هل تشهد موريتانيا «انقلابًا دستوريًا» رغم معارضة الشعب والبرلمان؟

0
348

وسط أجواء محتقنة ودعايات مثيرة للجدل، استُعملت فيها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وكلّ ما من شأنه الترويج للتعديلات الدستورية الجديدة، تنتهي الحملات الدعائية للاستفتاء الشعبي الموريتاني المقرر إجراؤه يوم السبت المقبل.

وفيما تشارك أحزاب الموالية للحكومة في الاستفتاء، قرّر حزب «اللقاء الديمقراطي» بزعامة وزير العدل الأسبق ونقيب المحامين السابق «محفوظ ولد بتاح» أبرز القوى المعارضة في البلاد المشاركة في الاستفتاء، وأكد أهمية مشاركته في إسقاط التعديلات، كما يكثف نشاطاته بدعوة الناخبين للتصويت بلا في هذا الاستفتاء، في حين تكثف أحزاب المنتدى المعارض دعوتها لمقاطعة الاستفتاء الدستوري وذلك من خلال تنظيم مسيرات يومية في العاصمة نواكشوط.

ولد عبد العزيز يختار شهر «الانقلاب» موعدًا للاستفتاء على الدستور

حرص الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز من خلال المهرجانات الخطابية المسايرة للحملة الدعائية للدستور الجديد على استحضار «رمزية» شهر أغسطس (آب) الذي يعتبر شهر الانقلابات في موريتانيا.

فبعد الدور الذي لعبه في الإطاحة بولد الطايع وذلك بالانقلاب عليه في الثالث من أغسطس (آب) 2005، ثم قيادتهشخصيًّا الانقلاب على الرئيس المدني المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في السادس من أغسطس (آب) عام 2008، وتنصيبه رئيسًا لموريتانيا في الخامس من أغسطس (آب) عام 200، تم تنصيبه مجددًا رئيسًا للبلاد لعهدة ثانية في الثاني من الشهر نفسه عام 2014، والآن يختار ولد عبد العزيز شهر أغسطس مرة أخرى ليكون محطة في مسيرته إذ أعلنه موعدًا للاستفتاء على التعديلات الدستورية التي رأى شريحة كبيرة من الموريتانيين أنّها انقلاب جديد على شكل استفتاء.

واللافت أن الاستفتاء على التعديلات الدستورية تأجل ثلاث مرات من قبل، إلّا أن عمليات التأجيل هذه توقفت، وحطت رحال الاستفتاء عند موعد نهائي، يذكرنا بمحطات سياسية ساخنة في مسيرة ولد عبد العزيز.

استفتاء في ظلّ أجواء سياسية محتقنة

أعلنت غالبية أحزاب المعارضة المنضوية تحت لواء «المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة» و«حزب تكتل القوى الديمقراطية» المعارض مقاطعة الاستفتاء الدستوري الذي صادق مجلس الوزراء على تنظيمه يوم السبت المقبل، وذلك عقب جلسات حوارٍ سياسيّ نُظّم نهاية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وهي الجلسات التي وصفها النظام الحاكم بالمساعي الحثيثة لإدخال معارضيه في حوار سياسي يراه كفيلًا بتجاوز الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد منذ الانقلاب الذي أطاح بأول رئيس موريتاني منتخب عام 2008.

واستمرت جَلساتُ الحوار عشرين يومًا وقاطعتها أغلب أحزاب المعارضة الرئيسية، وانتهت بالتوقيع على بعض الإصلاحات السياسية، على رأسها تعديل الدستور تمهيدًا لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة.

ويتكوّن المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة من عشرة أحزاب معارضة قررت مقاطعة جلسات الحوار الوطني التي دعا إليها النظام خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، والتي تمخض عنها الاستفتاء لتعديل الدستور، وطالبت هذه الأحزاب، بالتصدي لمحاولة فرض الرئيس الاستفتاء على دستور البلاد رغم معارضة البرلمان.

واعتبرت أحزاب المعارضة المنضوية تحت لواء المنتدى الوطني أن أجواء «الاحتقان السياسي» الراهنة بالبلاد، ليست مناسبة اطلاقًا لإجراء أي استفتاء دستوري، وقال رئيس المنتدى الدوري إن الاستفتاء على تعديل الدستور في ظل اختلاف الطيف السياسي، له انعكاسات سلبية على البلد، وبدوره وصف رئيس حزب التكتل المعارض «أحمد ولد داداه» البيئة السياسية في البلد بالمهترئة والسيئة، محملًا نظام الرئيس الحالي «محمد ولد عبد العزيز» المسؤولية عن الوضع السياسي المتوتر في البلاد.

ما الذي يحمله الدستور الجديد؟

يخوض الناخبون في موريتانيا غمار الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي اقتُرحت بعد حوار وطني دعا إليه الرئيس ولد عبد العزيز وقاطعته قوى المعارضة، ومن أبرز التعديلات المطروحة، إلغاء مجلس الشيوخ (الغرفة الأولى من البرلمان)، وإنشاء مجالس جهوية محل مجلس الشيوخ، بحيث تقوم هذه المجالس بمتابعة تنفيذ المشروعات التنموية للسكان في الولايات والمحافظات، بالإضافة إلى إدخال تعديلات تتعلق بعلم موريتانيا ونشيدها الوطني بحيث «يعبر العلم عن تضحيات جيل مقاومة الاستعمار، وكذلك تغيير النشيد الوطني على نحو يجعله أكثر إيحاء برموز البلاد وقيمها».

وينص الدستور الموريتاني الأصلي في المادة 8 منه على أن «العلم الوطني هو علم أخضر يحمل رسم هلال ونجم ذهبيين. ويحدد القانون ختم الدولة والنشيد الوطني».

كما تشمل التعديلات المطروحة توسيع النسبية في الانتخابات العامة، ودمج المجلس الإسلامي الأعلى ومؤسسة وسيط الجمهورية في مجلس واحد، تحت لواء المجلس الأعلى للفتوى والمظالم.

جدير بالذكر أنّ المادة 99 من الدستور الاصلي تنص على أنه «لا يُصادق على مشروع مراجعة الدستور إلا إذا صوّت عليه ثلثا أعضاء الجمعية الوطنية، وثلثا أعضاء مجلس الشيوخ، ليتسنى تقديمه للاستفتاء» علمًا أنّ مجلس الشيوخ رفض التعديلات وتمريرها إلى الاستفتاء بأغلبية ساحقة.

آلاف المتظاهرين في مسيرات احتجاجًا على الاستفتاء الدستوري

خرج آلاف الموريتانيين المعارضين للاستفتاء في مسيرات حاشدة واختتمت مسيرة كانت قد دعا إليها المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة في إطار حملتها لمقاطعة الاستفتاء، بتجمع استنكر فيه المنتدى الاستفتاء معتبرًا اياه «انقلابًا على الدستور»، واتهمت المعارضة الرئيس الموريتاني «محمد ولد عبد العزيز» بـ«الزيغ الخطير إلى مرحلة الاستبداد» حسبما وردفي خطاب الإسلامي جميل ولد منصور زعيم تحالف المعارضة.

وقال ولد منصور في المهرجان الخطابي المصاحب للمسيرة التي خرجت قبل نحو أسبوعين من الاستفتاء: «قدمتم مسبقًا عبر هذه التعبئة الكبيرة نتائج الاستفتاء قبل يوم التصويت»، مؤكدا أنها «رسالة واضحة للنظام ليضع حدًّا لمغامرته غير المجدية».

ونظمت نساء المعارضة الموريتانية مساء اليوم الأربعاء الماضي في العاصمة نواكشوط مسيرة رافضة للتعديلات الدستورية، واستقبلت المسيرة بملتقى طرق مدريد من طرف قادة أحزاب المعارضة المقاطعة للاستفتاء الدستوري، وانتهت بمهرجان شعبي هناك.

وقالت عضو مجلس الشيوخ «المعلومة بنت الميداح» على هامش المسيرة «إن الحراك المناهض للاستفتاء الدستوري مستمر»، وأضافت: «مسيرة اليوم تظهر أن الشعب غاضب وخرج للتعبير عن ذلك»، أما عضو مجلس الشيوخ، «ياي أنضو كوليبالي»، فقال: «نحن هنا للتعبير عن رفضنا ورفض الشعب الموريتاني العبث بالدستور، لن نقبل أن يُعبث بالدستور الموريتاني بهذا الشكل».

لماذا يرفض العديد من الموريتانيين التعديلات الدستورية

رفض مجلس الشيوخ الموريتاني في اجتماعه يوم 17 مارس (آذار) 2017 في جلسة علنية، المشروعَ الذي تقدم به الرئيس محمد ولد عبد العزيز لتعديل الدستور، وجاء رفض مجلس الشيوخ بعد إقرار الجمعية الوطنية التي تمثل الغرفة السفلى للبرلمان الموريتاني هذا المشروع قبل أسبوع من ذلك.
وشكّل هذا الرفض من مجلس الشيوخ الذي يتمتع الرئيس ولد عبد العزيز وحكومته فيه بأغلبية مريحة، حيث يشكل نواب الأغلبية 46 نائبًا من أصل 56 سابقةً في الحياة السياسية بموريتانيا وضربة قوية للرئيس، لكنّ ولد عبد العزيز أصرّ على المضي قدمًا بخطوته في تعديل الدستور، على الرغم من رفض مجلس الشيوخ والمعارضة وقطاع كبير من الشارع له، ليفتعل أزمة جديدة مع المعارضة من أجل إلغاء مجلس الشيوخ وتغيير العلم والنشيد الوطنيين، وهي المواد الأساسية في التعديلات المقترحة.

وعبّرت مختلف شرائح المجتمع المدني في موريتانيا من خلال فعاليات نظمتها المعارضة، عن استغرابها من إصرار الحكومة على تغيير الدستور في هذه المرحلة تحديدًا، التي تعاني فيها البلاد من مشاكل كثيرة على جميع الأصعدة، خاصة أن ميزانية الاستفتاء الشعبي ستكون بالمليارات من الأوقية.

وفي نفس السياق يرى الصحافي والمدوّن الموريتاني «الشيخ محمد المختار دية» في حديثه لـ«ساسة بوست» أن« الاستفتاء يكرس منطق حكم الفرد الواحد، ويعطي الرئيس صلاحيات واسعة، في حين يقلل من الرقابة عليه»، ورأى المتحدث أن «أغلبية الشعب الموريتاني مستاءة من هذه الخطوة، نظرًا لأنها تغطي على مشاكل جمّة تعيشها البلاد».

الرئيس ولد عبد العزيز يتحدى ويحشد للاستفتاء

رافع الرئيس الموريتاني «محمد ولد عبد العزيز» في مهرجان عقده الأربعاء الماضي بمدينة نواذيبو العاصمة الاقتصادية للبلاد، في خضمّ قيادته للحملة الترويج للتصويت بنعم خلال الاستفتاء الدستوري القادم، حيث أكّد ولد عبد العزيز أمام أنصاره أن التعديلات الدستورية مهمة لمستقبل موريتانيا واستقرارها، مبرزًا «أن التعديلات تشمل ملحقين أولهما يتعلق بتعديل المادة 8 من الدستور بإضافة شريطين أحمرين للعلم الوطني تقديرًا للمقاومة الوطنية، والملحق الثاني يتعلق بإلغاء مجلس الشيوخ بفعل تكلفته الباهظة على الميزانية الوطنية؛ حيث كلف الدولة منذ نشأته سنة 1992 أكثر من 16 مليار أوقية».

وقال ولد الرئيس الموريتاني: «سيتم الاستغناء عن مجلس الشيوخ بمجالس جهوية ضمانًا لتنمية محلية متوازنة وانتخاب هيئات تنطلق من خصوصيات الولايات وتحدد أولوياتها وتمارس مهامها إلى جانب السكان وتعيش معهم معاناتهم اليومية وتخاطب الجهات الحكومية من منطلق حاجة السكان».

واستغل ولد عبد العزيز الحملة لمهاجمة معارضي التعديلات متهمًا من يروجون للتصويت بـ«لا» في الاستفتاء، بأنّهم لا يملكون استراتيجية واضحة بخصوص حاضر ومستقبل موريتانيا، وعليه فمن واجب الموريتانيين سد الطريق أمام تلك المعارضة التي لا وجود لها إلا في الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي، وهمها الأول هو الترويج للأكاذيب وزرع الفتنة بين أفراد المجتمع، بحسبه.

اعتقالات بالجملة لمعارضي الاستفتاء

في خضمّ الحملة الترويجية الساخنة للدستور التي تشهدها الساحة الموريتانية، أعلن حزب تكتل القوى الديمقراطية بزعامة «أحمد ولد داداه» أن قوات الأمن الموريتانية في مدينة نواذيبو، قامت باعتقال مجموعة من الشباب المعارضين للاستفتاء، وقامت باقتيادهم إلى جهة مجهولة ولم تعلن حتى الآن عن مكان احتجازهم، وذلك بعدما قاموا باستخدام حقهم الدستوري في التظاهر السلمي للتعبير عن رفضهم للاستفتاء.

وأكد أحمد ولد داداه في بيانه أنه على النظام الموريتاني إطلاق سراح الناشطين فورًا، ومحمّلًا السلطات الأمنية المسؤولية عن سلامة النشطاء المعتقلين، وداعيًا القوى الحية إلى السعي الجاد لفرض احترام القانون، ووقف التعسف في استعمال القوة والسلطة.

من جهة أخرى دخل مجموعة من نواب مجلس الشيوخ داخل مقر هيئتهم في اعتصام مفتوح، منذ ظهر الأربعاء الماضي، إذ أكّد المعتصمون استمرارهم في الاعتصام إلى حين التراجع عن التعديلات التي يصفونها بـ«غير الدستورية»، ويرون أنها «تهدد أمن واستقرار البلاد، وتدخلها في نفق مظلم».

وكانت الشرطة الموريتانية قد أغلقت الطرق المؤدية إلى مجلس الشيوخ وأطبقت حصارها على المبنى، كما منعت أيضًا قادة المعارضة المقاطعة للاستفتاء من الوصول إلى مبنى مجلس الشيوخ لإيصال الغذاء والماء للمعتصمين داخل مقر المجلس.

هذا وقد توافق النظام الموريتاني في موضوع الاستفتاء على الدستور المقترح للتعديل ضمن وثيقة الحوار الوطني الشامل الذي اختتم في شهر سبتمبر( أيلول) الماضي، وساهمت به أحزاب الوئام الوطني، والتحالف الشعبي التقدمي، وحزب الصواب، التي باتت تعرف فيما بعد بـ«أحزاب المعاهدة».

المصدر