حسب الإشكالات السياسية التي قد تطرح لأي نظام في سبيل البقاء يعيش “نظامنا “في كنف إشكالات تتجاوزه كثيرا إلى مصير البلد : موقع استراتيجي مهم وحساس باعتبار رهانات الألفية الثالثة : حدود برية شاسعة تناهز 5000كلم في ظل الإرهاب والتهريب والمخدرات والهجرة السرية ، خريطة من الخيرات والمعادن النفيسة التي أخذت تشع في عالم المال الذهب والغاز،،، الشركات العملاقة التي تنتمي لقوى وبورصات عالمية صعدت أسهمها
بسبب اكتشافاتها في موريتانيا .لقد وضعت شركات عدة أموالها في البلد ضمن استثمارات واعدة بل يسيل لها اللعاب . الدول الكبرى نفسها تملك مصالح استراتيجية وأمنية في البلد . موريتانيا مُقدمة على نشاط ريعي هائل، والبلدان الغربية لا تواجه فيها مضايقة حقيقية بل هي إلى اليوم حديقتها. الدول المحيطة بالبلد تملك مصالح متشابكة بحكم المَوضع أي الجوار الدائم الحدود الجغرافيا والمناخ والتاريخ العلاقات الثقافية والشعبية. وأيضا بتأثيرات الموقع : الأمن والاستقرار والمصالح الاقتصادية، موريتانيا تـَراكم لأربع ثقافات البربر عبر بقايا البرتقاليين والكناريين وحياة ما قبل الإسلام والثقافة الإسلامية واللغة العربية بواسطة المرابطون والثقافة العربية بواسطة بني معقل وبني سُلًيم والثقافة الزنجية من خلال السكان الأصليين وسط وجنوب موريتانيا من الزنوج ، لقد حاولت الدولة الحديثة أن تقتصر ذلك في الثقافة العربية الأفريقية لتلعب دور الواصل جغرافيا كما ثقافيا بين العالمين العربي الإفريقي وهي مقاربة في محلها وسرمدية مهما تم اختزال التاريخ ، إن المصالح التي تملكها السينغال والارتباط مع البلد تضاعف عشرات المرات أكثر قبل عشرين سنة من الآن بالإضافة إلى الماء والمراعي والصيد ، فصار أكثر، من الثقافة والتاريخ إلى الكهرباء و الغاز، والمصالح التي تملكها المغرب تضاعفت في التجارة والحدود والأمن المشترك ومزايا النقل البري .والمصالح مع مالي عبر التنمية والتعايش المديد صارت ثانوية بالنسبة للأمن ، والجوار مع الجزائر الذي ازداد أهمية وحساسية ،وقد توج بفتح معبر حدودي الأمر الذي كان مستحيلا قبل عشر سنوات من الآن . من الواضح إذن أن موريتانيا ملتقى لمصالح متشابكة لأكثر من طرف وأن أي عمل قد يؤدي بالفعل لعدم استقراراها هو موجه لأكثر من طرف إن الشركات والدول التي تراقب الوضع الموريتاني إلى الحد الذي يعتبره النظام تدخلا إنما هو للوقوف إلى جنب مصالحها الاستراتيجية وهي تنظر إلى بلد يوشك أن يتطاير بفعل التسيير الأحادي الذي لا يخضع لأي منطق . إن من يسير البلد هو من يقع على عاتقه التشبث بمقتضيات التاريخ والجغرافيا والموقع وبشكل أكبر الموضع ، فالحافز الكبير في نجاح كلا من بوتن وأردوغان هو استشعار عظمة الأمة ليس في التاريخ فقط لكن في الحاضر لقد ظلا بذلك زعيمين لأمتيهما رغم جهود الغرب لزحزحتهما . إن الأنتماء لهذا الشعب مدعاة للتطلع و الإعتزاز لقد وصلت طلائع هذا الشعب جنوب فرنسا وعبرت 15 دولة إفريقية ليس من أجل المال بل لتوطيد دعائم العدالة وليس بالصواريخ لكن بالعزيمة فقط.
موريتانيا اليوم لا تناقش رهانات التاريخ ولا الجغرافيا إنها تمشي في ضوء مقاربات ورهانات غامضة ولا تحتوي على أي ضمان بالنجاح، بل لكي لا ننسجم في مغالطة النظام لنفسه، بل تغامر من أجل رهانات شخصية. إن العلاقات والرهانات تخضع لمزاج شخصي الأمر الذي جعل البلد لا يتمتع بأي رؤية وجعل علاقاته تسوء بالجوار ولا تأخذ بعين الاعتبار العوامل العديدة الأخرى، وكل الدول تفهم ذلك وتترقب الوضع الموريتاني بحذر. العالم اليوم لا يريد سواء أصحاب المصالح المادية أو الاستراتيجية لا يريدون دولة ثالثة فاشلة في شبه المنطقة، لقد أضحي من الواقع أن ليبيا دولة فاشلة وأن دولة مالي تفقد جزءا كبيرا من أراضيها يقع تحت سيطرة الجماعات المسلحة الذين تقلص وجودهم بفعل عدة جيوش دولية موجودة بصفة دائمة هناك . فيكفي حجم التهديد التقليدي وبؤر عدم الاستقرار القائم في المنطقة (بوكو حرام ، قضية الصحراء وكاساماس والهجرة وتجارة المخدرات والتهريب ).إن العالم لا يقبل بموريتانيا فاشلة لأن شبه المنطقة سينقلب إلى جحيم شاسع ، وربما ما لا يلاحظه النظام أن القلق يساور الجميع وقد تعودت بعض القوى التدخل عند هذه الحد بالذات ، لقد كانت الانقلابات مهما كانت واجهتها المحلية تعني إنقاذ البلد ، ولم يكن الموريتانيون وحدهم هم من يحددون تلك اللحظة ، العالم أيضا كان يراقب ويصدر بعض الإشارات . كان ذلك حينما كانت موريتانيا قليلة الشأن ولاتهم الكثيرين لكن الموقع الجيوبولوتيكي والاكتشافات المعدنية جعلت موريتانيا أكثر أهمية ،ولاتهم أهلها وحدهم .إن من حسن حظنا أنه تمت تجربة الفوضى في دول مهمة من المنطقة وتم الحكم عليها بأنها تجربة فاشلة بعواقب وخيمة ،وبالتالي ليست الخلاص ،ومع ذلك فكل العالم ينتظر الخلاص لموريتانيا ، صحيح أن موريتانيا اليوم ليست دولة تتطور بها العدالة والشفافية ولا تتباطؤ فيها وتيرة التقدم نحو عدم الاستقرار، وتشكو من سوء حكامة ضارب في المزاجية والارتجال ، يمكننا القول بكل ثقة أن بذور الانفجار قد أينعت وأن التوترات الاجتماعية استفحلت وشبت عن الطوق البلد اليوم مثل وضعيته 84 أو 2005 أو أسوأ البلد ليس واثق من خطواته نحو المستقبل أي ليس بخير .لقد تجلت الحاجة للنخب الوطنية وضرورة التخلي عن دور الاستقالة لتواجه حقائق الواقع خاصة تحديد ملامح للمستقبل ، وتعطي هي نفسها إشارة التغيير الذي يخدم المستقبل دون أن تنتظرها من غيرها ، إنه مستقبلنا المشترك وقد حفزنا حاضرنا المر بأن نكون يقظين إزاء مستقبل بلدنا وأجيالنا القادمة .فمازال ولد عبد العزيز يحول دون ذلك ويتشدد أمام إصدار أي تطمينات بأنه يتعاطى مع روح القانون أي أنه لا يريد الإخلال بشروط ومقتضى التناوب كما في الدستور وفي أية دولة ديمقراطية :تحضير انتخابات بشروط نزيهة يرتسم عليها الأمل ، بل إنه يريد أن يحافظ على السلطة في يده مع الحفاظ على كل مآسي تسييره السابق ، الأمر الذي لم يعد منطقيا من حيث الواقع ومن حيث قدرة تحمل البلد نفسه مؤسساته وأشخاصه و لا حتى جيرانه ، فلم يعودوا قادرين على تحمل نفس الأسلوب إلى نهاية المأمورية فالأحرى إنابة جديدة بالوكالة .إن الأحداث الملاحقة تفيد أن اللعبة أخطر مما نتصور ويتم التحضير لها بعيدا عن عدسات وميكروفونات الإعلام …….