و لقد كان بِوِدي أن أشارك فى الاستقبال الذي سيخصص لكم فى انواكشوط،لأن مجيئكم إلى موريتانيا “أرض المليون شاعر” يسعد كل واحد منا . و كان بِوِدي أن أخاطب فيكم الرئيس الفيلسوف وعاشق الأدب بأبيات خالدة للشاعر الكبير أحمدو ولد عبد القادر:
“هل كُتب التيه علينا
قدرا أزلا؟
أم أن رحلتنا تنثني
ذات يوم
مظفرة و غانمة
أو بأبيات أخرى للشاعر الكبيرعثمان موسى جاغانا:
“بلادي لؤلؤة مكنونة
كما الأثر فى الرمل
بلادي لؤلؤة مكنونة
كما همس الأمواج”
كم كان بِودي لو كلَّمتكم مباشرة عن بلدي، موريتانيا، عن همومها وجراحاتها ،لكن أيضا عن آمالنا و رؤيتنا لما يجب أن تكون عليه علاقاتنا مع بلد كم الصديق .
لكن، وللأسف، لن تتاح لي الفرصة. إنني أكتب لكم هذه الرسالة من زنزانتي بالسجن المركزي فى انواكشوط، حيث أُعتَقَلُ بشكل تحكُّمي وبدون محاكمة منذ 10 أغسطس 2017.
ومع ذلك سوف أقدم لكم رؤيتنا فى المعارضة والمجتمع المدني للوضع الراهن فى بلادنا وللعلاقات بين بلدينا الصديقين.
السيد الرئيس،
نعلم مدى اهتمامكم بموضوع مجموعة دول الساحل الخمس،وجهودكم فى مكافحة الإرهاب في دول المنطقة،و ندرك تمامًا أن هذا الموضوع سيكون في صميم محادثاتكم مع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز.
لقد بذل بلدكم جهدا كبيرا فى حشد التمويلات الدولية لدعم مجموعة الساحل غير أن هذه المجموعة، وبعد مرور أربع سنوات على إنشائها، لم تفلح فى إقناع المجتمع الدولي بفاعليتها. فعلى الرغم من التدخل الفرنسي القوي ، فإن الهجمات الإرهابية لا تزال تُدمِي دول المنطقة.
إن أسباب عدم فاعلية مجموعة الساحل ليست عصية على الفهم. فالرئيس عزيز الذي هيمن عليها،لم يقتنع أبدا بالمشروع الإقليمي لمحاربة الإرهاب.
واليوم يواصل عناده فى رفض توسيع مجموعة الساحل لتشمل الدول الأخرى المعنية بمكافحة الإرهاب فى المنطقة.
فلا يفاجئكم الخطاب الغامض الذي ستسمعونه فى انواكشوط بشأن الالتزام بمحاربة الارهاب. فمحاربة الارهاب – بالنسبة للرئيس عزيز – ليست سوى ذريعة للحصول على دعم فرنسا لمواصلة قمع المعارضين وتحييد كل صوت مخالف.
إننا نهيب بكم أن لا يُستغَلَّ دعمكم لبلادنا فى إطار محاربة الارهاب لتعزيز النظام الدكتاتوري للرئيس عزيز،فليس إلى هذا الهدف تصرفون ،دون شك،أموال دافع الضرائب الفرنسي.
عليكم أن تعلموا أن الكلام المنمق الذي سيُقدَّمُ إليكم موجَّه فقط للاستهلاك الخارجي،إنه لا يعدو الخطاب المزدوج الذي دأب عليه الرئيس عزيز, فإنكم تذكرون تصريحاته لجريدة الأهرام المصرين بعيد هجمات نيس حين قال ان فرنسا هي التي تسببت في الهجمات الارهابية على أرضها بفعل تدخلاتها السلبية في بلداننا,
فى الوقت الذي يقبع فيه المعارضون السياسيون و مناضلو حقوق الانسان فى السجون، يسرح الارهابيون ويمرحون دون أن يزعجهم النظام. ولا يترددون فى إطلاق فتاوى نارية ضد هذا الزعيم السياسي أو الديني ممن ينبذون الغلو و التطرف.
السيد الرئيس،
إن دولة متسلطة ومرتشية غيرُ قادرة على محاربة الارهاب،وتعلمون أكثر من غيركم أنه لا يمكن فصل محاربة التطرف عن النضال من أجل دولة القانون والحريات الأساسية، فالإرهاب منبته الظلم والقمع.
لهذا فإن الأولوية الممنوحة لمكافحة الارهاب يجب أن لا تغطي الانتهاكات الخطيرة للديمقراطية وحقوق الانسان في موريتانيا.
إن الرئيس عزيز قد داس دستور وقوانين البلد. فبعد مأموريتين تميزتا بالتفرد بالسلطة واستيلاء محيطه على موارد البلد حاول تعديل قوانين اللعبة قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2019 التي يمنعه الدستور من الترشح لها. ولم يثنِه عن تعديل الدستور إلا الضغوطات الداخلية و الدولية .
ومنذئذٍ بدأ حملة شرسة لتقييد الحقوق والحريات هدفها القضاء على أي معارضة لمشروعه بالبقاء فى السلطة.
لقد شطب على مجلس الشيوخ فى استفتاء لا دستوري لأن أعضاء المجلس عارضوا بشدة مبادرته لمراجعة الدستور.
ولم يتردد فى التلاعب بالقضاء للزج بالمعارضين ،وأنا منهم،و دعاة حقوق الانسان ومناوئي العبودية فى سجونه الرهيبة.
ولم يتردد أيضا فى وضع شيوخ وقادة نقابيين ومديري نشر وصحفيين تحت الرقابة القضائية وسحب منهم جوازاتهم ومنعهم من السفر منذ سنة تقريبا.
وحتى الحالة المدنية استخدمها سلاحا ضد المعارضين الذين يرفض تجديد جوازاتهم وجوازات أفراد عائلاتهم،ومنَع وزراءَ خارجية سابقين من حقهم فى جوازات دبلوماسية لأنهم فقط ليسوا على هواه.
ولخنْق الحريات أكثر عمد إلى تكميم الصحافة. اسألوا الصحفيين سيخبرونكم أن التلفزيونات والإذاعات الحرة قد أغلقت وأن الإعلام العمومي مسخر وأن الصحف المستقلة محرومة من التمويل. فى ترتيب منظمة”صحفيون بلا حدود”هبطت موريتانيا من المرتبة 57 إلى المرتبة 72 مسجلة بذلك تراجعا غير مسبوق فى حرية التعبير.
منذ استيلائه على الحكم،ضاعف الرئيس عزيز انتهاكات حقوق الإنسان وبات ظلم نظامه للحراطين والزنوج وكل ضحايا الاقصاء الاجتماعي وَقودا للتفرقة وتهديدا خطيرا للوحدة الوطنية التي يتهددها أيضا إفلاس
المنظومة التربوية. لقد باع النظام ست مدارس عمومية فى انواكشوط بهدف تحويلها إلى مراكز تجارية دون أن يفتح مؤسسات تعليمية جديدة.
فما هو مصير كل هؤلاء الأطفال المنحدرين أساسا من الأوساط المحرومة والذين لفظَهم النظام التعليمي؟
إن الدول الفاشلة فى توفير التعليم لمواطنيها هي دول تُفرخ الارهابيين.
أليس هذا جوهرَ النداء الذي وجهتموه لصالح التعليم فى إفريقيا؟
السيد الرئيس،
إن الرشوة تفسد بلادنا. فتقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2017 حول تَلَقى الرشوة يُحل موريتانيا فى المرتبة 143 عالميا وفى المرتبة 33 على الصعيد الافريقي.
وقد قوَّض سوء التسيير والمحسوبية اقتصاد البلد لصالح الرئيس وحفنة من الاشخاص المحيطين به. فالشركة الوطنية للصناعة والمناجم (سنيم)،وهي رئة الاقتصاد الوطني،باتت على حافة الافلاس،والمليارات التي حصدتها فى ذروة ارتفاع سعر الحديد خلال سنوات 2010 تم تبذيرها فى صفقات مشبوهة وعمولات غامضة،والآلاف من عمال الشركة هم من يدفعون الثمن اليوم.
وقطاع الصيد الحيوي جدا بالنسبة للبلد يخضع لنهب ممنهج للموارد البحرية من طرف شركات آسيوية تستفيد من المحسوبية بالتواطؤ مع أصحاب النفوذ فى النظام.
ويستنزف محيط الرئيس الشركات العمومية التي قرر النظام تصفية بعضها(شركة صيانة الطرق , شركة سونمكس…) لطمس آثار سوء تسييره ضاربا عرض الحائط بمصير عائلات آلاف العمال الذين وجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل.
لقد ترأستُ شخصيا لجنة برلمانية فى مجلس الشيوخ للتحقيق فى صفقات التراضي الممنوحة لمقربين من الرئيس،وكان دوري فى هذه اللجنة السببَ الرئيس فى الزج بي فى السجن دون محاكمة.
و دون شك سأقضي شهر رمضان المكرم فى ظروف اعتقال مزرية،لكن أحوال المواطنين الموريتانيين فى هذه السنة الجدباء العجفاء لن تكون أحسن من حالي فبلدنا العزيز بات سجنا يتسع للجميع.
إن هذه أمثلة فقط على التسيير الكارثي لموارد موريتانيا من طرف الرئيس عزيز،وهو تسيير قاد البلاد فى سنوات قليلة إلى مستوى من المديونية وصل 100 بالمائة من إنتاجها الداخلي الخام.
السيد الرئيس،
إن السياسة الخارجية لبلادنا تتميز بتوتر العلاقات مع جيراننا،فقد ضحَّى الرئيس عزيز بالمصالح الدبلوماسية للبلد مقابل رغبة شخصية فى الانتقام من معارضيه السياسيين.
فلم يتردد فى تجميد اتفاق الصيد مع السنغال لإرغامها على تسليمه مجموعة “أولاد لبلاد ” . كما انتهك قواعد اللباقة وحسن الجوار عندما طلب من المغرب إغلاق بابه أمام المحسن ورجل الأعمال محمد ولد بوعماتو.
وعلاوة على الافلاس الدبلوماسي، فإن سمعة بلادنا قد تلطخت بسبب التصرفات المشينة للرئيس عزيز. أكيد أنكم سمعتم عن فضيحة “غاناغيت”. فقد اعترف الرئيس عزيز على الملأ بأنه شخصيا فاوض مهربا عراقيا مقيما فى أكرا (غانا) بشأن عملية لتبييض ملايين الدولارات المزورة.
وأكيد أيضا أنكم على علم بقضية عبد الله السنوسي التي كشف تفاصيلها مؤخرا رئيس الحكومة الليبية السابق عبد الرحيم الكيب. فبعد استدراجه إلى فخ فى موريتانيا،تم تسليم الرئيس السابق لجهاز مخابرات القذافي من طرف الرئيس عزيز إلى ليبيا مقابل فدية بقيمة 200 مليون دينار ليبي أي ما يقارب 123 مليون يورو.
هذه بعض نماذج الفضائح التي طبعت سنوات حكم الرئيس عزيز.
السيد الرئيس،
إن الرئيس عزيز انقلابي متمرس، وهو يزهو مرارا بأنه عطَّل الدستور مرتين بانقلابين فى عامي 2005 و 2008 وأنه لا يجد أي حرج فى تعطيله مرة أخرى. إنه لن يصير أبدا رجلا ديمقراطيا. .
فلا تغترُّوا بكلام الرئيس عزيز . لقد أقسم أمام الشعب الموريتاني وعلى القرآن الكريم بأن “لن يتخذ أو يدعم بصورة مباشرة أو غير مباشرة أية مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى مراجعة الأحكام الدستورية المتعلقة بمدة مأمورية رئيس الجمهورية وشروط تجديدها”.
وعلى الرغم من هذه اليمين الدستورية،لا يمر يوم دون أن يستحثَّ مبادرات هدفها تمكينه من الترشح لمأمورية ثالثة. وهو يشجع المحرضين على هذه المبادرات ويستقبلهم على مرأى ومسمع من العالم أجمع.
السيد الرئيس،
إننا نخشى الأسوأ فى المستقبل المنظور. فلضمان بقائه فى السلطة،بدأ الرئيس عزيز فى ترتيب عملية تزوير واسعة النطاق فى أفق الانتخابات القادمة التي حدد جدولها وشروط سيرها بشكل أحادي.
ولتعلموا أنه فى غياب مراقبين مستقلين،لن يجد حرجا فى ملأ صناديق الاقتراع بالتواطؤ مع لجنة مستقلة للانتخابات منصاعة للأوامر وإدارة رهن الإشارة وحزب أشبه بالدمية يزعم أن لديه 1100000 “منتسب” فى بلد بلغ فيه العدد الاجمالي للناخبين فى الانتخابات الرئاسية الاخيرة 751163 ناخبا فقط!
إن انتخابات جديدة مغشوشة ستكون القشة التي قصمت ظهر البعير.
فالخروقات المتتالية للدستور،والتصعيد فى قمع المعارضين السياسيين،والتضخم المتفاقم،وبطالة الشباب،والفقر المدقع وتصاعد الجريمة فى المدن تشكل بذور انفجار اجتماعي لن تتوقف آثاره عند موريتانيا بل ستتعداها إلى المنطقة برمتها.
السيد الرئيس،
اسمحوا لي أن أختم بمسألة أعلنتم التزامكم بها و حرصكم عليها، ألا و هي الأخلاق والشفافية فى الحياة العامة.
لقدْ تم يوم 22 مارس 2017 نشر إعلان ممتلكاتكم بصفتكم مرشحا لرئاسة الجمهورية الفرنسية،و تعرَّف كل شخص عليه عبر الصحافة. إنه واجب مدني والتزام قانوني.
لكن، هل تعلمون أن الرئيس عزيز، ومنذ استيلائه على السلطة، لم يحترم قانون الشفافية المالية الذي يفرض عليه التصريح بممتلكاته للعموم؟ وبصفتي برلمانيا، فقد ذكرته بواجبه اتجاه الشفافية فى مسائلة برلمانية مكتوبة وجهتها للوزير الأول آن ذاك السيد مولاي ولد محمد لغظف سنة 2014 لكنها ظلت دون جواب.
وعندما سألته الصحافة حول الموضوع اكتفى بالقول إنه يستند إلى رأي من رئيس المحكمة العليا الذي يدعي أنه سمح له بتجاوز نص قانوني صريح. إن رفض التصريح بالممتلكات ليس الا إقرارا بالثراء غير المشروع.
السيد الرئيس،
أعرف تمسككم بقيم الحرية والكرامة الانسانية.
فهل يمكنكم – باسم الصداقة بين بلديْنا – أن توطدوا فضائل الشفافية فى بلدكم وتتغاضوا عن الرشوة و سوء التسيير فى بلادن؟
هل يمكنكم باسم الصداقة الاحتفاء بحقوق الانسان لديكم و الاستمرار في تجاهل انتهاك الحقوق والحريات فى بلدنا؟
يقول الكاتب الفرنسي آلبير كامي ان “الصداقة ليست محض مجاملة ،إنها واجب المساعدة فى أوقات المحنة”.