طفل يستدرج واحدًا أصغر منه إلى عمق الغابة، وفي حلكة الظلام، بعد أن حرضه على الهروب من المخيم الصيفي، وقبل أن يتساءل الطفل المسكين عن سبب قدومهم إلى هذا المكان المخيف، كانت الآلة الحادة تشق رأسه وتغرق الدماء وجه الضحية ويد القاتل.
في مكان آخر، يطعن طفل جارته عدة طعنات متتالية، حتى تنقطع أنفاسها وتتطاير قطرات الدماء على وجه الطفل القاتل، وربما واحدة تجد طريقها إلى فمه أو عينه المليئة بالخوف. في مكان آخر خلال وقت أبكر، يستعد الصديقان لقتل صديقتهما بغرض المرح، بعد أن وجدا أن فكرة فيلم «Scream الصرخة» مسلية للغاية، وفي غرفة تاجر مخدرات ومروج للدعارة، ترتعش تلك الفتاة خوفًا من أن تغتصب مرة أخرى، فعندما تسمع صوت خطوات تقترب من فراشها؛ تقرر أن تستخدم السلاح الناري الذي تخبئه تحت وسادتها.
تلك ليست قصص رعب خيالية، ولا حكايات شعبية عن أطفال خارقين وأشرار، تلك المشاهد واقعية وحدثت بالفعل على أرض الواقع.
ريحانا تفجر الأمر.. ويسير على خطاها الآخرون
الأمر بدأ من الحساب الشخصي للمطربة الأمريكية ريحانا على تطبيق إنستغرام؛ حين كتبت تدوينة عن تلك الفتاة التي قضت عقدًا من الزمان في السجن، وتعامل معها القضاء بظلم -من وجهة نظر ريحانا- وهو أمر صدق عليه الكثير لما عانته تلك الطفلة في ذاك الوقت، حين أُرغمت على العمل في الدعارة والمخدرات، وهي تبلغ من العمر 14 عامًا فقط، واغتصبت أكثر من مرة على يد القواد الذي يُشرف على سير أعمالها.
حين حاول هذا الرجل البالغ من العمر 42 عامًا اغتصابها مرة أخرى؛ فاض بها الكيل وقتلته دفاعًا عن نفسها، وفق اعترافاتها المُدرجة في التحقيقات؛ لكن المحكمة رأت أنها مذنبة، ووضعتها خلف القضبان مدى الحياة في عام 2004، ولن يُصرح لها بالخروج المُبكر من السجن إلا وعمرها 69 عامًا.
بعد تدوينة ريحانا؛ انضمت لها كيم كارداشيان ونشرت على حسابها الشخصي مستنكرة ما حدث لتلك الفتاة، مؤكدة أن القضاء فقد المفهوم المتعارف عليه للعدالة، وخاطبت جماهيرها بأهمية اتخاذ موقف، موضحة أن تلك الفتاة قد تكون ابنة أي شخص آخر، فهل نرضى لأبنائنا بذلك؛ أن نسجن الضحية ونترك الجناة أحرارًا تحت اسم القانون؟
وصرح محامي الدفاع في قضية سينتويا أن الموقف الذي اتخذه العديد من المشاهير في تلك القضية، جعلها بالفعل قضية رأي عام، وعبر عن سعادته هو والسجينة بهذا الاهتمام، الذي يصب في صالح قضيتها، ويمنح تلك الفتاة بصيصًا من الأمل؛ للعودة إلى حياتها والبدء في طريق جديد أفضل.
ألم تكن الأعوام السابقة كافية للتكفير عن خطأ، ربما لم يكن خطأها من البداية؟ هكذا تساءل المؤيدون للإفراج عن تلك الفتاة، وعلى الرغم من الاستنكار الذي تشهده تلك القضية الآن، إلا أنها ليست حالة فريدة ونادرة، فالكثير من القُصر في الولايات المتحدة الأمريكية يعاملون معاملة الراشدين في بعض القضايا، ويُحكم عليهم بالسجن مدى الحياة.
ليونيل ولعبة الموت
الأطفال مزعجون في نظر الكثيرين إذا تركتهم بمفردهم؛ لا أحد يعلم النتائج الوخيمة التي قد تنتج عن هذا، من ابتلاع عملات نقدية، أو سرقة أموال من حقيبة الأم لشراء ممنوعات في حالة الأسر المُفككة، أو حتى نزاعات قوية تنتهي بصراعات بين أهالي هؤلاء الأطفال، ولكن السيدة كاثلين تيت لم تتوقع أبدًا نتيجة ما حدث، حين تركت ابنها البالغ من العمر 13 عامًا مع فتاة عمرها ست سنوات، والتي اعتادت أن تجالسها الأم مقابل المال.
حين طلبت منهما صارخة أن يخفضا صوت اللعب، وهم في الدور الأرضي من المنزل، حسبت هذا الهدوء القادم من الأسفل هو طاعة لأوامرها، ولكن عندما صعد ابنها وأخبرها أن الفتاة لا تتحرك ولا تتنفس؛ أدركت أن الأمر أكبر من ذلك.
إصابات جسدية تنتج عادة عن سقوط شخص من ارتفاع ثلاثة طوابق؛ هكذا صرح الطب الشرعي عن سبب وفاة الطفلة عام 1999، والتي ضربها ليونيل بيديه العاريتين حتى الموت، وتسبب لها في تهتك في الكبد، وكسر في الجمجمة، وتورم في المخ، وكان تبرير الأم لتلك الحادثة أن ليونيل كان عاشقًا للمصارعة الحرة، وكانت تستهويه الحركة التي يحمل فيها المصارع منافسه ثم يلقيه على الأرض رأسًا.
وفي المصارعة -بالطبع- يرى الطفل المنافس الآخر يقف على قدميه بعد تلك الضربة القاتلة، لأنها ببساطة تكون حركة تمثيلية وتتطلب خبرة كبيرة من المصارع؛ حتى يقوم بها دون أن يقتل منافسه، وهو الأمر الذي لم يكن يعرفه الطفل بعد.
عند وفاة الطفلة، كان ليونيل في عمر الثانية عشرة، مما جعله أصغر شخص في الولايات المتحدة الأمريكية يُتهم بالقتل في ذاك الوقت، وعندما قرر القضاء التعامل معه كأنه راشد، وحكمت عليه بالسجن مدى الحياة؛ جلب انتقادات واسعة حول تعامل القضاء في ولاية فلوريدا -التي ينتمي إليها ليونيل- مع القُصّر، وكان الكاتب وأستاذ علم الاجتماع الأمريكي مايكل إريك دايسون يرى أن بشرة ليونيل السوداء قد ساهمت في تشكيل رأي هيئة المحلفين والقضاء، وصرح للإعلام معترضًا على تدمير حياة صبي صغير بدلًا من إعادة توجيهه ليكون عضوًا فعالًا في المجتمع، فما هو -من وجهة نظر مايكل- إلا طفل يحتاج إلى علاج نفسي واجتماعي.
شاهد مقطع مصور من محاكمة ليونيل من هُنا
المساندون لقضية ليونيل نجحوا في تخفيف الحكم بعد مجموعة من الخطوات القانونية مع القضاء، وأطلق القضاء سراح ليونيل إطلاقًا مشروطًا على أن يظل في منزله تحت مراقبة الحكومة، وتلك الخطوة كانت انتصارًا بالنسبة لليونيل، الذي أنقذ من قضاء باقي حياته مع مجرمين يكبرونه سنًا، ولكن ليونيل خذل كل المدافعين عنه، وخرق اتفاقية إطلاق السراح المشروط حين وجد أحد الضباط بحوزته سلاحًا اكتُشف فيما بعد أنه استخدمته في عملية سطو مسلح، وعاد ليونيل للسجن مرة أخرى، وما يزال منذئذٍ خلف القضبان.
بريان وتوري.. قتل على طريقة الصرخة
«أنا أشعر بالإثارة الجنسية لمجرد التفكير بالخطة» قيلت تلك الجملة على لسان أحد المراهقين، ولكنها لا تصف خطة لمقابلة فتاة لإقامة علاقة معها؛ بل الخطة من أجل قتل هذه الفتاة. بريان لي درابر وتوري مايكل أدامسيك البالغين من العمر 16 عامًا في ذلك الوقت – عام 2006- خططا لقتل زميلتهما في المدرسة من أجل المرح، وسجلوا مقطعًا مصورًا لهما وهما يخططان لقتلها، يضحكان، ويشرحان الخطة، مؤكدين أن كايسي -الضحية- صديقتهما، ولكن يبدو أن الأمر يشعرهما بالحماسة، والمقطع المصور منقسم إلى قسمين، قبل الجريمة وبعدها، وحين سماع المقطع يمكنك سماع أحدهما يردد: «لقد قتلت للتو كيسي».
شاهد المقطع المصور للجريمة هُنا
تصوير هذا المقطع يؤكد هوس بريان وتوري بالشهرة، ومن المفارقة أنهما قد حصلا على الشهرة بالفعل، ولكن حصلا معها أيضًا على حكم بالسجن مدى الحياة، بتهمة طعن الفتاة ما يقترب من 30 طعنة، أدت إلى وفاتها في الحال، ومن بعدها والشهرة تسعى وراءهما، إذ ظهرا في الفيلم التسجيلي « Lost for Life ضائع مدى الحياة» عام 2013، والفيلم التسجيلي « Life without Parole حياة دون إطلاق سراح مشروط»، وفيلم «القتل بين الأصدقاء Murder Among Friends» والذي عُرض العام الماضي.
بريان كان عاشقًا للموسيقى الصاخبة ومتابعة جرائم القتل، ولكن ما كان يستهويه بالفعل هو سلسلة أفلام «Scream الصرخة»؛ ولذلك حاول أن ينفذ خطته بالطريقة نفسها، زار صديقته ليلًا هو وتروي، وحينما وجدا حبيبها معها في المنزل ووجدا أهلها مسافرين، ادعيا الرحيل ثم عطلا الكهرباء في البيت، وحين سنحت الفرصة برحيل حبيبها؛ هجما عليها وطعناها بسكين المطبخ 30 طعنة؛ كانت تسع طعنات فقط كافية لقتلها، أما باقي الطعنات فقد كانت لمتعتهما الخاصة.
ظهور المقطع المصور، واعترافات بريان وتروي والتي أثبتت أن القتل كان مع سبق الإصرار والترصد؛ لم تمنح القضاء فرصة للتعامل معهما بصفتهما قاصرين، وحُكم عليهما بالسجن مدى الحياة، والندم يبدو واضحًا على كل منهما في الأفلام التي ساهمت في تغطية حالتهما الإجرامية الفريدة.
إيريك سميث.. عقل مريض أم عقل إجرامي؟
تنظر الأم الحامل إلى الدواء المخدر، وتخبر نفسها أنه لا ضرر من تعاطي المخدرات أثناء الحمل، ما الذي يمنع الأم الحامل من أنت تشعر ببعض النشوة؟ إجابة هذا السؤال الاستنكاري الذي طرحته السيدة الأمريكية دورين حتى تمنح نفسها تصريح تعاطي المخدرات وهناك طفل يكبر في رحمها؛ جاءتها بعد 13 عامًا -تحديدًا في عام 1994-، وهي تتصل بالشرطة لتخبرهم أن ابنها إريك سيمث هو من قتل الطفل ذا الأربع سنوات في المخيم الصيفي، وهو أيضًا الذي هشم رأسه، وهو -لسبب لم يدركه أحد حتى الآن- من وضع فرع الشجرة السميك في مؤخرة الطفل الصغير بعد موته.
ما تأكد منه القضاء بعد عرض إريك على الطب النفسي؛ أن هذا الطفل يعاني من مرض نفسي اسمه الاضطراب الانفجاري المتقطع، وهو مرض يدفع صاحبه إلى نوبات غضب مفاجئة ودون سبب، هذا بالإضافة إلى الغضب المبرر الذي يعاني منه إريك ذو الشعر الأحمر، والنمش على وجهه، ونظارته السميكة، لما تعرض له من مضايقات وسخرية من زملائه بالمدرسة، ومع أن الطب النفسي أكد الخلل النفسي الذي يعاني منه إريك، وهو أمر حاول كيفن برادلي محامي الدفاع أن يعتمد عليه للحصول على حكم مخفف للطفل المتهم، إلا أن القضاء رفض التعامل معه بصفته مريضًا نفسيًّا أو قاصرًا، وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهمة القتل العمد، حتى أن اعتراف إريك لأسرته بالقتل وتسليمه للعدالة؛ لم يمنحه تعاطف هيئة المُحلفين الذين أعلنوه مذنبًا، وليس مجرد مريض نفسي.
في العام الماضي، إيرك البالغ من العمر 36 عامًا -قضى أغلبهم خلف القضبان-؛ التمس إطلاق السراح المشروط من القضاء، ولكن طلبه قوبل بالرفض، لم تكن تلك هي المرة الأولى، فعلى مدار السنوات الماضية كان إيرك يحاول العودة إلى الحياة مرة أخرى من خلال التماس يقدمه كل عامين، ولكن كل محاولاته نتيجتها كانت الفشل.
جوشوا.. إلى أين يأخذنا الخوف المرضي من الآباء؟
عام 1999 في الولايات المتحدة الأمريكية، حين كان جوشوا يوزع الملصقات في الحي عن اختفاء جارته صاحبة الثماني سنوات؛ هل كان يدرك أنه السبب في اختفائها، أم أن الإنكار قد جعله ينسى أن جثة هذة الطفلة تقبع تحت فراشه في منزل والديه؟
كان عمر جوشوا 14 عامًا عندما قتل جارته الصغيرة بالطعن عدة مرات، والأمر لم ييق سرًّا فترة طويلة؛ لأن والدة جوشوا توجهت في صباح أحد الأيام وهو بالمدرسة حتى تنظف غرفته، لتجد الجثة مخبأة تحت فراشه، فصرخت وركضت إلى الشارع تستنجد بالشرطة، والتي ألقت القبض على جوشوا خلال يومه الدراسي أمام أعين زملائه المندهشة.
كل ما كانت تريده الطفلة مادي كليفتون هو لعب البيسبول مع جوشوا في حديقة منزله، وعلى الرغم من تحذير أبيه من استقبال أطفال أثناء غيابه، إلا أن جوشوا لم يرفض طلب مادي، وأثناء اللعب صدمت كرة البيسبول عين مادي التي بدأت تنزف، الأمر الذي أصاب جوشوا بالرعب؛ فأخذها إلى غرفته وحاول خنقها بسلك الهاتف، وعندما لم تمت ضربها أكثر من ضربة بمضرب البيسبول حين سمع صوت والده يدخل المنزل، فركض إليه مرحبًا بعودته حتى لا يدخل غرفته، ولكن حين عاد جوشوا إلى جثته الملقاة على أرض الغرفة، كانت لا تزال متشبثة بالحياة تحاول طلب النجدة بصوت واهن، فزاد رعب جوشوا –كما أكد في اعترافه- وأحضر سكينًا وطعنها حتى ماتت.
«إن جريمتي رهيبة، وأنا أعتذر بكل صدق عما فعلته» قالها جوشوا أثناء أحد اللقاءات معه، والذي وجه من خلاله حديثه إلى أسرة مادي، يقسم لهم إنه يتمنى أن يجد شيئًا يستطيع فعله ليخفف آلامهم. جوشوا يرى نفسه ضحية أيضًا، ضحية والد مدمن الكحول والمخدرات، ولا يستطيع التحكم في غضبه، وهذا ما أرعب جوشوا منه طوال فترة طفولته، والتي لم تنته على خير، وأكد جوشوا أن سبب قتله الطفلة هو خوفه من ردة فعل أبيه، وكأن عقله توقف تمامًا ولم يستطع التركيز في شيء سوى التخلص من التهمة، التي قد تجعله مذنبًا أمام والده الغاضب.
القضاء لم يمنح جوشوا فرصة التعامل معه بصفته قاصرًا؛ نظرًا لبشاعة تفاصيل الجريمة، وتخطيط الطفل القاتل لإخفاء الجثة، وتشتيت العدالة لفترة طويلة، حين انقلبت المدينة رأسًا على عقب بحثًا عن الفتاة المختفية، وعلى الرغم من تأكيد الطب الشرعي أن الضحية لم تتعرض لأي اعتداء جنسي، فإن الأم وجدت النصف السفلي من جثة مادي عارية تمامًا، الأمر الذي رجح نية جوشوا في اغتصاب مادي، ولكن شيئًا ما اعترض طريقه.
أثبت جوشوا ندمه على فعلته حين قرر الاستمرار في حياته، حتى وإن كانت كلها من وراء القضبان، فالتحق بأحد المعاهد القانونية، التي تسمح بالتعليم عن بعد، وحصل في عام 2007 على شهادة موثقة؛ سمحت له بمساعدة زملائه في مشاكلهم القانونية، وكتابة الالتماسات والطلبات للقضاء، وهو أمر يحاول جوشوا من خلاله استعادة ما هو متاح من الحياة التي يعيشها إلى الأبد خلف القضبان، كما أوضح في الفيلم التسجيلي «Too Young to Kill صغير جدًا على القتل».