عندما أُعلِنتِ الوحدةُ بين مصر وسورية (سنة 1958م) تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة، تحركَ الانفصاليون ومَن لا يريدون الخير للأمة العربية من أجل إجهاض تلك التجربة الرائدة التي عُدَّت بَذرَةً واعدةً ممهدةً لقيام وحدة عربية شاملة.
قادت تلك التحركات والمؤامرات-فيما بعدُ- إلى انقلاب عسكري في سورية سنة 1961م، معلنًا إنهاء الوحدة بين القُطرين الشقيقين وقيام الجمهورية العربية السورية.
تمسّكت مصرُ باسم الجمهورية العربية المتحدة إلى سنة 1971م، على أمل أن تتراجع السلطات السورية عن قرار الانفصال أو تنضم دول عربية أخرى إلى هذا المشروع الوحدوي الطموح.
مع تلاحق الأحداث، بدأ الحُلم يتبدّد- تجري الرياح بما لا تشتهي السفن- وقررت مصر اعتماد اسمها الحالي: جمهورية مصر العربية…لا داعي للخوض فيما جرى بعد ذلك من أحداث خطيرة في الوطن العربي، كان آخرها ما أطلِق عليه تعسُّفًا اسم: “الربيع العربي”.
ما يجري اليوم في العراق- بعد أن قرر إقليم كردستان إجراء استفتاء حول الانفصال عن الدولة العراقية المركزية، لا يخرج عن إطار تنفيذ مخطط تقسيم الدول العربية إلى دويلات صغيرة غير قابلة للبقاء تكون مناطق نفوذ لدول أجنبية لا يهمها إلّا مصالحها الذاتية.
علينا أن نتذكر- في هذا المجال- تجربة انفصال جنوب السودان عن الدولة المركزية التي كانت وبالًا على الشعب السوداني ، وكانت آثارها السلبية كارثية على “جمهورية جنوب السودان” أكثر من غيرها…فهل سننتظر،بعد تقسيم السودان، إلى أن يُقسَّم العراق-لا قدر الله-ويبدأ تقسيم الدول العربية التي تعيش في الوقت الراهن ظروفا أمنية وسياسية غير مستقرة ؟!
يبدو- للأسف الشديد- أنّ مسلسل العبث بالوطن العربي ما زال مستمرًّا، ويخضع لمخطّط تدريجيّ مدروس…ولا يخفى على عاقل أنّ تقسيم الدول العربية بهذا الأسلوب الممنهَج، يهدف إلى إضعاف العرب حتى يظل خصومهم متفوقين عليهم بشريًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا…
المطلوب من العرب-حُكَّامًا ومَحكُمِين-أن يتحركوا قبل فوات الأوان من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا الوطن العربي الممزق…
لعلّ من المناسب في هذا المجال، التعامل بحكمة وصرامة مع ظاهرة حُمّى المطالبة بالانفصال عن الدولة المركزية، تحت مظلة ” حق الشعوب في تقرير مصيرها”. تلك المقولة التي تنطبق عليها في بعض الأحيان مقولة: “كلمة حق أريد بها باطل”…لا بد من مراعاة الفرق بين شعب محتل يرزح تحت نير الاستعمار الأجنبي يتوق إلى تحرير أرضه من المستعمِر وتقرير مصيره بنفسه، وبين جزء/ أو إقليم من دولة مركزية يريد الانفصال عن الدولة الأم بطرق مخالفة لدستور البلد وللقوانين الجاري العمل بها…إنها مغالطة كبرى !
لستُ ممّن يحلو لهم الجري باستمرار وراء ما يُعرَف بنظرية المؤامَرة، ومع ذلك فإنّ هناك جهات معينة تعمل- دون كًلَل أو ملل- على زرع الشقاق بين مكونات الشعب العربي الواحد، من خلال إثارة النعرات العَقدِية والعِرقية واللونية والطائفية والشرائحية…كل ذلك داخل في سياسة: “فَرِّقْ تَسُدْ”.
إنه لَمِمَّا يُؤسَف له أننا كلّما اعتقدنا أنّ العرب-من المحيط إلى الخليج-أصبحوا مقتنعين بضرورة تحقيق الوحدة العربية وتعزيز تماسك الجبهة الداخلي في كل قطر، وجدناهم يدخلون في خلافات ومناوشات جانبية تبعدهم عن التخطيط لمستقبل أفضل يتمكنون فيه من مواجهة تحديات العولمة وما يتطلبه ذلك من تعاون وتنسيق في المواقف والقرارات المصيرية…فهل سنكون على مستوى مسؤولياتنا التاريخية أمام الله، وأمام العالم، وأمام أمتنا العربية المجيدة؟!
نرجو ذلك…والله ولي التوفيق.
المصدر