هل ستكون 2018.. سنة ساخنة على المغرب العربي ؟!

0
347

تعتبر الفترة الحالية والتي تمتد من شهر سبتمبر (أيلول) وإلى حدود شهر ديسمبر (كانون الثاني)، من أدقّ الفترات التي تمر بها حكومات دول العالم أجمع، باعتبار أنها تُمثّل فترة تقديم ومُناقشة مشاريع قوانين الميزانيات التي سيتم اعتمادها خلال السنة الإدارية المُقبلة.

قوانين الميزانية التي تُمثّل خطّة الحكومة لتعبئة الموارد المالية للدولة من جهة، وآليات صرف هذه الموارد وتوزيعها على الوزارات لتغطية نفقات التّصرّف والأجور والمشاريع المُبرمجة، عادةً ما تتحوّل إلى مادّة الجدل السياسي والاجتماعي الأبرز في هذه الفترة من السّنة، خاصّةً إذا ما تعلّقت ببلد يمر بصعوبات اقتصادية حادّة.

وفي هذا السياق، انطلقت الاستعدادات الساخنة لضبط ونقاش ميزانيات دول المغرب وتونس والجزائر، فرغم اختلاف السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيما بينها، بدأت أغلب المُؤشّرات تُشير لسنة قادمة عنوانها الأبرز التوتر الاجتماعي.

تونس تتجه نحو مزيد من الضغط الجبائي

لم تعرض الحكومة التونسية حتى الآن مشروع قانون الميزانية الذي يفرض عليها الدّستور تقديمه لمجلس نواب الشعب، في أجل لا يتجاوز 15 أكتوبر (تشرين) من كل سنة على العموم، واكتفت بعرض أبرز ملامحه على الأحزاب والمُنظّمات المُوقعة على وثيقة قرطاج.

Embed from Getty Images

اجتماع الرئيس التونسي بالأحزاب والمنظمات الموقعة على وثيقة قرطاج

وبحسب التسريبات؛ فإن حكومة يوسف الشاهد قرّرت، وللسنة الثانية على التوالي، التخلي عن الانتدابات الجديدة في الوظيفة العمومية، بالإضافة إلى عدم تعويض الشغورات الناتجة عن الإحالات على التقاعد، في ميزانية الدولة لسنة 2018.

وتهدف خطة الحكومة للسنة القادمة والسنوات التي تليها إلى التقليص من الأعباء المالية لعشرات الآلاف من الموظفين، عبر تسريح ما لا يقل عن 120 ألف موظف عمومي مع حلول سنة 2020، وفق ما نقلته وكالة تونس إفريقيا للأنباء الحكومية عن مصدر من رئاسة الحكومة.

ويقترح مشروع قانون المالية لسنة 2018، الترفيع في الأداء على القيمة المضافة من 12 إلى 19% أي بزيادة 7 نقاط كاملة، وفق ذات المصدر. ومن المُنتظر أن يتم الترفيع في الرسوم المستوجبة على جولان السيارات الخاصة وذات النفعية بنسبة 25%. وستصل هذه الرسوم مثلًا بالنسبة لبعض السيارات إلى نحو 120- 150 دينارًا.

واحتوى مشروع القانون إحداث رسم إضافي على السفر ليتحول من 60 إلى 80 دينارًا، بالإضافة إلى الترفيع من رسوم الطوابع الجبائية المستوجبة عند تحرير العقود والكتابات ورفع الدعاوى لدى المحاكم، وخاصةً خدمات الهاتف والإنترنت بنسبة 20%.

ولم يستثن إجراء الترفيع ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2018 قطاع التأمين، وتمت الزيادة بنقطة (من 5 إلى 6%) للتأمين على أخطار الملاحة الجوية والبحرية، وبنقطتين (من 10 إلى 12%) فيما يهم الأخطار الأخرى.

ومن الإجراءات الأخرى المقترحة ضمن مشروع قانون المالية، إحداث مساهمة عامة اجتماعية بنسبة 1% على الدخل الخاضع للضريبة. وينتظر أن تشهد سنة 2018 الترفيع في نسبة الخصم من المورد على الأرباح الموزعة بالنسبة للشركات من 5 إلى 10%.

كل النّقاط المذكورة أعلاه تُثبت بوضوح أن الحكومة التونسية ماضية في سياسة تقشف حادّة سمتها الأبرز الضغط الجبائي، الأمر الذي سيثقل كاهل الأفراد والمُؤسّسات، خاصّةً في ظل الوضع الاقتصادي والاجتماعي الحالي.

أولى ردود الفعل صدرت عن عمادة المُحامين على لسان العميد عامر المحرزي الذي قال في لقاء تلفزي، إنّ الحكومة اتخذت إجراءات وصفها بـ «التعسفية» ضمن قانون المالية، ومن شأنها أن تحرم المواطن من حقه في العدالة والتقاضي، مشيرًا إلى أنّ الإجراءات تتمثل أساسًا في الترفيع في الأداء على القيمة المضافة بـ 7 نقاط لتصل إلى 19% في «سابقة على المستوى العالمي»، وعودة العمل بمعلوم النشر الذي تم إلغاؤه منذ سنة 1995، والذي قال إنه يمثل عائقًا أمام تمتع المواطن بحقه في العدالة.

Embed from Getty Images

عميد المحامين يقود تحركًا احتجاجيًّا رفضًا لمشروع قانون ميزانية 2017 (أرشيف)

من جهته؛ رفض الاتحاد العام التونسي للشغل على لسان أمينه العام، نور الدين الطبوبي، تحميل الطبقة العاملة أعباء تدهور المالية العمومية، وقال إن إصلاح الوضع المالي للبلاد يتطلب توسيع قاعدة الأداء الضريبي، ومحاربة التهرب الجبائي، وفق تعبيره.

وأكد الطبوبي، في تصريح إعلامي عقب مشاركته في لقاء رئيس الحكومة بالأحزاب والمنظمات الوطنية الموقعة على وثيقة قرطاج حول مشروع قانون المالية لسنة 2018، رفض المنظمة الشغيلة إقرار زيادة في الأداء على القيمة المضافة، أو الترفيع في أسعار المحروقات لانعكاسها المباشر على أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية.

وقال إنه «من غير المقبول تحميل الطبقة العاملة وضعيفة الدخل»، انعكاسات ما أسماه بـ«سوء التدبير»، مشددًا على وجوب مساهمة المؤسسات الخاصة والمهن الحرة في الجباية، على نحو يضمن العدالة الجبائية بين الجميع.

وحذّر رئيس مركز البحوث الاقتصادية، رضا الشكندالي، من نتائج إقرار الترفيع في الأداء على القيمة المضافة التي يدفعها المستهلك باعتبار انعكاسها المُباشر على الأسعار، وهو ما سيؤدي إلى تعزيز التضخم المالي، خاصةً مع انزلاق قيمة الدينار إلى مستويات دنيا قياسية.

ويرى الشكندالي، في تصريح أدلى به لصحيفة الضمير، أن هذا الترفيع سيزيد من تدهور المقدرة الشرائية للمواطن؛ ما يعني الضغط على الاستهلاك الخاص، المحرك الوحيد المتبقي للاقتصاد التونسي في ظل تعطل عمل باقي المحركات نسبيًّا، وهو ما سيؤدي حتمًا، وفق تقديره، إلى تراجع مُؤشر النمو الاقتصادي الضعيف أصلًا.

ويشير إلى أن تراجع المقدرة الشرائية للمواطن مقابل ضعف الأجور سيدفع الاتحاد العام التونسي للشغل آليًّا إلى المطالبة بالترفيع في هذه الأجور، وهو أحد الخطوط الحمراء التي وضعها صندوق النقد الدولي في إطار تعاونه مع الحكومة التونسية ضمن برنامج الإصلاح الهيكلي للاقتصاد، وهو ما قد ينتهي باحتقان اجتماعي في البلاد.

اقرأ أيضًا: تونس لم تفلس.. القصة الكاملة لوضع الاقتصاد التونسي الآن

الجزائر.. ضريبة على الثروة للمرة الأولى

صادق الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، الأسبوع الماضي، على مشروع قانون الموازنة العامة للبلاد لعام 2018 خلال اجتماع مجلس الوزراء. وبحسب بيان الاجتماع الذي نقلته وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، توقع القانون عجزًا في الموازنة بنحو 20 مليار دولار، بإيرادات عامة تقدر بنحو 65 مليار دولار، ونفقات إجمالية تقدر بنحو 86 مليار دولار، وبنسبة عجز تقدّر بنحو 9% من الناتج الداخلي العام، مقابل عجز فاق 14% في 2016.

وتضمن قانون الموازنة العامة للعام المقبل في الجزائر، اعتماد ضريبة على الثروة لأول مرة في البلاد، دون توفّر تفاصيل حول نسبها وصور تطبيقها حتى الآن. الجزائر التي تعيش منذ أكثر منذ ثلاث سنوات في ظل أزمة اقتصادية من جراء تراجع أسعار النفط، والتي فقدت بحسب بيانات رسمية أكثر من نصف مداخيلها من النقد الأجنبي، ماضية بدورها، شأنها شأن تونس، في اعتماد ميزانية تقشفية أملتها الصعوبات الكبرى التي يمر بها الاقتصاد الجزائري، والذي كان أبرز مُؤشراتهطباعة كميات إضافية من الأوراق النقدية المحلية، لمواجهة العجز في الموازنة، بالرغم من تحذيرات المعارضة والخبراء من التضخم.

اقرأ أيضًا: لماذا لم ينقلب الجيش الجزائري على بوتفليقة رغم عجزه؟ هذه الأسباب تشرح لك!

جريدة «le soir d’algérie» التي نقلت في النصف الأول من شهر سبتمبر (أيلول) أن الوزير الأول أحمد أويحيى، التقى الأمناء العامين للأحزاب المشاركة في الحكومة، لأجل اجتماع تفاهم حول مخطط الحكومة الخاص بتفعيل القانون الجديد للنقد، وأبلغهم أنه لولا إيجاد هذا الحل، ما كان متاحًا تأدية رواتب الموظفين، تسبب ذلك للوزير الأول في حملة غاضبة سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أ وحتى من طرف بعض الشخصيات الجزائرية المعروفة أمثال حفيظ الدّراجي الذي نشر على صفحته على فيس بوك قائلًا:

هذا التسريب دفع أويحيى لطمأنة الجزائريين حول الأجور، وأيضًا لتبرير إجراء طباعة الأوراق النقدية في كلمة ألقاها بمجلس النواب الجزائري خلال جلسات مناقشة مخطط عمل الحكومة:

نقابات العمال الجزائرية اعتبرت أن حديث أويحيى عن ضمان الأجور وتقديمه باعتباره إنجازًا في الوقت الذي يطرحون فيه مطالب أخرى، وينتظرون إجابات حكومية حول قضايا تضرر المقدرة الشرائية وارتفاع الأسعار وقانون العمل، اعتبرت النقابات هذا الكلام من قبيل «التهديد والمُساومة».

واعتبر رئيس نقابة عمال الكهرباء والغاز، رؤوف ملال، أن تصريحات أويحيى كانت متوقعة، وتجنبه الحديث عن وضعية العمال والقدرة الشرائية والأسعار أمر منتظر، معتبرًا بالمقابل أن النقابات المستقلة تقرأ حديثه عن ضمان الدولة لأجور العمال -باعتباره إنجازًا عظيمًا- بمثابة تهديد.

وأقر ملال في تصريح صحافي بأن الاقتصاد الجزائري يعاني أزمة حقيقة غير أنه «من غير المعقول أن يدفع العامل البسيط ثمن إخفاق الحكومة في تسيير وتجاوز هذه الأزمة، ليصبح أقصى ما توفره هذه الحكومة هو الأجرة التي هي من حق العامل»، وفق تعبيره.

وبحسب بعض التحليلات، من المنتظر أن تدخل النقابات المستقلة في تحركات احتجاجية دورية خلال الأيام المقبلة، وذلك بعد عجز وزراء أويحيى عن إيجاد حلول لمشاكل قطاعات عمالية مهمة من بينها قطاع الصحة، والقطاع العمومي، والكهرباء، والغاز، وغيرها.

اقرأ أيضًا: بعد ظهور الرئيس.. الجزائريون في رحلة بحث عن ألف مليار دولار صرفها بوتفليقة

المغرب ومطالبات بزيادة الأجور

بدأ رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، جولة أولى من الحوار الاجتماعي، خلال الاجتماع الذي عقده الاثنين الماضي بالرباط، مع ممثلين عن المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، بالإضافة إلى الاتحاد العام لمقاولات المغرب، بحضور كل من وزير الدولة مصطفى الرميد، ووزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، ووزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد، إضافة إلى وزير التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي محمد حصاد، ووزير التشغيل والإدماج المهني محمد يتيم.

Embed from Getty Images

سعد الدين العثماني خلال جلسة برلمانية

وأكد العثماني خلال كلمته بمناسبة انعقاد الجولة الأولى من الحوار الاجتماعي، أن الحكومة عازمة على تفعيل الحوار الاجتماعي مع المركزيات النقابية ومع ممثلي أرباب العمل، مبرزًا أن الحوار آلية أساسية لتطوير التعاون بين مختلف الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين.

السنوات الخمس الأخيرة، التي قاد خلالها بنكيران الحكومة، مثّلت سنوات قطيعة بين الحكومة من جهة، والنقابات العمالية من جهة أخرى، إذ نجح رئيس الحكومة السابق في تمرير مشروع إصلاح نظام التقاعد في الوظيفة العمومية، ورفع سن التقاعد من 60 إلى 63 سنة، كما رفّع في مُساهمات الدّولة والموظّفين في الصّندوق المغربي للتقاعد لتجاوز عجز الأخير من 10% إلى 14%، في الوقت الذي كانت تطالب فيه النّقابات بزيادة الأجور دون أن تفلح في ذلك.

ورغم إعلان النوايا الذي قام به العثماني، من المنتظر أن يكون الحوار الاجتماعي صاخبًا خلال الفترة القادمة، وهو ما تجلّى في تصريحات بعض القيادات النقابية إثر الاجتماع الذي جمعها برئيس الحكومة المغربي، والذي دام أكثر من ست ساعات، والتي عبّرت عن رفضها للعرض الذي قدمه لها، لينطلق متعثّرًا.

وقال علال بلعربي، عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إن «الحكومة وخلافًا لما أعلنته في الدعوة التي وجهت إلينا، قدمت فقط معطيات عامة حول مشروع قانون المالية، ركزت فيه على الإكراهات المالية التي تقف عائقًا أمام الاستجابة لمطالب الشغيلة، وقالت إنها غير جاهزة لمناقشة ملفاتنا المطلبية».

وأضاف بلعربي في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه تم أيضًا رفض المقترح الحكومي القاضي بالاشتغال باللجان، مُؤكّدا أن هذه التجربة سبق الاشتغال بها في عهد حكومة بنكيران، ولم تكن ناجحة.

يُذكر أنّ أغلب النقابات كانت قد اشترطت منذ إعلان العثماني نيته إدارة هذا الحوار الاجتماعي في شهر سبتمبر (أيلول الماضي) الاستجابة لمطالبها المطروحة، وعلى رأسها الزيادة في الأجور والتعويضات وتحسين الدخل، وتنفيذ ما تبقى من اتفاق 26 أبريل (نيسان) 2011، واحترام الحريات النقابية، ومراجعة الضريبة على الدخل، قبل الدّخول في مُفاوضات اجتماعية جديدة.

المصدر