بعد فترة جمود طويلة في المواقع العليا من هرم السلطة، سواء تعلق الأمر بالحكومة أو غيرها من المواقع السامية، تستعد موريتانيا لتستقبل مع نهاية السنة أو في بداية العام الجديد تغييرات “عميقة وواسعة من شأنها أن تمهد الطريق لتفاهمات غير تقليدية مما يسمح بالقيام بإصلاحات جديدة تؤسس لمرحلة ما بعد 2019″، بحسب ما توقعت مصادر متابعة للشأن السلطوي.
فبعد أن اجتازت البلاد بكثير من الصعوبات “أطول سنة وأكثرها ضبابية، أي سنة 2016، أصبح لزاما عليها مواجهة مستقبلها بوضوح رؤية أكبر لوقف حالة التدهور الملاحظة على أكثر من صعيد” تضيف نفس المصادر، مشيرة إلى أن تلك الضبابية ترجع بالأساس إلى حالة الارتباك الناجمة عن الاثارة المبكرة لمسألة المأمورية الثالثة وما تسببت فيه من ردود أفعال غير محسوبة ومن تداعيات داخل قطب الموالاة.
وضمن هذا الاطار يمكن تلخيص أبرز ملامح المرحلة المقبلة في: التراجع عن الاستفتاء الدستوري، بلورة سياسات جديدة يسند تنفيذها لوجوه جديدة، محاولة تقوية الجبهة الداخلية، تصعيد الحرب على الفساد، كل ذلك ضمن رؤية تأخذ في الحسبان السياق الدولي المطبوع بانتخاب ترامب في أمريكا وبصعود اليمين الأوربي وعلى الخصوص في فرنسا، بالإضافة إلى ما يطبع الأوضاع الاقليمية من عدم استقرار وخطورة ولتنامي المقاومة للدور الموريتاني في شبه الاقليم، بالإضافة طبعا إلى ارتدادات الازمة الاقتصادية العالمية والتوقعات المتشائمة بانعكاساتها القاسية المتوقعة على الاقتصاد الوطني خلال سنة 2017.
نفس المصادر أوضحت أن عملية “إدارة الأزمة” خلال السنوات الماضية، لم تؤد لأكثر من تفاقمها واتساع مداها، مما يجعل من الحيوي بالنسبة للبلاد وللنظام القيام بتغييرات ليس من شأنها فقط طمأنة الموالاة والشرائح المحايدة من المجتمع السياسي، بل أكثر من ذلك محاولة استعادة ثقة المعارضة الديمقراطية والشركاء الرئيسيين للبلاد الذين بدأوا في إخراج مخالبهم على أكثر من جبهة ليس من أهونها شأنا إطلاق فكرة موجة ثانية من الربيع العربي تبدأ من هنا.
وتوقعت المصادر أن تعكس التغييرات القادمة قناعة الممسكين الفعليين بدواليب السلطة بخطورة الوضع الحالي وضرورة الشروع في التصدي له وهو ما بدأت تتكشف خطوطه العريضة في كلمة الرئيس عزيز خلال لقائه ببعض الشيوخ نهاية الأسبوع المنصرم وما تضمنته كلمته أمامهم من أفكار جديدة قد تكون البلاغ الرسمي الاول عن المرحلة الجديدة.
ولاحظت المصادر أن بعض كبار المسؤولين المدركين لطبيعة التغييرات التي يجري التخطيط لها منذ فترة، قد انقسموا بين من حسم أمره وقرر تعظيم مكاسبه من الوضع القائم لأقصى حدود ممكنة وذلك بالتوازي مع رعاية عدد من المناورات التي تستهدف الحفاظ عليه كجزء من المرحلة القادمة، فيما يعيش القسم الثاني حالة من التردد وهو يوازن بين فوائد وأضرار الاستقالة من منصبه احتجاجا على القيود المفروضة عليه في أداء المهام المسندة له، أو الانتظار وإعطاء الانطباع بالاستمرار في مشاغل التسيير اليومي استعدادا لقرار الاقالة.