ما من شك أن للمثقف دوراً كبيراً في واقع الناس ودنياهم، لأنَّ المثقف الذي جمع من المعلومات قسطاً كبيراً، ينبغي ألاَّ يقتصر على الجمع والاستقصاء والارتشاف والاستقاء للمعلومات فحسب، بل يطمح بأن يكون له دور ريادي في إصلاح الواقع الذي يعايشه..
إن المعرفة التي بحوزتنا هي الوسيط الذي ندرك من خلاله الوجود المادي والمعنوي، والواقع التاريخ والواقع المعيش وهذا الوسيط يتم تطويره عبر الخبرة البشرية. وعبر الكشوف والبحوث المتجددة…
وإن أحد مقاييس التحضر المهمة اليوم يكمن في مدى سيطرة الناس على بيئاتهم الاجتماعية والطبيعية، ومدى قدرتهم على استيعاب سنة التغيير، والتلازم معها. وحركة البحث العلمي في معظم مجالات الحياة تستهدف هذه المسألة على وجه التحديد..
وأول خطوة يجب أن نخطوها، اتجاه مجتمعنا هي فهم واقعه الذي ستؤثر فيه التغيرات المستقبلية وهذا واجب العلماء، قبل المفكرين ،والمؤلفين، قبل الكتاب، والكتاب، قبل المثقفين كل حسب جهده…
والمتأمل في ما ينشر اليوم في وسائل الإعلام الموريتانية المقروءة والمكتوبة والمسموعة يلاحظ انقسام الكتاب إلى فريقين فريق مؤيد للدولة وفريق للمعارضة..
ولا وجد للطابور ثالث يقيم ويكتب ما يشاهد بدون تأثير من الأطراف المتخاصمة…!!
بالنسبة لي شخصيا لم أتبوء قط منصبا في الدولة الموريتانية لا في الحكومات السابقة ولا الحالية وهذا ما وفر لي الحرية اللازمة لأكتب في المواضيع التي أقتنع بها خدمة لهذا الوطن الغالي ولقد مثلت بلدي موريتانيا سابقا في المشرق العربي والخليج والمغرب العربي على حسابي الخاص في مؤتمرات ثقافية وفكرية عربية ودولية:م\دمشق سوريا 2004م,ومؤتمر الدوحة الدولي لحوار الأديان سنة 2011م ومعرض الجزائر الدولي للكتاب سنة2014م على حسابي الخاص ناهيك عن مؤلفاتي المنشورة في كثير من الدول:معرفة الله :دلائل الحقائق القرآنية والكونية ,دين الفطرة:استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة إنسانية…الخ
والآن لنضع هذا الكلام جانبا ولنعرض لبعض الحقائق المهمة؛
لقد اكتسحتنا الحضارة الغربية، في العقود الماضية بوسائطها المختلفة، وأصبحنا نعيش نوعا من الضياع، بدأت تتكشف بوادره في العقد الأخير حيث أن مجتمعنا بدوي يهرب من التفكير سواء بانغماسه في الملذات ، أو تكييفه لهذه العادات الوافدة مع عقله الجمعي فهو في هذه الحالة أشبه بالمريض الذي يشتد عليه وقع المرض وتلوح له النهاية فيتمسك بأهداب الحياة ويقبل بتجربة كل دواء ولو كان مما لا يستسغيه العقل..
وهذا ماترجم على أرضية الواقع خاصة بعد الاستقلال حيث شهدت المدارس الموريتانية اضطرابات وصدامات بين كل من أنصار اللغة العربية والفرنسية، وتعقدّت الأزمة أكثر عام 1968 عندما أصدرت الحكومة الموريتانية قرارا يجعل اللغة العربية لغة رسمية إلى جانب اللغة الفرنسية، وأعلنت الحكومة عزمها على احترام اللغات المحليّة المختلفة، وخصّصت وقتا في الإذاعة المسموعة لتلك اللغات..
كحل وسط بعد تغلغل فرنسا بثقافتها ونمطها التغريبي على الشعب الموريتاني وخلفّها للنزعة العنصرية بين البيظان والسودان حيث نشبت العديد من الصراعات بين أبناء البلد الواحد…
وظلّت موريتانيا تتعرّض للمد والجزر بين أنصار اللغة العربية و أنصار اللغة الفرنسية،
مما شكل قطبين متناقضين مع الفارق الكبير بين أهل الثقافة الفرنسية المتحضرين في نظر العرف الموريتاني وبين أهل الثقافة العربية المتخلفين..
فقد تكونت لدى أبناء هذا المجتمع عقلية مشابهة للعقلية الأوروبية في مفاهيمها وأفكارها ونظرتها إلى الحياة, لأن الباب الوحيد للعلم والتثقيف هو ذالك الذي يفضى إلى هذه الثقافة, التي تلقن في المدارس المنشأة من طرف الحكومات في البلاد العربية ولإسلامية, على نمط المدارس المنشأة في البلاد الأوربية, من ابتدائية وثانوية وعالية. وهذه الثقافة بشكلها الحاضر وجميع ملابساتها أخذت واقتبست من الثقافة الأجنبية, وهى نفسها في الدواوين الحكومية وفى المهن الحرة وفى مجالات الحياة العملية المختلفة…
وهذا ماجعل اللغة العربية تواجه صعوبات جمّة في موريتانيا في وجه فرنسة الإدارة والتعليم، وقد بذلت فرنسا كل الجهود لتشويه الأصالة الموريتانية حتى لا تنتشر اللغة العربية والإسلام في إفريقيا..
ومن رحم هذه الأجواء الثقافية الفرانكفونية نشأت النخبة الموريتانية التي وجدت نفسها صاحبة الحل والعقد في دولة كل سكانهّا من المسلمين، وقد عملت هذه النخبة على
طمس الهويّة العربية والإسلامية…
فعلى سبيل المثال مشروع إصلاح التعليم المفترض الذي يبدوا أنه أصبح واقعا:
من المعروف أن الطالب أكثر ما يشده إلى المواد هو الضارب, فمنذ عقود وضارب التربية الإسلامية هو:2. وقد أصبح في الإصلاح الجديد:0.5. بعد أن أدخلوا مادة التربية المدنية..كمكمل لضارب:1
والسؤال الذي يطرح نفس لماذا أخذوا من ضارب التربية الإسلامية دون غيرها من المواد؟
ولماذا تكون سنة 2009م آخر سنة بالنسبة لباكلوريا العلمية والرياضية الشعبة العربية بالنسبة لتعليم الثانوي؟!
والسنة الأولى والثانية الشعبة العربية بالنسبة لتعليم العالي بكلية العلوم والتقنيات جامعة نواكشوط..؟!
ناهيك عن تهميش اللغة العربية وجعلها لغة ثانية عمليا.. !!
والجواب أن ما نشاهده اليوم من هجوم شرس على الإسلام هو ثمرة هذا الإصلاح وهو مقصود ولم يأت اعتباطا وهذه الهجمة التي كان بطلها التعصب لعرق عن جهل كحادثة حرق كتب المالكية والمقال المسيء أو هو هجوم منظم كما يفعل الآن أنصار الماسونية العالمية والتي بدأت تنخر في عظام هذا المجتمع البدوي الذي أصبح كل همه هو تحصيل المال ليثبت ذاته بطرق مشروعة أو غير مشروعة….
وقد كتبت آنذاك مقالات ودراسات حول هذا الإصلاح المشؤوم تحت عناوين مختلفة: عندما تحكم لفرانكفونية قبضتها.. وموريتانيا بين الغزو التقليدي والغزو الذاتي!! وموريتانيا بين التعصب القبلي والتدخل الماسوني!!
http://aqlame.com/article17387.html
وسلسلة:اللغة العربية بين مكائد أعدائها وانهزام أبنائها..!! نشرت بجامعات كبرى كجامعة أم القرى بالمملكة العربية السعودية أنظر الرابط:
http://uqu.edu.sa/page/ar/150298
ومعاهد متخصصة في السودان وسلطنة عمان…
بالإضافة إلى المواقع الوطنية أنظر الرابط:
http://www.aqlame.com/article27118.html
وسلسلة الملا حدة الجدد بين الجهل والضياع من 40 حلقة
http://www.rimnow.com/a136/4041–1-.html
ولكن لم يستمع إلي احد آنذاك.. فلا حياة لمن تنادي…!!
وبقدرة قادر يأتي قرار الحكومة.. بالمصادقة ، على مشروع قانون يقضي بإعادة تنظيم شهادة الباكالوريا الوطنية بشكل يسمح بتعزيز مكانة التربية الإسلامية المكانة اللائقة بها في النظام التربوي عموما، وفي امتحان كمطب للجميع بعد أن أهملت وغيبت عن قصد طيلة العقود الماضية…
يقضي هذا القانون بزيادة عدد ساعات تدريس التربية الإسلامية في الإعدادية إلى أربع ساعات وبضارب:4 والثانوية ساعتين بضارب:2
وكنت قد ثمنت هذا الانجاز وكتبت عنه مقالا بعنوان:عندما تنتشل الدولة التربية الإسلامية من جديد!!
http://essahraa.net/?q=node/15890
وهو قرار يذكر فيشكر عند جميع أطياف المجتمع الموريتاني. ولكنه لا يخلوا من مخاطر حيث أن الطلاب سيتوجهون من جديد إلى التربية الإسلامية دراسة وبحثا طلبا للنقاط ولكن المناهج التي بين أيدينا ينقصها الكثير من الإضافات والمعلومات فهي نصوصا تعداها مد الثقافة والعلم….ولم يعد بإمكانها مواجهة حضارة حبلى بسلوكيات ومناهج لم يعهدها المجتمع الموريتاني من قبل بوسائل تقليدية.. لم تعد تكفي…!!
وفي حادثة شارل أبدو الفرنسية وقف رئيس الجمهورية أمام الجموع الغفيرة الوافدة إلى الرآسة من المسجد الجامع وقال لهم أنه لن يشارك في أي مسيرة تسيء للإسلام أو الرسول صلى الله عليه وسلم في أي بلد أو تحت أي ظرف مهما كان معلنا أن موريتانيا جمهورية إسلامية وليست دولة علمانية، وهذا موقف للرجل يذكر له فيشكر… خاصة انه الرئيس الدوري للقارة الإفريقية آنذاك وحليف تقليدي لفرنسا..
وهذا ما عجز عنه الكثير من القادة العرب والمسلمين الذين تقبلوا هذه الإساءة على استحياء بل أن البعض شارك في المسيرة المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم…!!
وقد كتبت آنذاك مقالا بعنوان:عندما تسخر فرنسا من نفسها وتدافع موريتانيا عن دينها!!
بعد ذالك وفي حادثة غير مسبوقة يظهر مقالا من داخل المجتمع الموريتاني الذي ظل لمئات السنين يدافع عن الدين الإسلامي وينشره في كل مكان وما حكاية ذالك الشنقيطي الذي جاب مشرق الأرض ومغربها وناور وحاور فطالحة العلماء إلا مثالا على ذالك..
وتأسيسا على هذا الكلام فانه هناك خطة لئيمة محكمة, مفادها : أن دعوة المسلم إلى الكفر تلقى نفورا في المجتمع الإسلامي, ويكاد يكون من المحال إحراز تقدم فيه بإعتناق هذه الدعوة, ولذا ينبغي أن تكون الخطة_ أولا_ تجريد شخص المسلم من الالتزام بالتكاليف, وتحطيم قيم الدين الأساسية في نفسه بدعوى العلمية والتقدم والحرية دون المساس بقضية الإلهية مؤقتا, لأنها ذات حساسية خاصة, وبمرور الزمن, ومع ألف المسلم لهذا التجريد يسهل في نهاية الأمر تحطيم فكرة الإلهية في عقله ووجدانه _ وإذا بقيت افتراضا, فلا ضرر منها, ولا خطر لأنها حينئذ لن تكون سوى بقايا دين, كان موجود ذات يوم بعيد..,
, وهكذا يحكم أعداء الإسلام مخططاتهم, ويديرون لتدمير الدين ومبادئه ابتداء من ابسط السنن والواجبات وانتهاء إلى قضية القضايا : وجود لله ذاته والمساس برسوله صلى الله عليه وسلم…
وحدث أن وجد في العالم العربي والإسلامي امتدادا لهذا الفكر من بني جلدتنا من ينظر إلى تراثنا نظرة ازدراء, وقد أفرغ جهده في نقد التراث.. وتسفيه السلف…
إن الإعلام بات يحتضنا ويؤثر فينا تأثيراً مباشراً ويأخذنا نحو الأهداف التي من أجلها صيغت هذه البرامج، حيث أن برامج الإعلام لها أهداف وخطط تسعى لتحقيقها
وإذا كان لإعلام يمثل سياسة موجهة تستخدم لصالح الدول الكبرى التي تتلاعب في مصير الأمم. فهل يمكننا أن نجارى هذه السياسات ونستخدمها لصالحنا أوعلي الأقل أخذ موقف منها في هذا العالم الجديد…
لذا أصبح لزاما على الكتاب والمؤلفين والفنانين والناشرين والتجار وكل مسموع الكلمة لمن يطمع في شفاعته صلى الله عليه وسلم أن يقودوا حملة نصرة الأقلام لسيد الأنام, ويكتبوا بجميع لغات العالم عن هذا الموضوع الجلل…ا
وكنت دائما من المدافعين عن جنابه صلى الله عليه وسلم طمعا في شفاعته وهذه المرة بمقال بعنوان: حملة الأقلام لنصرة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم.
وما كاتب المقال المسيء إلا مثالا بسيطا من العشرات الذين يعملون في الخفاء. وتمتلئ بكتاباتهم الركيكة مواقع التواصل الاجتماعي…
متخذين من حرية التعبير عنوانا براقا يتسترون ورائه, وحرية الرأي هذه تنكمش وتذوب عند مناقشة قضايا جليلة لها خطرها في اليوم والغد, وتتسع وتتماع عندما تكون غطاء لنيل من الإسلام والمساس بقدسيته!!
” إلى درجة أن مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش” سارة ليا ويتسن قالت : أنه لا يحق لموريتانيا أن تتهم أي شخص بـالزندقة، واعتبرت أن التهمة الموجهة إلى كاتب المقال المسيء تهمة سخيفة مع أن هذه الهيأة أوهيأة أخرى أوربية أو أمريكية لا يمكنها أن تتلفظ بكلمة إساءة في حق إسرائيل أو أن تشكك في محرقة(الهوليكوست)
..!! من كانَ بيتُهُ من زُجاج لا يرمي الناسَ بالحجارة
ولقد تألمت كثيرا وأظلمت الدنيا في وجهي وأنا أنظر إلى تلك الكتابات الركيكة والمقابلات الجريئة التي تمتلئ بها القنوات التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي إلى درجة أنني أصبحت أكتب مقالات بعناوين ملفتة لأتدارك الموقف مثل:هل نحن مسلمون حق؟ وهل أصبح معتقد الموريتانيين الجدد في خطر؟ فالمشاعر جياشة والموقف جلل والمقصود النيل من المقدسات..!! حتى أنني كتبت مقالا يائسا بعنوان: بوادر تشريع المحرمات لن يكون المقال المسيء آخرها!!
وفي هذه الفترات السوداء، البارقة في سوادها يأت إقرار رئيس الجمهورية لتشريع جديد كضوء في نهاية النفق يتم بموجبه إلغاء أحكام المادة 306 من الأمر القانوني رقم 83-162 الصادر بتاريخ 9 يونيو 1963 المتضمن للقانون الجنائي,
وينص مشروع القانون الجديد – على ” كل مسلم ذكرا كان أو أنثى استهزأ أو سب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أو ملائكته أو كتبه أو أحد أنبيائه يقتل و لا يستناب وإن تاب لايسقط عنه الحد”.
كما تنص المادة الجديدة على اعتقال أي شخص أرتد عن الإسلام صراحة أو قال أو فعل ما يقتضى ذلك، أو أنكر معلوما من الدين ضرورة، يحبس ثلاثة أيام ويستتاب أثنائها، فان لم يتب حكم عليه بالقتل كفرا وآل ماله إلى بيت مال المسلمين).
وهذا ما يبن أهمية هذا القرار الجديد لإسكات المتطاولين على الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى الأبد.
لذا نطالب رئيس الجمهورية بالتدخل بتشكيل لجنة مشتركة من جميع التخصصات يعهد إليها بصياغة مناهج التعليم من جديد وتقديمها للطلاب في جميع المراحل التعليمية… وهي اللجنة التي من خلالها يمكن تشخيص واقع التعليم وتقديم توصيات مناسبة لإصلاح المنظومة التعليمية، وإيجاد حلولا لها..كما ستعمد على إلزامية حفظ النشيد والعلم الجديدين والارتباط بهما عضويا كما هو الحال في جميع الدول مما سيشكل فك ارتباط تلقائيا بالقبيلة والتمسك أكثر بالدولة..
فهل يكمل رئيس الجمهورية قراراته باستصدار قانونا جديدا يحدد المناهج ويلزم بالتقيد بالقوانين السابقة حتى تصبح هذه القوانين بقوة استصدار قانون شك بلا رصيد الذي يخافه الجميع.؟!