جدد الرئيس الفلسطيني «محمود عباس» حديثًا يتمحور حول رفضه لأي سلاح يجاور سلاح السلطة الفلسطينية في مناطق تتولى حكومته فيها مسؤولية الحكم، لكن «تنغيصًا كبيرًا» يتزامن مع تصريحه هذه المرة يخص قطاع غزة الذي يشهد تطورًا غير مسبوق في ملف المصالحة الفلسطينية.
فبعد ساعات من التحرك الكبير الذي بدأ باتجاه المصالحة بين حركتي المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة التحرير الوطني (فتح)، و بعد عشر سنوات من الانقسام الفلسطيني، تحدث عباس بوضوح عن هذا الملف، لكن حماس التي أعلنت حل اللجنة الإدارية في قطاع غزة في الـ17 من الشهر الماضي، ودعت عباس لحكم القطاع، واصلت تأكيدها على أن ملف نزع سلاح المقاومة هو ملف غير مطروح للنقاش، وهو أمر تجمع عليه الفصائل الفلسطينية التي تمتلك أجنحة عسكرية، تتقدمها «كتائب عز الدين القسام» و«سرايا القدس»، الذراعان المسلحان لحركتي حماس والجهاد الإسلامي.
حماس تنازلت عن الحكم.. فماذا عن سلاح المقاومة؟
«سلاح المقاومة خارج كل المعادلات، وإنه لم يطرح يومًا للنقاش، ولن نقبل أن يطرح على طاولة المفاوضات،لا مقايضة ولا مساس بسلاح المقاومة، وسنقاتل الاحتلال بكل وسائل المقاومة حتى دحره»، جزء مما قاله نائب رئيس حركة حماس في قطاع غزة، خليل الحية.
ولذلك يؤكد الكاتب والمحلل السياسي « إبراهيم المدهون» أن ملف سلاح المقاومة غير مطروح على طاولة التفاهمات الأخيرة التي تُجرى بين حماس وفتح بوساطة مصرية، فمن الصعب الحديث عن هذا السلاح الذي يعد قضية تتمتع بالتفاف شعبي وجماهيري بحسبه، كما أن فصائل المقاومة جميعًا ترفض الحديث عن التنازل عن هذا السلاح، مستدركًا لـ«ساسة بوست»: «لكن يمكن التوافق على ضبط هذا السلاح وعدم استخدامه إلا إذا تم اعتداء على الشعب الفلسطيني، فليس معني أن حماس خرجت من الحكم أنها في موقف ضعف، فهي تنازلت عن الحكم من أجل الحفاظ على المقاومة وسلاح المقاومة».
وفيما يتعلق بتصريحات عباس بعدم سماحه بسلاح غير سلاح الشرطة الفلسطينية رد «المدهون» بالقول: «المطالبة بوضع السلاح يتم لإرضاء الاحتلال الإسرائيلي، وعباس ربما يريد الظهور بمظهر أنه يرفض هذا السلاح، لكن عند الاجتماع على الطاولة والحديث بشكل مسؤول رسمي من الصعب الحديث عن ذلك، فملف السلاح هو الأكثر تعقيدًا، ومن يريد أن يعرقل المصالحة سيتحدث عن سلاح المقاومة المجهز فقط عند منصات الاحتكاك مع الاحتلال».
ويشدد «المدهون» على أن حماس الآن خرجت من الحكم وستتنازل بشكل كبير فيما يخص الحكم والحكومة، ولكن هذه التنازلات بغية التفرغ للمقاومة الفلسطينية وبناء القوة، وهي لن تعود للانقسام أو الحكومة ولن تفشل هذه المصالحة، لأنه بحكم الأمر الواقع هناك احتلال وهذا الاحتلال يجب مقاومته، بحسبه.
هل باستطاعة «عباس» وقف المصالحة بشرطه نزع سلاح المقاومة؟
«لو شخص من فتح في الضفة حامل سلاحًا غير السلاح الشرعي، أنا أعتقله، وهذا ما سأعمل عليه في غزة. يجب أن يكون هناك سلاح شرعي واحد … لن أستنتسخ تجربة حزب الله في لبنان»، هذا ما قاله الرئيس الفلسطيني، عباس في حديثه لقناة «سي بي سي» المصرية، وكذلك كانت تصريحات الناطق باسم الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية، عدنان الضميري، الذي قال: «إن الرئيس عباس لن يقبل بسلاح موازٍ للسلطة الشرعية في قطاع غزة، حتى وإن استظل بظل المقاومة».
بعد هذه التصريحات الفلسطينية، خرج شرط نزع السلاح على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لقبول المصالحة الفلسطينية من جانب إسرائيل، فقال في بيان خاص موجهًا الخطاب للفلسطينيين: «اعترفوا بدولة إسرائيل وقوموا بحل الجناح العسكري لحركة حماس، واقطعوا العلاقات مع إيران التي تدعو إلى إبادتنا وما إلى ذلك. هذه الخطوات واضحة جدًا ونقول هذا الكلام بشكل واضح للغاية»، كما قال المحلل العسكري في صحيفة (هآرتس) العبرية، عاموس هرئيل إن: «التخوف في إسرائيل هو أن حماس تسعى إلى تقليد نموذج حزب الله في لبنان، بأن تكون شريكة في الحكومة، لكن قواتها الأمنية تبقى بعيدة عن سيطرة السلطة الفلسطينية».
يعتبر الكاتب الفلسطيني والمحلل السياسي «فايز أبو شمالة» أن موقف عباس من سلاح المقاومة الذي ظهر في الأيام القليلة الماضية ليس جديدًا، ويقول: «سلاح المقاومة شرعي بعدم شرعية الاحتلال، ولا يحق لعباس ولا غيره أن يتحدث عن سلاح المقامة ونزعه، ولا سيما أن سلاح المقاومة يخص جميع الفصائل، ويخص عموم الشعب الفلسطيني»، ويوضح: «عباس مقتنع بأنه لا سلطة له في أي مكان يتواجد فيه سلاح المقاومة، والقضية بالنسبة لعباس قضية مبدأ، فسلا ح المقاومة يعني المواجهة والحرية، وعباس غير مقتنع بالمواجهة».
وفد حكومة عباس تصل لقطاع غزة (أ ف ب)
ويرى «أبو شمالة» في إتيان تصريحات نتنياهو تالية لتصريحات عباس أمرًا «يؤكد أن عباس هو الحريص على أمن إسرائيل أكثر من حرص إسرائيل على نفسها»، ويتابع القول: «لو فرض عباس سلاحًا شرعيًا واحدًا في رام الله، فليفكر في فرض سلاح شرعي واحد في غزة، في رام الله يوجد سلاح الجيش الإسرائيلي الذي يقتحم المدن، وفي رام الله ونابلس يوجد سلاح المستوطنين فهل فكر عباس بنزع سلاحهم»، وفي قراءة للمستقبل القريب، يؤكد «أبو شمالة» على أن عباس ليس باستطاعته وقف المصالحة بشرط نزع سلاح المقاومة، موضحًا لـ«ساسة بوست»: «المصالحة فرضت عليه فرضًا، وقد حاول استفزاز حماس ليلة أمس مع لميس الحديدي، ولكن حماس كانت ذكية ولم ترد، وتركت الشارع يرد عليه»، ويتابع: «المصالحة شأن مصري وضغط مصري ومصلحة مصرية، وحماس من بادر لها، وقدمت وتقدم كل عوامل النجاح»، ولذلك من الممكن فقط أن يتم تسليم سلاح المقاومة في اللحظة التي يوجد فيها جيش وطني قادر على الدفاع عن المواطن، تدمج فيه كل فصائل المقاومة، حسب «أبو شمالة».
حماس خرجت من المأزق وسلاحها لن ينزع!
فيما يتعلق بوضع سلاح المقاومة، لم تتحدث حماس وقادتها عن أكثر من آلية لوضع استراتيجية لتنظيم إدارة هذا السلاح، فقال رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية: «إن حركته مستعدة لوضع استراتيجية مع حركة فتح والفصائل الفلسطينية، لإدارة سلاح وقرار المقاومة»، مضيفًا خلال لقاء مع الإعلامي المصري، عمرو أديب: «مستعدون لوضع آلية واستراتيجية مع حركة فتح وباقي الفصائل الفلسطينية، للاتفاق على كيف ندير سلاح وقرار المقاومة، ومتى نقاوم ومتى نصعد من المقاومة».
لذلك يرى الباحث في مركز «ستا للدراسات» بالقاهرة، مصطفى زهران أن ما قدمته حماس لا يعني تراجعات بقدر ما يعني مراجعات في طبيعة السياسيات التي يجب أن تتعامل بها مع المحيط المحلي خاصة مع سلطة عباس والمحيط الخارجي، ويشدد «زهران» على: «حديث عباس عن رغبته في أن لا يكون للمقاومة سلاح داخل القطاع لا يعني أن حماس ستتخلي عنه، فطبيعة السياق يتطلب هذا النوع من الحديث لإرسال رسالة للخارج أن ثمة تغير قد حدث في المشهد الغزاوي وفي المشهد الفلسطيني، فما يتم الحديث عنه في الواجهة يختلف كثيرًا عن ما يتم عنه الحديث خلف الأبواب المغلقة»، ويتابع القول لـ«ساسة بوست»: «في ظني أن مسألة السلاح هي خط أحمر للسلطة الفلسطينية قبل أن تكون لحماس، لأنه في نهاية المطاف عباس ليس مستعدًا لتحمل التكلفة وحده في مقاومة أي عدوان إسرائيلي قد يتعرض له قطاع غزة مستقبلًا».
مسؤول حركة حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار (فلسطين اليوم)
ويقرأ «زهران» في المرونة الذي أبدتها حماس تجاه المشهد الفلسطيني من جهة والمشهد المتمثل في التعاون والتعامل مع السلطة المصرية من جهة أخرى، تعامل براجماتي تم مع هذه الأوساط من أجل الخروج من مأزق الحصار والوضع الاقتصادي المترهل في القطاع، ومأزق التراجع الكبير في قوى التأثير بالمشهد الإقليمي خاصة بعد ثورات الربيع وأزمة الخليج، معقبًا: «كل ذلك ساهم في أن تلجأ حماس للخروج من هذا المأزق بالتنازل عن الحكم».
هل ستجد مصر مخرجًا لملف سلاح المقاومة؟
تدخلت مصر بشكل مباشر في الخطوات الأولى من نوعها في ملف المصالحة الفلسطينية، فالجهود المصرية أثمرت قبولًا وإلزامًا عند كل من حماس وفتح للتحرك نحو إنجاح المصالحة، ودخل الوفد الأمني المصري إلى غزة للوقوف على كافة تفاصيل الإجراءات التي تمت الآن، وكما يقول محلل الشؤون الفلسطينية في موقع «nrg» الإسرائيلي اليميني «أساف غفور»: «هناك تأثير مصري على تغيير النظرة تجاه حماس في الحلبة الدولية، ودفع اعتراف دولي بالمصالحة وبدولة فلسطينية».
«هنية» يستقبل وزير المخابرات المصري، خالد فوزي (فلسطين اليوم)
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر بقطاع غزة «مخيمر أبو سعدة» أن الجانب المصري هو من سيجد مخرجًا في نهاية الأمر لملف سلاح المقاومة، ويعقب بالقول: «الموضوع ليس بيد عباس ولا بيد حماس، فمصر التي جاءت بوزير مخابراتها إلى غزة، وألقى كلمة باسم السيسي لن تسمح بفشل بنود المصالحة ولن تسمح بالعودة إلى مربع الانقسام، وأنا على يقين بأن مصر ستجد مخرجًا لهذه الأزمة».
ويصف «أبو سعدة» حديث «عباس» حول نزع سلاح المقاومة بـ«غير منطقي»، ويبرر ذلك بوقوع الضفة الغربية وقطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي، فقطاع غزة يتعرض بشكل دائم للحصار وقد يتعرض لأي عدوان إسرائيلي، لذلك الحديث عن مصادرة سلاح المقاومة غير منطقي»، ويتابع القول لـ«ساسة بوست»: «حماس تنازلت عن السلطة مقابل الاحتفاظ بسلاح المقاومة، وقيامها بتسليم سلاح المقاومة غير قابل للتطبيق، وإذا ما أصر عباس على هذه النقطة فسيضع المصالحة في مهب الريح».