الدوحة ـ «القدس العربي»: أكد وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن دولة قطر طالبت بالحوار أكثر من 12 مرة، مشدّداً على أن الحوار ليس غاية في حد ذاته، وليس الهدف الجلوس على طاولة الحوار، بل إن الأهم هو رفع الحصار الجائر وغير القانوني على دولة قطر، والخروج بالتزامات متبادلة ملزمة لكل أطراف الأزمة، وليس إملاءات تفرض على دولة قطر.
واتهم الوزير القطري دول الحصار باتباع نهج رفض الحوار، وعدم الرد على رسالة أمير الكويت ومطالب الدول الداعمة للحوار لإيجاد حلّ للأزمة التي تراوح مكانها بعد قرابة 3 أشهر، مؤكداً أن دولة قطر هي الوحيدة التي ردت على رسالة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، واقتراحات مبعوث وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، مقابل تجاهل دول الحصار لنداءات الحوار.
في المقابل، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف دعم بلاده للوساطة الكويتية لحل الأزمة في إطار مجلس التعاون الخليجي، مؤكدا أن موسكو ليست لديها أي مباردة للوساطة، وترى أن الوساطة الكويتية كافية لحل الأزمة، والمحافظة على وحدة مجلس التعاون، محذّرا من أن المنطقة فيها ما يكفي من أزمات، ولا تحتاج لأزمات جديدة.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي مشترك، في ختام زيارة وزير الخارجية الروسي إلى الدوحة، والمحادثات التي أجراها من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وتلك التي جمعت لافروف بنظيره القطري.
وفي مستهل المؤتمر الصحافي، قال آل ثاني إن محادثاته مع لافروف تطرقت إلى الموقف الروسي الداعي لإنهاء الأزمة الخليجية، والمحافظة على وحدة مجلس التعاون، ودعم الوساطة الكويتية، مشيرا إلى أن «موقف روسيا من الأزمة مرحب به من دولة قطر ونشكر موقف الرئيس الروسي والدولة الروسية الصديقة».
وقال آل ثاني: «اطلعنا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على آخر التطورات حول الأزمة الخليجية، التي استمرت لأكثر من 90 يوماً، ونحن في الوضع نفسه ولم نتحرك. كما وضعنا الوزير في صورة التطورات، وخاصة المبادرة الكويتية ورسائل أمير الكويت لكافة الأطراف، يدعو من خلالها لأن يكون الحوار مباشراً وغير مشروط».
وأضاف: «الدولة الوحيدة التي ردت على رسالة أمير قطر هي قطر بعد أيام معدودة، بينما لم ترد أي دولة من دول الحصار، وهو نهج متبع لديهم، يقوم على تجاهل أي دور للوساطة من طرف الكويت والدول الصديقة، خصوصا بعد زيارة مبعوث الولايات المتحدة وتقديمه مقترحات لم ترد عليها دول الحصار».
واستطرد قائلاً: «هو نهج يبين نواياهم في الرغبة في استمرار الأزمة والحصار، والتذرع بالوساطة الكويتية حينما تشجعها دول صديقة للحوار لوضع حل للأزمة. ودولة قطر تدعم وترحب بأي جهد من شأنه أن يكون هناك خط واضح لحل الأزمة دون شروط».
وشدّد قائلاً: «الهدف ليس الحوار، بل رفع الحصار الجائر غير القانوني، وإيجاد حل للأزمة يضمن سلامة دولة قطر وكافة الدول. وقطر ترحب بأي جهود لدعم الوساطة الكويتية، بما فيها الموقف الروسي. والخروج من الأزمة لن يكون إلا بحوار بناء، يصل إلى تسويات والتزامات على كافة الدول، وليس املاءات فيها خرق لسيادة قطر أو القوانين الدولية».
تعاون في مجال الطاقة والتنسيق لمونديال 2018 و2022
إلى ذلك، أشار الشيخ محمد بن عبد الرحمن إلى أن المحادثات مع نظيره الروسي تطرقت أيضا إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة في مجال الطاقة وزيادة التبادل التجاري والاقتصادي وتعزيز الاستثمارات المشتركة».
وأضاف: تحدثنا أيضا عن التنسيق القائم بشأن احتضان موسكو لمونديال 2018 والدوحة لمونديال 2022، وعامل مشترك بين البلدين، وهناك تعاون وحوار مستمر حول كيفية تنظيم البطولة. ونحن واثقون أن كلا البطولتين ستكون ناجحة في روسيا والدوحة».
وتحدث الوزيران عن السنة الثقافية القطرية الروسية عام 2018، وتطلعهما لاستضافة مزيد من الفعاليات الروسية في قطر وفعاليات قطرية في روسيا، إلى جانب الزيارة السابقة لوزير الدولة لشؤون الدفاع القطري الدكتور خالد العطية إلى روسيا، حيث تم الاتفاق على تعزيز التعاون وتبادل الخبرات في مجال الأمن والدفاع.
وأشار وزير الخارجية القطري إلى استمرار المشاورات السياسية بين البلدين، خاصة القضايا الاقليمية، بدءا من الوضع في فلسطين المحتلة، مشيداً بالجهود الروسية المقدرة من طرف قطر لدعم المصالحة الفلسطينية وتوحيد الفصائل الفلسطينية.
كما ناقش الوزيران عملية السلام في الشرق الاوسط، حيث أكد وزير الخارجية القطري موقف بلاده الداعم للمبادرة العربية، كأس لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والاسراائيليين. إلى جانب مناقشة الاوضاع في ليبيا، وتأكيد دعم قطر لاتفاق الصخيرات ودعم حكومة الوافاق الوطني في ليبيا، مقابل الدعم الروسي للحوار بين جميع الأطراف في ليبيا، على أمل أن يسهم في استقرار ليبيا في أسرع وقت.
وتحدث المسؤولان عن آخر التطورات في العراق، واستكمال المعارك ضد داعش ودعكم حكومة العراق في المناطق التي دمرتها الحرب واعادة الأهالي إليها.
وفي الشأن السوري، قال وزير الخارجية القطري إنه تحدث مع نظيره الروسي مطولا بشأن الأزمة السورية، وما يعانيه جراء الحرب، مثمّنا الجهود الروسية الدولية لتحقيق وقف لإطلاق النار في أسرع وقت، وتنظيم مناطق آمنة ودعم أي جهد من شأنه إعادة الاستقرار في المناطق وخفض التوتر. إلى جانب الخيارات العلمية السياسية للحوار الذي يقوده المبعوث الأممي ديمستورا، وتوحيد المعارضة، لإقامة حوار بين المعارضة والنظام.
وقال آل ثاني إن موقف دولة قطر أساسا داعم لعملية انتقال سياسي في روسيا، وندعم الحوار وفق مبدأ جنيف، بما يضمن وحدة التراب السوري واستقلال الدولة السورية، وأن يكون الحل بتطبيق العدالة للشعب السوري.
لافروف: مهتمون بما يحدث في الخليج
وقال وزير الخارجية الروسي إنه أجرى محادثات محادثات واسعة مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ووزير الخارجية القطري، لافتاً إلى تمسك البلدين بالتعاون في كافة الاتجاهات، في إطار الاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال زيارة أمير قطر إلى موسكو». داعيا نظيره القطري لزيارة موسكو في الوقت الذي يراه مناسباً.
وعن الأزمة الخليجية، قال وزير الخارجية الروسي إنه أمام التصعيد الحاصل، لا بد من حلول على أساس بحث التوافقات بين الجميع، مجدداً دعم موسكو للوساطة الكويتية، وكافة الجهود الدولية الداعم لها.
وقال: نحن معنيون ومهتمون بما يحدث. ولا بدّ أن يكون مجلس التعاون موحدا لايجاد حلول للمنطقة، ولا حاجة لمزيد من المشاكل».
وأضاف ردا على أسئلة أحد الصحافيين، بشأن وجود مبادرة روسية للوساطة، واستثناء السعودية من جولته الخليجية، قائلاً: «نحن لا نمارس الوساطة، بل ندعم الوساطة الكويتية وحل الأزمة في إطار مجلس التعاون. وهناك عدد كافي من المقترحات التي يمكن على أساسها إطلاق الحوار. ومطلع سبتمبر سأزور السعودية والأردن».
وفي الشق الاقتصادي، أشار لافروف إلى أنه تم تجديد طاقم مجلس الأعمال الروسي القطري الروسي لتعزيز التعاون، موازاة مع اتفاق على استمرار التنسيق في مجال الطاقة والغاز، واهتمام متزايد لتطوير الاستثمارات، وتعزيز التبادلات، بما في ذلك التعاون والتنسيق بشأن مونديالي 2018 و2022.
على الجانب الآخر، أشار إلى أن الأزمات في العراق وسوريا يكون حلها بالحوار، واشراك جميع القوى الطائفية دون تدخل خارجي، مشيداً بموقف قطر الداعم لترقية مناطق خفض التصعيد في سوريا، موازاة مع تقاسم البلدين لتصور مشترك بشأن الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية، لافتاً إلى أن ما يجري في رام الله وغزة «غير طبيعي»، ولا بد من العودة للاتفاقات المبرمة سابقا حول الوحدة الفلسطية على أساس منظمة التحرير الفلسطينية والمبادرة العربية للسلام
الأزمة تراوح مكانها بعد 3 أشهر
ورداً على سؤال بشأن تصريح سفير الإمارات في واشنطن عن استعداد دول الحصار لحوار دون شروط، علّق وزير الخارجية القطري، قائلاً: «لم تكن هناك أي دعوة للحوار إذن؟! رغم أننا لا نأخذ دوما تصريحاتهم على محمل الجد، ورأينا عديد التصريحات، ولكنهم لم يردوا على أمير الكويت ودعوته لحوار دون شروط. رغم أن قطر صرحت أكثر من 12 مرة بضرورة حل الأزمة عبر الحوار وتسوية مع احترام سيادة الدول والقانون الدولي، بناء على التزامات تبادلية والتزامات بين الدول».
وأضاف: «عليهم أولا إثبات احترام وساطة أمير الكويت، والرد على رسالة الأمير ومقترحات المبعوث الأمريكي، لكن دول الحصار اتبعت نهج عدم الرد».
وأشار آل ثاني إلى أن «الأزمة تراوح مكانها لفترة تقارب الثلاثة أشهر رغم دعوات الحوار من طرف قطر. ولا بد من التأكيد أن الهدف من الحوار ليس الجلوس على الطاولة فقط، وليس هذا قمة الطموح، بل الهدف هو رفع الحصار عن الشعب القطري».
ونوّه إلى أن «مشكلة دول الحصار مع الشعب القطري، وليست مع حكومة دولة قطر، بفعل الإجراءات الجائرة التي مورست ضد المواطنين القطريين والمقيمين في رمضان. فهناك مشكلة يجب أن تحل ببحث أسباب الأزمة، وما نتج عنها من آثار على شعبنا، وايجاد تسوية، وليس الجلوس للحوار لأجل الحوار فقط».
وتابع قائلاً: «دولة قطر لم تألوا جهدا، وتحركت لدفع وإجبار الدول المحاصرة للتراجع عن إجراءاتها، ووقف انتهاك سيادة دولة قطر. كما أن المنظمات الدولية تقوم بعملها، وهناك إجراءات أتت بنتائج مثل تسهيل الحركة على مستوى البحار ومنظمة الطيران والحالات الإنسانية وغيرها من الإجراءات»، لافتاً إلى أن «دولة قطر اتخذت مسار تحقيق العدالة عبر القنوات الرسمية وستحقق النتائج، ولكن النتائج ستكون على حساب توسيع الهوة بين الشعب القطري والدول المحاصرة».
تأثير الحصار إنساني
وعن الآثار الحقيقية للحصار، قال وزير الخارجية القطري إن «التأثير الرئيسي للحصار كان تأثيرا إنسانيا، تسبّب في فصل العوائل وإبعاد العائلات والطلبة ورجال الأعمال. لكن اقتصاديا الآثار المباشرة كانت في بداية الأزمة، وتمثلت في التكلفة الإضافية التي تحملتها الدولة لتحقيق الاستقرار في التزويد بالبضائع اللازمة، كي لا يتأثر السكان من حيث التزود بالبضائع الاستهلاكية، فتحملت الدولة التكلفة المالية، لكنه كان عاملا محفزا لرجال الأعمال لايجاد بدائل وخيارات أوسع للسكان في دولة قطر، وأتت البدائل بنتائج ايجابية في تطور السوق القطري، بما يمكّن لتصبح الدولة أقل اعتمادا من المحيط القريب منها، والذي جوبهت منه بحصار غير قانوني، وأصبحنا اليوم أكثر انفتاحا على أسواق إقليمية ودولية».
وخلص قائلاً: «يجب أن تكون دولة قطر أكثر اعتمادا على نفسها. كما أن عقود الغاز لم تتأثر بالأزمة، وهذا يؤكد أن قطر شريك موثزق به، من حيث إيفائها بالالتزامات الدولية وإمداد العالم بالطاقة، بينما دول الحصار منعت الطيران وخالفت قوانين الاقتصاد المفتوح. كما أن دولة قطر لديها اليوم ثقة أكبر بها وباقتصادها وبيئتها القانونية الجاذبة للاستثمار، والخطوات التي اتخذناها ستكون مسهما مسرعا في عجلة التنمية، ولكنها ليست وليدة الحصار، بل إرادة سياسية موجودة من البداية».