القدس العربي: انضافت لبراءة الحكومة المغربية من تصريحات الأمين العام لحزب الاستقلال المغربي المعارض، حميد شباط حول مغربية موريتانيا، مكالمة أجراها العاهل المغربي الملك محمد السادس ظهر أمس مع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز ونشرتها وكالة الأنباء الموريتانية الرسمية.
هذه المكالمة بعثت ارتياحاً كبيراً في جميع الأوساط الموريتانية، وكما يقول المثل «رب ضارة نافعة»، فتصريحات حميد شباط مع أنها شكلت صباً للزيت على النار، فقد أخرجت أزمة العلاقات من حالة التوتر الصامت للعلن، حيث اضطرت الحكومة المغربية للتنازل قليلاً والاعتذار للجار الجنوبي الذي أزعجته تصريحات شباط التي أيقظت مطالبة المغرب في موريتانيا المنسية منذ أن تخلى عنها المغرب عام 1969 بعد اعترافه بموريتانيا، مع أن حزب الاستقلال أبقاها حاضرة ضمن خطابه السياسي.
والذي أغضب الموريتانيين أكثر هو أن تصريحات شباط جاءت لتنضاف لحملة «شبه منسقة»، ساهم فيها خلال الأسبوعين الأخيرين، إعلاميون وسياسيون مغاربة عبر وسائل إعلام مغربية عمومية، وانتقدوا خلالها ما سموه «ترامي موريتانيا في أحضان الجزائر على حساب المغرب».
والذي أزعج المغاربة وأخرجهم عن صوابهم في كل هذا، هو اتهام بعض أوساطهم للحكومة الموريتانية بالسماح للرئيس الصحراوي إبراهيم غالي بالتجول في بلدة لكويره على ضفاف الأطلسي في عمق التراب الموريتاني وفي منطقة صحراوية يعتبرها المغرب جزءاً من ترابه، وكذا تغاضيها عن قيام الجيش الصحراوي بنصب آلياته قبالة الجيش المغربي في منطقة الكركارات الحدودية. وحدثت كل هذه التطورات بينما العلاقات الموريتانية المغربية في أوج توترها لأسباب كثيرة، من أبرزها في الوقت الحالي انزعاج موريتانيا لاستضافة خاصة يوفرها المغرب لاثنين من أشرس معارضي الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز هما محمد بوعماتو ومصطفى الشافعي.
ورداً على هذه الاستضافة ولعدم امتثال المغرب لمذكرة التوقيف الدولية التي أصدرتها موريتانيا من قبل، لتوقيف المعارض مصطفى الشافعي، واصلت موريتانيا بعثها لرسائل الامتعاض وعدم الرضا لجارها الشمالي عبر خطوات منها ترك كرسي السفير الموريتاني بالرباط فارغاً منذ سنوات، ومنها كذلك تنشيط للعلاقات مع الجزائر وتسخين لخط العلاقات مع “الجمهورية الصحراوية” المناوئة للمغرب.
وقد اتضح هذا التنشيط المتعمد للعلاقات مع الصحراويين في التعزية الرسمية الموريتانية في وفاة الرئيس الصحراوي التي جمعت بين وصفه بـ»رئيس الدولة» في رسالة التعزية وابتعاث وفد وزاري لحضور مراسم دفنه.
وجاء قرار موريتانيا، استضافة القمة العربية السابعة والعشرين بعد رفض المغرب لاستضافتها «لعدم توفر الظروف الموضوعية للخروج بقرارات تستجيب لتطلعات الشعوب العربية»، ، ليزيد طين التوتر بلة، حيث اعتبر المغاربة هذه الاستضافة إفشالاً ديبلوماسياً وسياسياً للخطوة التي اتخذوها، فأدرجوا الخطوة الموريتانية ضمن خطوات الإزعاج المتعمد التي يقوم بها جيرانهم في الجنوب.
واتضح عبر مسار العلاقات أن جميع الرسائل التي بعثتها موريتانيا لإظهار غضبها قد وصلت لا لتجعل المغاربة يرضخون ويصححون الخلل الذي يزعج جارتهم الجنوبية، بل ليزدادوا هم أيضاً، حسب تقديراتهم، غضباً على غضبهم، وليزداد تبعاً لذلك التوتر الذي يسعى الطرفان مدفوعين بمصالح كل منهما في الآخر، للتحكم فيه حتى لا تفيض الكأس.
هكذا تبدو العلاقات بين موريتانيا والرباط اليوم: فهناك بدون شك توتر كبير تمر به علاقات البلدين، ولهذه التوتر أسبابه الكثيرة هنا وهناك. والمؤسف أنه من الصعب الوصول بهذه العلاقات لمستواها العادي الخالي من التوتر، ما لم تحل قضية الصحراء وينتهي التجاذب بين المغرب والجزائر الذي يشكل عاملاً مستمراً لتأزيم علاقات الرباط ونواكشوط والكابح الأساسي لقيام اتحاد المغرب العربي. فهل ستنهي مهاتفة الملك محمد السادس للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز أمس حالة التوتر وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التفاهم؟
سؤال يصعب الرد عليه ما لم تحدث تطورات أخرى تتجاوز إكراهات الاعتذار عن هفوات حميد شباط، نحو تفاهم حقيقي بين بلدين يحتاج كل منهما للآخر.