من يفك طلاسم هذا اللغز؟ / محمد الأمين ولد الفاضل

0
307

هناك سؤال أو لغز حيرني كثيرا، ولم أجد له جوابا قاطعا، هذا السؤال اللغز لا يمكن أن نجيب عليه ب”نعم” ولا أن نجيب عليه ب”لا”، إنه سؤال في غاية البساطة وفي غاية التعقيد أيضا، ويذكر بسؤال قديم جاء في ثنايا قصة تروى عن الإمام أبي حنيفة وتلميذه القاضي أبي يوسف.

تقول القصة بأن أبا يوسف وهو من أذكى تلاميذ الإمام أبي حنيفة أصيب بمرض شديد، فزاره أبو حنيفة رفقة بعض تلاميذه، وفي طريق العودة قال الإمام لتلاميذه

 بأن أبا يوسف سيكون له شأن عظيم إن قدِّر له أن ينجو من المرض الخطير الذي ألم به.

شُفي أبو يوسف من مرضه، وأخبره بعض أصدقائه بما قاله عنه الإمام، فما كان منه إلا أن قرر أن يفتح حلقة خاصة به. فوجئ أبو حنيفة بالحلقة الجديدة المجاورة لحلقته، ولما سأل تلاميذه عنها وعن شيخها، أخبروه بأن أبا يوسف قد شفي من مرضه، وبأنه قد قرر أن يفتتح حلقة خاصة به.

ولكي ينبه الإمام تلميذه الذكي على أنه قد استعجل الأمر، وأن وقت التدريس لم يحن بعد، أبرق إليه بسؤال لغز مع أحد التلاميذ جاء فيه أن رجلا أعطى قماشا لخياط ليخيط له ثوبا، ولكن الخياط أنكر وجود القماش، وبعد تفتيش وتهديد اعترف الخياط بوجود الثوب، وكان السؤال هو : هل يعطي صاحب القماش للخياط أجرة خياطة الثوب أم لا؟

ولقد أوصى الإمام تلميذه بأن يقول لأبي يوسف بأنه قد أخطأ مهما كانت إجابته، فإن قال بأن الخياط يستحق أجرا قال له التلميذ الرسول: ومن أين أبحت لخياط سارق الأجرة؟ وإن قال بأن الخياط لا يستحق أجرا، قال له التلميذ الرسول: ومن أعطاك الحق في أن تحرم خياطا من أجر معلوم كان قد حُدد له سلفا إن هو أكمل خياطة الثوب؟

نفذ التلميذ وصية الإمام، وعلم أبو يوسف بأن الإمام قد أراد أن ينبهه على أن وقت التدريس لم يحن بعد، فلم يكن منه إلا أن ترك حلقته، وذهب إلى الإمام وطلب منه ـ وهو جاثيا على ركبتيه ـ بأن يجيبه على السؤال اللغز.

هذا عن سؤال الإمام أبي حنيفة، والذي ستأتيكم الإجابة عليه بعد حين، أما عن السؤال الذي حيرني كثيرا فهو يتعلق بتصنيف المواطن الموريتاني، فهل هذا المواطن هو من أغنى أغنياء العالم أم أنه من أفقر فقراء العالم؟

فإن أجبتم بالقول بأن هذا المواطن من أفقر فقراء العالم فسأقول لكم، وكيف تقولون ذلك، وهذا المواطن يملك بلغة المتوسطات الحسابية : أرضا مساحتها 294 ألف متر مربع، منها 1190 فدان صالح للزراعة ، ويملك 6 رؤوس من الإبل والبقر والغنم، ومن المعادن يملك 428 طنا من الحديد، و7 أونصات من الذهب، و8 أطنان من النحاس، و40 طنا من الفوسفات، و3 أطنان من الفوسفات، و1714 طن من الجبس، وما يزيد على 4 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي حسب الاكتشافات الأخيرة، هذا بالإضافة إلى 674 قدما على واحد من أغنى شواطئ العالم بالسمك . فهل يعقل من بعد ما عددت لكم من ثروات وخيرات أن تقولوا بأن المواطن هو شخص فقير؟

وفي المقابل، فإن أجبتم واعتمادا على نصيب المواطن الموريتاني من ثروة بلاده، بأن هذا المواطن من أغنى أغنياء العالم، فسأقول لكم كيف تقولون ذلك، ومتوسط الدخل السنوي لهذا المواطن يعد من أقل المتوسطات عالميا ولا يتجاوز 1296 دولار؟ وكيف تقولون ذلك وهذا المواطن ينتمي لدولة هي الأسفل عربيا على مؤشر التقدم الاجتماعي للعام 2016؟ وكيف تقولون ذلك، وهذا المواطن هو الأكثر فقرا على المستوى العربي والإفريقي، وهو الأكثر أمية حسب المؤشرات؟ وكيف تقولون ذلك وهذا المواطن يعاني من أعلى نسبة بطالة في العالم (31% )؟ وكيف تقولون ذلك وهذا المواطن قد صنفت بلاده في تقرير صادر عن الأمم المتحدة في العالم للعام 2016 بأنها من الدول الفقيرة التي يعيش سكانها حياة خالية من مظاهر الحضارة الحديثة، وهو الشيء الذي أكدته السفيرة “فائقة سعيد الصالح” مساعد الأمين العام للجامعة العربية للشؤون الاجتماعية عندما قالت على هامش زيارة لها لموريتانيا في العام 2014، بأن موريتانيا تعيش حياة بدائية، كالتي كانت تعيشها بعض دول العالم في القرن الثامن عشر! وبالمناسبة فإن عاصمة موريتانيا، ربما تكون هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا يوجد بها صرف صحي في العام2017.

وكيف تقولون ذلك وآخر تقرير للتنافسية العالمية الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي قد صنف موريتانيا في الرتبة الأدنى عالميا من حيث جودة التعليم العالي، وقد جاءت أسفل دول تعاني من حروب أهلية. أما ما قبل التعليم العالي فحدث ولا حرج، ويكفي أن نعلم بأن معدل الرسوب في الباكالوريا قد زاد في العام 2017 على 90%.

المستفز في الأمر أن مصائب المواطن الموريتاني لا تتوقف عند هذا الحد، فهذا المواطن الذي يعيش على أرض غنية بالثروات وقليلة السكان (عدد سكان موريتانيا أقل من عدد سكان الدار البيضاء بالمغرب) يعد من أكثر سكان العالم فقرا وأمية ومن أكثرهم تعرضا للبطالة وتهديدا بالمجاعة، بل أكثر من ذلك، فهذا المواطن الفقير مطالب بأن يسدد لشركاء موريتانيا 1400 دولار (نصف مليون أوقية)، وهذا المبلغ هو ما يمثل نصيب كل مواطن موريتاني من الدين الخارجي الذي زادت نسبته على 100% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك بعد أن اقترب من خمسة مليارات دولار أي ما يعادل 1 تريليون و775 مليار أوقية.

المستفز أكثر أن هذا المواطن الفقير والمثقل كاهله بالديون، ظل خلال عقود من الزمن، يسمع من الأنظمة المتعاقبة ـ نظاما بعد نظام ـ  بأن هناك جهودا جبارة تبذل من أجل تنمية البلاد، وكان يسمع مع كل كلمة يلقيها أي وزير أو أي موظف كبير بأن هناك قفزات نوعية  قد تحققت في ذلك القطاع الذي يتحدث عنه ذلك الوزير أو الموظف الكبير.

وإذا ما اعتبرنا أن أي قفزة لا يمكن أن يقل طولها عن 3م، وإذا ما جمعنا كل القفزات النوعية التي تحققت في مختلف القطاعات منذ استقلال موريتانيا وحتى اليوم، فسنجد في المحصلة النهائية  بأن موريتانيا قد قفزت من إفريقيا إلى قلب أوروبا أو أبعد من ذلك، هذا إن كانت القفزات إلى الأمام، ولكن الكارثة هي أن البلاد كانت تقفز إلى الوراء، مما جعلها تصل اليوم إلى القاع، وإن استمر القفز إلى الوراء، فربما تخرج موريتانيا من كوكب الأرض ليستقر بها المقام في كوكب آخر أكثر تخلفا.

وبالعودة إلى سؤال أبي حنيفة، فإن الجواب الصحيح يقول بأن صاحب الثوب يعطي الأجرة للخياط إن كان الخياط قد فصَّل الثوب على مقاس صاحب الثوب، مما يعني بأنه لم يفكر في سرقة الثوب إلا بعد أن أكمل خياطته. أما إذا كان الثوب قد فُصَل على مقاس الخياط فلا أجرة للخياط الذي كان قد نوى سرقة الثوب من قبل البدء في خياطته.

لا تختلف الأنظمة التي تعاقبت على الحكم في موريتانيا منذ أول انقلاب عسكري وحتى اليوم، عن الخياط السارق، فهي قد فصلت سياساتها التنموية على مقاسها هي، وعلى مصالحها هي، لا على مقاس  ومصالح الشعب الموريتاني والدولة الموريتانية، ولذلك فقد ازداد الشعب فقرا، وازدادت هي غني، وسيظل الحال يسير في هذا الاتجاه، وسيبقى السؤال مطروحا عن تصنيف المواطن الموريتاني، فهل هو من أغنى الأغنياء أم أنه من أفقر الفقراء؟ سيظل السؤال مطروحا  إلى أن يقدر الله لهذه البلاد نظاما صالحا يفصل سياساته التنموية على مقاس الشعب، لا على مقاس مصالح الحاكم ودائرته الضيقة.

المصدر