من بين أبناء الرئيس الليبي الراحل مُعمر القذافي السبعة قتل ثلاثة خلال الثورة الليبية إلى جانب أبيهم في أكتوبر (تشرين الأول) 2011؛ قبل أن تبدأ البقية الآخرون رحلة جديدة غير مأمونة العواقب بحثًا عن مكان آمن يحتويهم، ويبدأون فيه حياة جديدة؛ تكفل لهم الحد الأدنى من الأمان؛ متنازلين عن رفاهيات كانت فريضة واجبة خلال حقبة والدهم الذي هيأ لهم مُتع الحياة بأمواله وسلطانه المطلق بعدما تربع على عرش ليبيا أربعة عقود.
سيف الإسلام.. حرًا ساعيًا للسلطة
في 19 نوفمبر (تشرين الثاني)، اعتقلت القوات التابعة للمجلس الانتقالي في ليبيا سيف الإسلام نجل العقيد معمر القذافي جنوبي ليبيا، والذي كان يعده لخلافته؛ ليقبع داخل سجون ليبيا وتحديدًا في مدينة الزنتان غربي ليبيا، نحو ست سنوات، قبل أن تُقرر السلطات الليبية إطلاق سراحه بعدما طلبت الحكومة الانتقالية – التي تتخذ من شرقي ليبيا مقرًا لها – من إحدى الكتائب المُسلحة – وهي الجهة التي قبضت عليه – الإفراج عنه.
ذهب سيف بعد ذلك إلى منطقة طبرق، شرقي ليبيا، وسط تكتم على جهة انتقاله لأسباب أمنية؛ ليستمر هناك بعض من الشهور، قبل أن يبدأ في التنقل بين عدد من الدول، دون الكشف عن هذه الجهات التي يتنقل بينها. بدأ بعد ذلك سيف الإسلام الظهور في لقاءات إعلامية يروج من خلالها لعودته للمشهد السياسي من جديد، عززهاالدعم الروسي اللافت له لإعادة تأهيله وإرجاعه إلى المشهد السياسي، عبر تمكينه من القيام بدور بارز في مسار المصالحة الليبية، وإعادة توحيد البلاد المتشرذمة بين حكومات متعددة.
ويُشكل ولاء العشائر القبلية لسيف الإسلام، دافعًا قويًا لعودته لواجهة السياسة والسلطة، فقد نجح نجل سيف الإسلام خلال الفترة الماضية في تمتين صلاته بهذه القبائل، وإعادة نسج خيوط العلاقة مع القبائل الليبية في الشرق، واستعادة قبيلته «القذاذفة» نفوذها على المنطقة الجنوبية كافة.
وحسب مصدر روسي، فإن سيف الإسلام لديه طموحات رئاسية، ويبحث عن المساعدة المالية والوساطة في روسيا لإنشاء تحالفات مع مراكز قوى أخرى في ليبيا.
هنيبعل.. رهينة في لبنان
داخل زنزانة صغيرة في سجن فرع المعلومات في مقرّ المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي اللبنانية، يقبع هنيبعل القذافي، الابن الخامس للقذافي من زوجته صفية، بعدما قامت مجموعة، محسوبة على رجل الدين الشيعي البارز موسى الصدر، باختطافه بعد استدراجه من سوريا التي كان لاجئًا فيه، كي يصدر بعد ذلك أمر اعتقاله من قبل المدعي العام في لبنان منذ عام 2015 .
ويبدو أن صدور قرار الاعتقال مرتبط بدور لهنيبعل، الذي كان يتولى مسؤولية الدفاع عن غريان، جنوب طرابلس خلال الثورة الليبية، في التخطيط لاختطاف رجل الدين الشيعي البارز موسى الصدر أثناء زيارته إلى ليبيا عام 1978 بصحبة شخصين آخرين، والي تُرجح الروايات صدور قرارات إعدام بحقهم من جانب القذافي ونجله.
وتظل الواقعة الأشهر إعلاميًا في مسيرة هنيبعل القذافي، الذي هرب في موكب إلى الجزائر في أغسطس (آب) 2011، تسببه في نشوب أزمة دبلوماسية مع سويسرا بعدما هاجم هو وزوجته اثنين من العاملين بأحد الفنادق السويسرية بالضرب والتعنيف، وهو ما دفع أبيه لاحتجاز رجلي أعمال سويسريين وفرض عقوبات اقتصادية على سويسرا.
وتُشير نتائج التحقيقات المُسربة معه أن هنيبعل لم يُدل بأيّ معلومة جديدة حول مصير الإمام موسى الصدر ورفيقيه، فيما يعتقد قطاع كبير أن احتجاز هنيبعل هي وسيلة من أجل الضغط على شقيقه سيف الإسلام القذافي للإفصاح عن المعلومات التي يحوزها حول واقع اختطاف الإمام الشيعي والأشخاص الذين رافقوه.
الساعدي.. «الكابتن» خارج الملعب
عقب سقوط حُكم القذافي، مُنح الساعدي القذافي، الابن الثالث للقذافي، والرئيس السابق لاتحاد كرة القدم الليبي والقوات الخاصة الليبية، حق اللجوء السياسي في النيجر؛ لتستضيفه واحدة من دور الضيافة التابعة للدولة في نيامي، عاصمة الدولة الساحلية.
الساعدي القذافي
لم تستمر الضيافة طويلًا من جانب الدولة الأفريقية التي لطالما وردت لنظام والده المرتزقة؛ لتُقرر تسليمه للسلطات الليبية في طرابلس، وذلك في مارس (آذار) 2014، ويظل قابعًا في السجون الليبية حتى وقتنا الحالي رغم صدور أحكام براءة في العديد من التُهم التي تم توجيهها إليه، والتي كانت على رأسها قتل بشير الرياني، وهو لاعب كرة قدم سابق ومدرب نادي الاتحاد في طرابلس في 2005 الذي انضم الساعدي إلى صفوفه ليصبح لاعبًا محترفًا.
إلى جانب هذه القضية يُحاكم الساعدي القذافي أيضًا لتورطه المفترض في القمع الدامي للانتفاضة التي أسقطت نظام والده عام 2011، وهي قضية يتم تأجيلها باستمرار، غير أن مصادر ليبية تقول إن التأخر في الإفراج عن نجل القذافي راجع إلى عدم التعرف بعد على تبعية السجن الموقوف فيه من أجل مخاطبة الجهة المسؤولة عنه بشكل رسمي.
لم يكن الساعدي كحال أشقائه الآخرين ممن تستهويهم السلطة؛ فهو لاعب كُرة قدم، لاهث وراء نزواته، وباحث عن الشهرة في ملاعب أوروبا، حتى لو كلفه ذلك أموال ونفط بلاده، التي كان والده يساوم رئيس الوزراء الإيطالي آنذاك سيلفيو بيرلسكوني، مقابل إتاحة فرصة لنجله للعب فى أندية إيطاليا، وهو ما حدث في تجربة توقيعه عام 2003 عقدًا مع نادي بيروجا الإيطالي.
محمد وعائشة.. الأمان مقابل الصمت
هو الابن الأكبر للقذافي من زوجته الأولى فتحية، وقد شغل خلال فترة حُكم والده، منصب رئيس اللجنة الأولمبية الليبية ورئيس مجلس إدارة الشركة التي تسيطر على شبكات الهاتف والاتصالات في ليبيا؛ والتي تربح منها أموالًا طائلة.
صورة لأبناء القذافي وهم صغار السن
بعد سيطرة الثوار في ليبيا؛ نجح محمد في الفرار هو وزوجة والده الثانية صفية القذافي وشقيقته عائشة إلى الجزائر، وتنتقل إقامتهم إلى فيلا آمنة في مدينة سطاوالي بالقرب من الجزائر العاصمة، ملتزمين بتعليمات السلطات الجزائرية بعدم الإدلاء بأي تصريحات سياسية علنية وعدم التدخل في الشأن الليبي، وسط التزام كامل من الصحف الجزائرية بعدم كتابة أخبار عن نشاطهم الحالي.
وعقب عامٍ ونصف من المكوث في الجزائر، طلبت السلطات منهم مغادرة أراضيها بعد عودة عائشة للأضواء، وأحاديثها الإعلامية؛ لينقل الثلاثة أفراد إلى سلطنة عُمان، التي وافقت على منحهم حق اللجوء على أراضيها لأسباب فسرتها «بالإنسانية». وذكرت صحيفة الشيبة العُمانية نقلًا عن مصادر ليبية لم تكشف هويتها أنه يمنع عليهم «أي نشاط سياسي أو إعلامي» داخل عمان، بناء على التزام مُسبق بينهم وبين السلطات العُمانية.
وقد انعكس هذا الاتفاق على انقطاع الأخبار عن النجل الأكبر للقذافي، وأنشطته الحالية، سواء كانت في مجال الاستثمار بقطاع الاتصالات الذي عمل فيه من قبل، أو صلاته مع أشقائه، وكذلك الحال نفسه على والدته وشقيقته. بينما ظل محمد وشقيقته في عُمان، وسط انقطاع لكافة أخبارهم، انتقلت والدتهم إلى مصر، منذ عام 2014، واستقرت فيها حتى الآن، وبررت مصادر مُقربة منها انتقالهم إلى مصر برغبتها في أن تكون قريبة من ليبيا وأهلها في الجبل الأخضر.