلية القضاء وعلى رأسها العدالة والعلم والورع.
قال الشيخ خليل في شروط القضاء: ((أهل القضاء: عدل ذكر فطن مجتهد إن وجد وإلا: فأمثل مقلد)) ووالله ما هو بمجتهد، ولا بأمثلَ، ولا بمقلد.
السبب الثاني: عدم إحضاره العلماء أو مشاورتهم.
قال الشيخ خليل: ((ونبذ حكم جائر وجاهل لم يشاور)) وكلامه يحمل على ما إذا ولي الجاهل لِعدم العالم وإلا فقد أشار إلى أن العلمَ واجبٌ شرط – وأن عدمه يمنع انعقاد الولاية ونفوذَ الحكم مع وجود العالم – بقوله: “مجتهد…” إلخ.
قال مالك: لا أرى الخصال تجتمع اليوم في أحد فإن اجتمع فيه خصلتان: العلم والورع رأيت أن يولى.
قال ابن حبيب: إن لم يكن ورِعا عالما فورِع عاقل فبالعقل يسأل وبالورع يقف.
وأحضر الرشيد رجلا ليوليه فقال: لا أحسن القضاء ولا أنا فقيه.
فقال الرشيد: إن فيك ثلاث خصال:
1- لك شرف والشرف يمنع صاحبه من الدناءات.
2- ولك حلم والحلم يمنع صاحبه من العَجَلَة ومن لم يعجَل قل خطؤه.
3- وأنت رجل تشاور في أمورك ومن شاور كثر صوابه.
وأما الفقه فتضم إليك من يفقه.
وقد حرم هذه الخصالَ الثلاثَ رئيسُ محكمة انواذيبو.
السبب الثالث: بطلان الحكم الذي حكم به فضلا عن هذا وذاك وقد نص العلماء على أن حكم القاضي الذي انعقدت له ولاية القضاء شرعًا إذا جاء على خلاف الإجماع أو القواعد أو النص أو القياس الجلي السالم من المعارض الراجح – وجب نقضه.
وقال اﻹمام ابن حزم في مراتب اﻹجماع – وهي أصح اﻹجماعات كما قرر علماؤنا -: ((واتفقوا على وجوب الحكم بالكتاب والسنة والإجماع.
واتفقوا أن من حكم بغير هذه الثلاثة أو القياس أو اﻻستحسان أو قول صاحب ﻻ مخالف له منهم أو قول تابع ﻻ مخالف له من التابعين وﻻ من الصحابة أو قول اﻷكثر من الفقهاء فقد حكم بباطل ﻻ يحل)) انتهى كلام ابن حزم بحروفه وقد نقله اﻹمام ابن القطان في اﻹقناع في مسائل الإجماع. مسلما له.
ونذكر بما ذكرنا في بياننا السابق: من أن مما لا تسع المخالفة فيه: أن الذي يجب به العمل إفتاءً وقضاءً في هذا الزمان الذي رقّت للملحدين ومَن خلفهم فيه الزريبةُ من جانب الإسلام فأصبح الاستهزاء بالله وآياته ورسله بضاعةً رائجة في سوق أعداء الدين والسوق قائمة يلجأ إليها كل من يبيع دينه بعرض من الدنيا فحسبنا الله ونعم الوكيل.
نعم نقول: إن مما لا تسع المخالفة فيه: أن الذي يجب به العمل إفتاءً وقضاءً في هذا الزمان: هو ما قوي دليله وكثر قائله بل تواطأ عليه السواد الأعظم من علماء المسلمين حتى كاد يكون إجماعيا بل نُقل عليه الإجماع: وهو وجوب قتل ساب النبي صلى الله عليه وسلم وتشريد من خلفه به وإن تاب وحسن إسلامه.
وذلك لثلاث كلها تكفي وحدها وأحرى مجتمعة:
1- أدلة الكتاب والسنة القاضية بذلك المقررة في محالها.
2- ظننا بل يقيننا – وغلبة الظن توجب الحكم هنا -: أن المخالفين في درء الحد عن الساب بالتوبة – وقليل ما هم – لو أدركوا زماننا لما وسعتهم المخالفة.