لم يعد ثمة شك في أن سقوط حكم آل سعود، وهي واحدة من أكثر السلالات الملكية فسادًا وانحلالًا في تاريخ البشرية، سيساعد في حل الأزمة التي تطبق حاليًّا على عنق الإسلام السني.
قال كاتب بريطاني بارز إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أنهى ما سماه «توازنًا للقوى في داخل البيت السعودي تم الحفاظ عليه بعناية على مدى عقود»، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أنه «يريد أن يكون المصدر الوحيد للسلطة وللنفوذ والمحسوبية داخل المملكة».
وفي مقال له بموقع «ميدل إيست آي» البريطاني – ترجمته «عربي21» – قال الصحفي المخضرم «بيتر أوبورن» إن ابن سلمان «لن يبقى طويلًا في الحكم؛ لأنه سيسقط تحت وطأة انقلاب يُدبّر داخل القصر»، مشبهًا نهايته بأنها ستكون كنهاية شاه إيران محمد بهلوي.
نص المقال كاملًا:
قبل 40 عامًا، بثت قناة التلفزيون المستقلة في بريطانيا ITV فيلمًا مثيرًا للجدل اسمه «موت أميرة»، الأمر الذي نجم عنه خلق أزمة دبلوماسية عميقة بين بريطانيا والمملكة العربية السعودية. حكى الفيلم قصَّة كيف قُبض على أميرة سعودية اسمها مشاعل وعشيقها خالد، الشاعر المهلهل، بينما كانا يحاولان الهرب من البلد، ثم كيف نُفِّذ فيهما حكم الإعدام بتهمة الزنا.
فيلمٌ مدمِّر
بعد بثّ تلك القصة المأساوية كادت العلاقات الدبلوماسية بين بريطانيا والمملكة العربية السعودية تصل حد القطيعة، حيث طلب من السفير البريطاني حينذاك، جيمز كريغ، مغادرة البلاد وحظرت المملكة العربية السعودية على شركة الطيران البريطانية التحليق في أجوائها.
إلا أن الأسابيع الثلاثة الماضية شهدت بثّ فيلم أشد تدميرًا حول المملكة العربية السعودية. اعتمد الفيلم على بحثٍ جيِّد وأُنتج بعنايةٍ فائقة، ورغم أنه لم يقدِّم من المعلومات الجديدة إلا القليل نسبيًّا، إلا أنه بالتراكم كان له من الأثر ما هو شديد الوطأة على المملكة العربية السعودية وخاصةً بما أثاره من أسئلةٍ تستحقُّ التوقف عندها حول محمد بن سلمان، ولي العهد والزعيم الجديد النشط للبلاد.
والعجيب في الأمر أن الفيلم بُثَّ في قناة التلفزيون الثانية التابعة لـ«بي بي سي»، تلك المؤسسة الإعلامية التي تُتهم في بعض الأوقات بأنها تابعة للدولة البريطانية وموجهة من قبل حكومتها. إلا أن البرنامج لم يكن كذلك بتاتًا. حيث ركز الجزء الأول منه على تمويل المملكة العربية السعودية ودعمها للإرهاب الدولي من البوسنة إلى أفغانستان ومؤخرًا في سوريا.
لم يسبق لي أن اطلعت على تقريرٍ يضاهي في تفصيلاته ما اشتمل عليه هذا الفيلم من معلوماتٍ مفصَّلة حول ضلوع الحكومة السعودية في شراء الأسلحة من بلغاريا، وشحنها إلى المجموعات المقاتلة داخل سوريا. يوثِّق البرنامج للمستوى المهول من التمويل السعودي الوارد من القطاعين العام والخاص لتسليح مختلف الجماعات الإسلامية في سوريا من جيش الإسلام إلى أحرار الشام.
أما الجزء الثاني من الفيلم فيركز على الفساد المستشري في علاقات العائلة الحاكمة في السعودية مع الدول الغربية وشركات تصنيع وتوريد الأسلحة فيها. ويسلط الضوء على العمولات الضخمة التي تدفعها الشركات الغربية لأفراد العائلة السعودية الحاكمة لتسهيل الفوز بالمناقصات والعقود التجارية، على الرغم من أن كلمة «العمولات» ليست الوصف الصحيح لهذه الدفعات.
تستخدم العقود الغربية الأموال السعودية لدفع العمولات للوسطاء، وقد تتجاوز نسبة هذه العمولات 50% من قيمة العقد. ويبين الفيلم أن المشكلة ما فتئت تتفاقم بشكلٍ مضطرد مع مرور الزمن. ويكشف الجزء الثالث والأخير النقاب عما تمارسه النخبة السعودية الحاكمة من نفاقٍ وما تنتهكه من قوانين، فيما يتعلق بقضايا الجنس والجندر وحقوق الإنسان وغير ذلك من الأمور.
لا شكاوى!
لم نشهد بعد عرض هذا الفيلم لا أصداء ولا شكاوى كتلك التي تبعت عرض فيلم «موت أميرة»، وهذا سلوكٌ حصيف من وجهة النظر السعودية، حيث إن الفيلم يسلِّط الضوء على القضايا الكبيرة التي تهدد وجود وبقاء المملكة العربية السعودية على المدى المتوسط، ولو كنت في موقع محمد بن سلمان لرغبت في أن يحظى الفيلم بأقلّ قدرٍ ممكن من الاهتمام.
يشير الفيلم إلى أن الجيل الأوَّل من القادة السعوديين، وبشكلٍ خاص الملك فيصل، لم يكونوا فاسدين، وأن الفساد المالي والجنسي نما، فيما يبدو، بشكلٍ تصاعديّ مع مرور الوقت بينما كانت البلاد تشهد تحوُّل الشعب البدوي الجسور إلى شعبٍ منحل من المتغربين الغارقين في اللهو والمجون، وكل ذلك خلال جيلين أو ثلاثة أجيال على الأكثر.
وها قد جاء الآن محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، الذي ما لبث يتصرف بطريقة لم يسبقه إليها حاكم سعودي من قبل، والمنهمك في عملية الاستحواذ على السلطة المطلقة داخل المملكة العربية السعودية، بما في ذلك الاستيلاء على ممتلكات العديد من الأثرياء السعوديين.
جاء محمد بن سلمان لينهي توازنًا للقوى في داخل البيت السعودي تم الحفاظ عليه بعناية على مدى عقود. إنه يريد أن يكون المصدر الوحيد للسلطة وللنفوذ والمحسوبية داخل المملكة. وهذا يعني إنهاء الصفقة التي كان جده ابن سعود قد أبرمها مع المؤسسة الدينية الوهابية قبل ما يقرب من مائة عام، وتم بموجبها تقاسم النفوذ بعناية فائقة بين العائلة السعودية الحاكمة والمؤسسة الدينية.
لقد سجن محمد بن سلمان الدعاة الذين ينتسبون إلى الحركة الوهابية وقيد الصلاحيات التي كان يتمتع بها البوليس الديني، وتحدى المعتقدات المحافظة لدى النخبة الدينية من خلال سماحه للنساء بقيادة السيارات وحضور المباريات.
كان يسمح للنخبة الدينية في الماضي بتشجيع الجهاد خارج البلاد ولكن ليس داخلها، أما ابن سلمان فيقول أنه اخترع ما يصفه بالسياسة الخارجية السعودية «المعتدلة»، التي ستكون بزعمه مقبولة لدى حلفائه في الغرب، وبشكل خاص لدى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب. بمعنى آخر، لن تشهد السعودية بعد الآن ما يسمى بالتطرف.
انقلاب داخل القصر؟
إلا أنّ السؤال الذي يحوم حول هذا الفيلم يتعلَّق بكمِّ مما ورد فيه من معلومات مطابقة للواقع. فهل كل ما يفعله محمد بن سلمان، حسبما يقول حلفاؤه، هو محاربة الفساد أم إنه يعكف ببساطة على إيثار نفسه بالغنائم؟ وهل فعلا وضع حدا لاستخدام الجهاد العنيف أداة في السياسة الخارجية؟
من الأهمية بمكان الانتباه إلى أن محمد بن سلمان لم يفعل شيئًا من شأنه أن يضع حدًّا فاصلًا بين العائلة الملكية والدولة. ففي ظل حكمه لا تزال أموال آل سعود هي نفسها أموال الدولة السعودية، والعكس صحيح. لم يأت محمد بن سلمان من الأفعال ما من شأنه أن ينهي هذا الوضع. وإلى أن يفعل شيئًا بهذا الصدد ستظل تعهداته حول التحديث مجرد وعود فارغة.
وهذا يعني أنني لا أعتقد بأن محمد بن سلمان بإمكانه أن يبقى طويلًا، فقد أهان عائلته وأهان النخبة الدينية، وكان اختياره لحلفائه غاية في السوء. فلا رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب ولا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيبقيان طويلًا في الحكم. والأغلب أن محمد بن سلمان سيسقط تحت وطأة انقلاب يُدبّر داخل القصر.
ولكني لا أملك إلا أن أتساءل عما إذا كان مصيره سيكون مختلفًا عن المصير الذي انتهى إليه شاه إيران محمد رضا. باتت الظروف سانحة لانطلاق ثورة إسلامية في المملكة العربية السعودية. فمنذ سنوات طويلة والمملكة العربية السعودية هي مصدر العنف وانعدام الاستقرار في مختلف أرجاء العالم الإسلامي.