من المفارقات العجيبة عند بعض مثقفينا، طبعا تعاريف الثقافة واسعة فضفاضة، تشمل أحيانا حتى التهريج والخبرة بفنون الطعام، قلت من المفارقات العجيبة عندهم أن انطباع أي منهم وتقييمه لأي وضعية يتعلق بالضرورة باستفادته الشخصية منها.
فتجد واحدا منهم يطلق الأحكام جزافا، راسما صورة وردية لواقع قاتم؛ إذا كان هو جزء منه، والعكس بالعكس.
لم أكن أظن أن الدبلوماسي السعد ولد عبد الله ولد بيه من تلك الجماعة من المثقفين، ولكن تصريحا له في ما قيل إنه محاضرة في أحد المنتديات الشبابية؛ ربما يدفعني لإعادة التصنيف.
لقد قال السعد في ما نقل عنه موقع إخباري موريتاني، إن “موريتانيا تعيش في ظل ديمقراطية غير كاملة”.
من أساسيات الديمقراطية وجود المحددات التالية:
ـ وجود رئيس منتخبـ وجود واستقلال مجلس دستوري أو محكمة دستورية عليا، يراقب دستورية القوانين الصادرة عن الرئيس والمقترحة من طرف البرلمان، وترجع إليه الحكومة والبرلمان في حالة الخلاف على قانون من القوانين المدنية، وقد يقوم رئيس الجمهورية باستشارته أيضا في بعض الموضوعات.
ـ استقلالية القضاء، وان يكون الجميع أمام القانون سواء، من الوزير إلى المواطن العادي.
ـ استقلالية الصحافة، وتعددية وسائل الإعلام حتى لا تسيطر جهة على اعلام الجمهور.
ـ يتشكل البرلمان من أعضاء تم انتخابهم من طرف الشعب، عددهم يحدده الدستور، ويحدد عددا منهم لكل دائرة انتخابية لتمثيل الدولة بكاملها، على ان يكون عدد أعضاء البرلمان بحسب أغلبية الأصوات التي حصل الحزب عليها.
ـ يقوم البرلمان أو الحكومة بصياغة القوانين الجديدة ويقترع عليها في البرلمان.
ـ تذاع جلسات البرلمان في التلفزيون والإذاعة ليطلع المواطنون على ما يجري فيه طالما لا تخص مواضيع أمن البلاد، ويمكن لأعضاء البرلمان استدعاء جلسة خاصة لمسائلة أي وزير.
ـ وجود أحزاب سياسية تقوم بإقناع الجمهور ببرامجها، وبحسب أغلبية أعضاء الحزب في البرلمان يمكن تكوين الحكومة من أعضاء البرلمان.
والآن، وفي ضوء هذه المرتكزات البسيطة لنبحث عن ما ينقص ديمقراطية موريتانيا.
ـ عندنا رئيس منتخب، يزاول أنشطته طبقا للدستور، ويرسم ملامح السياسة العامة ويسهر على تطبيقها.
ـ عندنا مجلس دستوري يراقب دستورية القانون، يتمتع بكامل الاستقلالية التي يتطلبها عمله.
ـ القضاء في موريتانيا مستقل تبعا لمبدأ فصل السلطات.ـ البرلمان يقوم بعمله، ويسائل الوزراء يوميا، وجلساته تبث في الإذاعة والتلفزيون.
ـ الصحافة في موريتانيا تتمتع بحرية منقطعة النظير، وهو ما أهل البلاد لتصدر إفريقيا والعالم العربي في حرية الصحافة للعام الخامس على التوالي.
والواقع؛ الذي يتجاهله السعد، هو أن موريتانيا بفضل رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز أصبحت رقما صعبا بفعل مناخ ديمقراطي مثالي، ووضع اقتصادي واعد.
ولم تكتف بهذا، والسعد الدبلوماسي أدرى بمكانة موريتانيا العالمية التي انتزعتها حنكة ورجاحة عقل الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
فمَن مِن بين حكام موريتانيا تشجع ليعلن استضافته للقمة العربية، ويجعل نواكشوط عاصمة العرب، غير ولد عبد العزيز؟.
ومن منهم رفع سقف التحدي وقرر استضافة القمة الإفريقية، التي سنحتضنها بحول الله هذه السنة؟.
أيادي الرئيس محمد ولد عبد العزيز البيضاء آست جراح الجيران شرقا وغريا، ولم تنس أي قضية عادلة.
وساطات موريتانيا ـ عزيز أصلحت أهل مالي وغامبيا وبوركينا فاسو وكوت ديفوار، وأخرجتهم من نيران المعارك إلى جنان السلام.
وفلسطين الأبية لم ينتكر لها لحظة، رغم أنه وجد علاقات موروثة مع الكيان الصهيوني، لكن الرجل المؤمن بالله وبموريتانيا؛ قرر غسل العار وطرد سفارة الغاصبين عن بلاد شنقيط.
حتى مسلمو ميانمار البعيدون هناك في شرق آسيا سكنت مأساتهم دماغ رجل كبير، يبحث عن الخير والسلم والأمن للجميع.
هذه بعض ملامح موريتانيا الحالية؛ ذات الديمقراطية الكاملة، المتصالحة مع ذاتها، والواثقة من نفسها، والمنطلقة من تطلعات شعبها، وقد ركزنا على البعد الدبلوماسي لكون السعد كان من أهل مكة.