كفٌّ وقُبلة.. كيف تتلاعب أمريكا بجميع الخصوم في الخليج؟

0
310

نشهد اليوم رئيس قوّة عظمى لا يُراعي كثيرًا من الدبلوماسية ولا لغتها المتعارف عليها، فيُغرّد في بداية أزمة الخليج: «في زيارتي الأخيرة للشرق الأوسط بيّنت أن لا مزيد من التمويل للأيديولوجيات المتطرفة، أشار القادة لقطر»، هكذا غرّد ترامب في بداية الأزمة مُعلنًا أن قطر مُمول الإرهاب ومصدره في الشرق الأوسط. خرجت التغريدة بأسلوبها عن إطار العلاقة المُعتاد بين قطر والولايات المُتحدة دافعةً الأزمة إلى التعقيد أكثر وأكثر.

كيف تتلاعب أمريكا بجميع الأطراف؟ وكيف تُدير «حربًا دبلوماسية» بين أهمّ حلفائها في المنطقة؟ وإذا كانت مصالحها هنا، وهُناك، في نفس الوقت، فكيف تُدبّر أمورها؟ وإذا كان للولايات المتحدة في الخليج العربي قواعد عسكرية كثيرة، تتنوّع بين قواعد بحريّة تحوي سفنًا وبوارج حربية، وأخرى بريّة يُقيم ويعمل فيها جنود أمريكيون بالآلاف، إذا كانت اللعبة هكذا، فكيف يمكن لأمريكا أن تُدير صراعًا بين دول تستعين جيوشها بالجيش الأمريكي؟ وتصبُ العديد من مواردها في المصلحة الأمريكية؟ هذا ما سنحاول مقاربته في هذا التقرير.

المصالح الأمريكية في الخليج

مهمّة السياسي أن يُحافظ على مصالحه، فما هي المصالح الأمريكية في الخليج؟

1- السعودية.. أرض الذهب الأسود!

السعودية دولة تعيش على النفط، فـ42% من إجمالي الناتج المحلي من النفط، و87% من إيرادات الميزانية هي إيرادات نفطية، النفطُ مهمٌ هنا لأن 80% من القوّة العاملة في السعودية من المُقيمين الأجانب، أي غير السعوديين، ما يعني أن أبناء الدولة لا يقدرون على القيام بأعبائها، ويمكن النظر إلى الأمر كالآتي: السعودية بقدرات إنتاجية مهولة (النفط فقط، فالقطاع الصناعي ضعيف جدًا)، تحوي أكبر مخزون احتياطي للنفط الخام في العالم، وحتى مطلع عام 2015 كانت تُصدّر 40% من النفط عالميًا، كل هذا يعني أنَّها تلعبُ دورًا حساسًا في سوق الطاقة؛ الطاقة؟ ما أهميتها للولايات المُتحدة؟ وماذا قد تعني السعودية في هذا المجال لأمريكا التي يُقدّر أنها ستصل فيه إلى الاكتفاء الذاتي بحلول عام 2035. السعودية تعني الكثير رغم كل ذلك، فوجودها في منظمة الدول المُصدّرة للبترول «أوبك» هي والدول الخليجية الأخرى، مُساعدة لأمريكا ويدٌ نافذةٌ لها في تنظيم سوق النفط العالمي وإدارته وفقًا لمصالحها.

بعيدًا عن الشراكة التجارية والنفطية بين البلدين، فإن السوق العسكريّة سوق ضخمة لا تتحدث إلا بالأرقام الكبيرة، على سبيل المثال صفقة الأسلحة الأخيرة بين أمريكا والسعودية بقيمة 110 مليارات، يُتوقع أن ترتفع إلى 350 مليار دولار في الأعوام العشرة القادمة. خسارة السعودية باعتبارها حليفًا عسكريًا تعني ضربةً كبيرة لصناعة الأسلحة أو ما يمكن أن تُسمى «صناعة الحرب»، التي جلبت مدخولًا للولايات المتحدة بين عامي 2010-2014 يصل إلى 90 مليار دولار، وفي العامين التاليين 2015-2016، اشترت السعودية عددًا من طائرات الهيلكوبتر (3.5 مليار دولار) والدبابات، وسُفنًا بحرية مقاتلة (11.2 مليار دولار)، وذخائر ودعمًا تدريبيًا وتقنيًا والمجموع يُقدّر بـ25.8 مليار دولار. تُشير هذه الأرقام إلى حقيقة أن السعودية هي السوق الأهم عسكريًا للولايات المُتحدة، واتجاه السعودية نحو مُصنّعٍ عسكري آخر كفرنسا أو روسيا يعني تكبيد الولايات المُتحدة خسارة بالمليارات، لها وللمُتنفذين فيها مَمن يعملون في هذا القطاع ويُوجهون السياسات الأمريكية وفقًا لحروبهم الماليّة الخاصة.

اقرأ أيضًا: كيف استفادت أمريكا من حروب العرب؟ حقائق حول صفقات السلاح الأخيرة في الشرق الأوسط

يبدو الأمر كلعبة أموال، فالسعودية تملك ما يزيد عن 750 مليار دولار أصولًا مالية بأنواع مختلفة في الولايات المُتحدة، سحبها المُفاجئ من البنوك الأمريكية يؤدي إلى انقطاع حاد في السيولة المُتوافرة لديها. في العقدين الماضيين لم تستعمل السعودية أيًّا مما سبق ورقةً للضغط على الولايات المُتحدة إلا ورقة الودائع المليارية، التي استعملها عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، ضاغطًا على الكونجرس الأمريكي ليوقف تمرير قانون «جاستا» الذي يُمكّن أهالي المُتضررين من أحداث الحادي عشر من سبتمبر من مُحاكمة السعودية باعتبارها دولة راعية للإرهاب.

اقرأ أيضًا: مخاوف السعودية وأمريكا من إقرار الكونغرس لقانون محاسبة «رعاة الإرهاب».

وتذهب الولايات المُتحدة إلى أبعد من ذلك في السعودية، فقد كانت جزءًا من تصميم رؤية 2030، أي أنها تُشارك حتى في تشكيل مستقبل السعوديّة.

الرئيس الأمريكي ترامب مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان

2– قطر.. حليفٌ ثابت في الشرق الأوسط

صعدت قطر بوصفها حليفًا أمريكيًّا قويًّا في الشرق الأوسط في منتصف التسعينيات من القرن المُنصرم، وتطوَّرت العلاقة ابتداء بمشاركة قطر في عاصفة الصحراء عام 1991، ثم وُثّقت بتوقيع اتفاقية دفاع مشترك ساعدت في النهاية على انتقال قاعدة قيادة القوات الجوية المُقاتلة من السعودية إلى قطر، أي إلى قاعدة العديد الجويّة، التي فيها مركز إدارة العمليات الجويّة ضد «تنظيم الدولة الإسلامية- داعش»، ما يعني أنها قاعدة مُهمة جدًا لتسيير الأعمال العسكرية الأمريكية في المنطقة، وقد بدأت القاعدة باستثمار قطري قيمته مليار دولار ثم طُوِّرت لاحقًا باستثمار مشترك بين قطر والولايات المُتحدة.

أما قطر باعتبارها سوقًا عسكريًا لأمريكا فهي بالطبع ليست بحجم السوق السعوديّة، فجيش قطر ثاني أصغر جيش في الشرق الأوسط (أصغر منه جيشُ البحرين).،لكن خلال عام واحد (2012-2013) وقّعت قطر صفقات بـ24.9 مليار دولار، اشتملت الصفقات على عدد من طائرات الهيلكوبتر العادية وأخرى حاملة للصواريخ، وتضمّنت صفقات أخرى أنظمة دفاع وحماية جوية، مع صفقات لشراء صواريخ ومُعدات عسكرية ورادارات. في مطلع العام الحالي 2017، وافقت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» على صفقة قطرية لشراء طائرات F-15 بقيمة تصل إلى 12 مليار دولار.

وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس في زيارة لقاعدة العديد الجويّة

تحوي الآن قاعدة العديد الجويّة 11 ألف جندي أمريكي، وفيها أحد أطول المدرجات في العالم، فهو مُجهز لاحتواء 100 طائرة على أرضيته، وهي إحدى أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط. فقدان الولايات المتحدة لقطر يعني خسارة كبيرة مُحتملة في سوق السلاح، وما يُحفز وقوع هذه الخسارة أن علاقات الاقتصاد العسكري بين قطر وفرنسا قويّة فـ80% من مخزون السلاح القطري من فرنسا، وكذلك طائرات قطر المُقاتلة.

على جانب آخر، فإذا كانت السعودية «مملكة تطفو على النفط»، فقطر «إمارة تطفو على الغاز»، فهي تملك ثلث احتياطي الغاز العالمي، وأكبر واردات أمريكا منها هي واردات الغاز والنفط التي ازدادت في الأعوام الماضية عامًا بعد عام.

قطر جزء من التوازن الذي تسعى له الولايات المُتحدة في الشرق الأوسط وفي الخليج تحديدًا. إذا نظرنا إلى توزّع الجنود الأمريكيين في الخليج العربي سنجدُ انتشارًا واسعًا في كلّ دولة على حدة: سبعة آلاف في البحرين وخمسة آلاف أخرى في الإمارات و11 ألفًا في قطر و15 ألفًا في الكويت، «لا تضع البيض في سلّة واحدة»، لأن أمريكا لا تعرف أصدقاء بقدر ما تعرف مصالحها، والتوزع العسكري يصل إلى بعض الدول المجاورة للخليج كالأردن والعراق، اللذان يُؤويان الآن 1500 جندي و5165 جندي على التوالي لكلا البلدين.

3– الإمارات.. المُنفّذ السريع

في حين تدعو الولايات المتحدة الأمريكية دائمًا إلى «الديمقراطية» بالإضافة إلى تأييدها المعلن في السنوات الماضية لرياح الربيع العربي، فهي في نفس الوقت تُحافظ على علاقة متينة بالإمارات، الحليفُ الأكبر للثورات المُضادة.

أطلقت الأزمة الخليجية سيلًا من التسريبات، منها رسائل من بريد السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة. أظهرت المراسلات شبكة علاقات واسعة يتحرّك فيها العتيبة، من إعلاميين إلى مُستشارين في الرئاسة وحتى وزراء سابقين كروبرت غيتس وزير دفاع أمريكي سابق ورئيس وكالة الاستخبارات، وتمتّد شبكة النفوذ الإماراتي في واشنطن إلى أبعد من ذلك؛ روابط بمراكز دراسات من خلال منح مالية بالملايين، وبعض هذه المراكز تتصدّر الإمارات قائمة مموليها، ومنها ما له فرعان أحدهما في الولايات المتحدة والآخر في الإمارات، تنشر المراكز دوريات سياسية وبحثية عن الشرق الأوسط لها صوتها في مراكز صناعة القرار الأمريكي.

بعد تتبع قصير لخطابات السياسيين الأمريكيين والإماراتيين يُمكن أن يُلاحظ توافق شديد في لغة الخطاب لدى الفريقين، فالخطاب الإماراتي لا يترك محفلًا دوليًا إلا ويدعو فيه إلى مقاومة «الإرهاب» و«التطرف» في العالم والشرق الأوسط تحديدًا، دون توضيح لمعاني هذه الألفاظ والمقصد منها، ويرمي سياسيّوها الفصائل الفلسطينية بتهمة «الإرهاب»، ففي 28 سبتمبر (أيلول) 2016، هاجم العتيبة إيران ودعمها لـ«الإرهاب»، مُمثلًا بدعمها لحماس وما أسماه «الجماعات الفلسطينية الجهادية الإسلامية»، جميعها دفعة واحدة «إرهابية» بحسبه.

على جانب آخر، تعمل الإمارات على رسم صورة لإسلام تُرضي الساسة الأمريكيين. عالم الدين الموريتاني الشهير عبد الله بن بيه، قام بدعم إماراتي بإنشاء «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة»، الذي يسعى مع «مجلس حكماء المسلمين» إلى إنتاج خطابِ «السلم» و«الحكمة»، ما دفع بالرئيس الأمريكي أوباما إلى الإشادة ببن بيه وآرائه ومركزه.

اقرأ أيضًا: «العلّامة بن بيَّه».. كيف تحاول الإمارات السيطرة على صورة الإسلام.

سعي الإمارات لـ«تجديد الخطاب الديني» رافقه سعيٌ في اتجاه آخر وهو تجديد الاقتصاد وتنويع موارده، فالإمارات تعمل في قطاعات الابتكار والاستدامة، مُحققة عام 2015 ما يصل إلى 8.7% من إجمالي الناتج المحلي الإماراتي الذي وصل -آنذاك- إلى 36.4 مليار دولار، وتُحاول الإمارات أن تجعل من السياحة فيها مصدرًا اقتصاديًا قويًا حقق للإمارات عام 2015 مدخولًا يصل إلى 7.4 مليار دولار.

على صعيد التعاون العسكريّ وفّرت الإمارات مجالها الجوي للقوات الأمريكية في فترة فرض العقوبات على العراق ومُراقبتها، ولهذه المهمة كانت قاعدة الظفرة الجويّة، التي استقرّت فيها طائرات «الإرضاع» الجوي، ثم تحوَّلت لمركز انطلاق للطائرات ضدّ «داعش». أهمّ من القواعد الجوية ما تُديره الإمارات من موانئ بحرية تعمل فيها البحرية الأمريكية، وعلى رأسها ميناء «جبل علي»، أكبر قاعدة بحرية أمريكية خارج حدود الولايات المُتحدة.

الخليج.. أرض المصالح الأمريكية

تشترك دول الخليج في كونها سوقًا كبيرًا للولايات المُتحدة في مجالات مختلفة؛ النفط والغاز، والتجارة، والصفقات العسكرية باهظة الثمن، ولكن ما المصالح الاستراتيجية العامة التي تشترك بها كافة الدول مع الولايات المُتحدة؟ مفتاحُ كل شيء هنا: النفط وإيران. الخليج العربي منطقة تزخر بالمنافذ المائية، ففيها مضيق هرمز شرقًا، ومضيق باب المندب غربًا في اليمن، وعدد ضخم من الموانئ العملاقة من غربه إلى شرقه، ومع كم هائل من القواعد البحرية والجويّة الأمريكية في الخليج العربي، تُوفّر أمريكا لنفسها حمايةً عسكرية وقدرة مُباشرة على ضرب ومواجهة أي توسّع إيراني في منطقة مصالحها الحيويّة؛ الخليج، وتستعمل وجودها العسكري هناك باعتباره ورقة ضغط وعامل ثقل لها في المنطقة. كذلك، المُهم في هذه المنافذ المائية أنها الممرات الأهم للوقود والطاقة؛ النفط، في العالم أجمع، فهي تُشرف على أكثر خطوط النفط كثافة وزخمًا.

إرضاء الجميع = استغلال الجميع

اشتعال الأزمات يُحرّك الأطراف في اتجاهات مُتضادة نتيجة الاختلاف في المصالح، ومن ثمَّ تظهر الانقسامات في داخل الكيان الواحد، وهذا ما حصل مؤخرًا بين مؤسسات الدولة الأمريكية التي لا يُرضيها أن تسير أجندتها بطريقة عشوائية ومُفاجئة، كتغريدة ترامب التي دفعت بوزارة الدفاع لتقول عكسها تمامًا، وما حصل تعبيرٌ عن الخلاف الداخلي المُتنامي حتى وصل الأمر إلى طلب عزل الرئيس الأمريكي المُنتخب ترامب من منصبه.

لكن ما حصل في الأزمة من تضارب في التصريحات لا يُعبِّر عن خلاف بين مؤسسات البيت الأمريكي فحسب، ولكن يُعبّر بشكل واضح عن سياسة تتبعها الولايات المُتحدة في إدارة الأزمة في الخليج، وهي سياسة إرضاء الجميع، في مُحاولة للحفاظ على مصالحها عند جميع الأطراف.

الرئيس الأمريكي ترامب مع أمير قطر تميم آل ثاني

البداية؛ رُؤيت تغريدة ترامب على أنها ضوء أمريكي أخضر لدول الحصار لتنفّذ خطتها، ولكن سرعة ما حصل والتوقيت المُفاجئ دون تدرّج في الخطوات الدبلوماسية أدهش العالم، ولذا سُئلت المُتحدثة باسم الخارجية الأمريكية إذا ما كانت دول الحصار استشارت حليفها الأمريكي قبل القيام بخطوة حساسة جدًا في منطقة مُشتعلة كالشرق الأوسط، وكان جواب الخارجية واضحًا «نحن أُشعرنا بالقرار، ولكن قبل الإعلان عنه مُباشرة»، إذًا الحُلفاء يلعبون بعيدًا عن الحليف الأكبر أمريكا.

تعليقًا على اللعبة المُفاجئة، كان التصريح الأول لوزير الخارجية: «نحن نشهد بروزًا لعدد من المُهيّجات أو المُشكلات في المنطقة، التي كانت موجودة لبعض الوقت، وواضحٌ أنها وصلت إلى مستوى دعى تلك البلدان لاتخاذ قرار ببدء العمل لمعالجة هذه الخلافات»، ثم ألمَح إلى ضرورة أن لا تتعدى اللعبة حدودها وتمسّ بالمصالح والأهداف الأمريكية بالمنطقة قائلًا: «ما يحدث لن يؤثر على وحدة هذه الدول في محاربة الإرهاب»، وأكّد على أن «أفعال إيران في المنطقة سيكون صوتها أعلى وأعلى».

وزراء خارجية دول الحصار الأربعة: البحرين، ومصر، والإمارات، والسعوديّة

في حين كانت تغريدة ترامب عسلًا على قلب السعودية والإمارات، كانت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مُكمَّلة لاستراتيجية إرضاء الجميع، فبعد اندلاع الأزمة بيوم، في مؤتمر صحفي مُشترك بينه وبين رئيس وزراء نيوزلندا، أكّد في حديثه على علاقات بينه -شخصيًا- وبين قطر، مُذكرًا أنه على علاقة قديمة بقطر تمتد إلى خمسة عشر عامًا، ومؤكدًا أنه يعرف الأميرين؛ الأب «حمد آل ثاني» والابن «تميم آل ثاني» جيدًا، ثم أكّد على أن رسالة ترامب في قمة الرياض الإسلامية الأمريكية هي للعرب والمسلمين جميعًا ليقفوا في وجه «الإرهاب» و«التطرف»، نافيًا بذلك ما قاله الصحافي عن إذا ما كان ترامب يُصرّح أو يُلمّح برسائل تدعم توجه السعودية الحالي لحصار قطر.

وفي رد غريب على الأسئلة الصحافية المُتكررة حول تغريدة ترامب وتناقضها مع السياسة الأمريكية، قال وزير الخارجية «تيلرسون»: «لا أنوي تقديم نصيحة للرئيس حول طرق التواصل» التي يستعملها، «والأمر متروك له»، أو كما قالت المُتحدثة باسم الخارجية «لنتجاوز أمور السوشيال ميديا» أمّا الرئيس فقد قال في آخر لقاء تلفزيوني معه أنه ووزير خارجيته «تيلرسون»، مُتفقان في آرائهما ولكن هناك اختلافًا طفيفًا في لهجة الكلام.

تصريحات مزدوجة.. «كفٌّ ثمَّ قبلة»

أصدرت المؤسسات الأمريكية عددًا من التصريحات المزدوجة والمُتضاربة، وفي التصريح الواحد تُعاتب دولةً ما وتشكرها. في تصريح غير مُختمر للخارجية الأمريكية يقول إنّ قطر بذلت جهدًا كبيرًا في مواجهة الإرهاب، ولكن «لنوضّح الأمر: لقد تقدموا في هذا الأمر، ولكن ما زال أمامهم عمل للقيام به»، وفي بيان صحافي لوزير الخارجية الأمريكي مُخصص للحديث عن الشرق الأوسط، في التاسع من يونيو (حزيران) 2017، كان بلهجة أقوى، وفي هذا التصريح اكتمل الخطاب الأمريكي للأزمة؛ فقال: بذلت قطر وأميرها الكثير، «ولكن عليه أن يفعل المزيد وبسرعة أكبر»، وكالمعتاد، قفزت اللغة الازدواجية إلى الخطاب الذي يرمي وصاية الأمر الأمريكي على الآخرين: «وعلى الجميع، السعودية، والإمارات، ومصر، أن يفعلوا ذلك». ثم دعا هذه الدول للتخفيف من حدّة الحصار، لـ«حالات إنسانية» كتفرّق الأسر وانقطاع الغذاء عن قطر، ثم ذكّر دول الحصار بـ«قدسية» رمضان.

وزير الخارجية الأمريكي «ريكس تيلرسون» مع نظيره القطري محمد آل ثاني

وفي تجلٍّ في نظر البعض لأقصى مستويات الازدواجية في الخطاب الأمريكي، وبعد كل ذلك التوجيه لقطر بأن تُعزز مقاومتها للإرهاب، قال الوزير إن «حصار قطر يُعيق العمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة وضد داعش». وعلى الجهة الأخرى كانت وزارة الدفاع تؤكد بشكل كامل على أهمية قاعدة العديد الجويّة في قطر وأنها ستبقى فيها، وتشكر قطر وتعبّر عن امتنانها لها، في نفس الوقت الذي يؤكّد فيه الرئيس ترامب أن بلدانًا أخرى كثيرة مُستعدة للتعاون لفتح قواعد جويّة أمريكية فيها لا قطر وحدها، تصريحات ربما تحمل في نظر البعض رسالة: «أُريدك معي، ولكن كما أريد أنا».

نمطٌ صريحٌ في الخطاب؛ افعلوا ما تشاؤون في بيتكم ثم عودوا كُتلة واحدة تحت يَدي، «لكل دولة قضايا تواجهها مع دولة أخرى»، هذا ما قالته الخارجية الأمريكية، ثم أُتبعت هذه العبارة بتأكيدها على التوحّد عندما يتعلق الأمر بمُحاربة الإرهاب، الذي كان وما زال بقيادة أمريكية، «ولكنهم -دول الخليج- اتفقوا على النقطة الأساسية؛ العمل معًا للقضاء على التطرّف، ولا أعتقد أن هذا سيتغير»، وفي خطابات أخرى كثيرة يُؤكد سياسيّون أمريكيون على أهمية «خليج موحّد» لمواجهة الأمر «الأهم والأخطر؛ الإرهاب».

ولكن نمطًا آخر أكثر تكررًا في الخطاب الأمريكي المُوجَّه لدول الخليج في هذه الأزمة؛ «كفُّ» عِتاب تليه توجيهات الوصاية الأمريكية، ثم «قُبلة» شكرٍ وامتنان على تعاون الدول مع الولايات المتحدة ضد الإرهاب، وبذلك تُرضي الدول المُعادية لمن يتلقى «الكفّ» وتُراضيه مرة أخرى حفاظًا على مصالحها. إنها مُعادلة صفرية، عتب ثم مُراضاة، والنتيجة عادة تكون الحفاظٌ على المصالح الأمريكية.

ستنقضي الأزمة في النهاية على الأرجح مُخلفًة شروخًا دبلوماسية كبيرة في الخليج العربي، وقد تحمل فرصًا لحُلفاء جدد ليدخلوا الخليج، كتركيا التي أرسلت حتى الآن ستَ دفعات من جنودها إلى قاعدة تابعة لها في الدوحة تتسع لـخمسة آلاف جندي. ويبقى السؤال ربما المفسر للأمر برمته في نظر البعض: كم دفعت دول الخليج من أموال لضخّ الضغط في الاتجاهين المُتعاكسين في واشنطن؟

المصدر