إلى معالي الوزير الأول/ محمد الأمين بن مزيد

0
323

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى معالي الوزير الأول

الحمد لله وبعد فقد طلب معالي الوزير الأول من بعض أهل العلم والفضل إذا رأوا تصرفا يخالف الشريعة أن ينبهوه عليه . وتجاوبا مع هذا الطلب أردت أن أتبرع بتنبيه الوزير الأول على بعض المخالفات الشرعية فأقول و بالله التوفيق
1. الفساد المالي والإداري منكر كبير يجمع ألوانا من المنكرات ففيه خيانة للأمانة وفيه غش للرعية وفيه أكل لأموال الناس بالباطل ، وفيه صد عن سبيل الله بتشويه سمعة المسلمين وجعلهم فتنة للذين كفروا ، وفيه ظلم للرعية والظلم ظلمات يوم القيامة ، وفيه شهادة بالزور من خلال التقارير المكتوبة الكاذبة ، فالقائمون على الفساد المالي والإداري (سماعون للكذب أكالون للسحت ) وفيه تعطيل للوسائل التي كان يمكن أن تستخدم لتقدم المجتمع ورقيه وازدهاره
إن هذا المنكر الكبير المركب من أنواع من المنكرات يجب السعي إلى تغييره في أسرع وقت ممكن واتخاذ الإجراآت اللازمة لذلك ومن الإجراآت التي يمكن اتخاذها :
تطبيق المبدإ العمري من أين لك هذا؟
ومنها : تشكيل لجنة وزارية مصغرة مهمتها السعي لتكون بلادنا من أقل الدول فسادا في العالم .
ومنها :أن يكون كبار المسؤولين قدوة في الاستقامة المالية والنظافة والنزاهة .
ومنها الصرامة في التعامل مع المفسدين .
ويمكن التعاون مع منظمة الشفافية الدولية في تغيير هذا المنكر الكبير .علما بأن الفساد يعني عندهم : استغلال السلطة لتحقيق منافع شخصية
2. من أعظم مهمات الحكومة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة كما قال الله عز وجل ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) وتشهد بلادنا انتشارا فظيعا للمنكرات (تعاطي الخمور والمخدرات-الزنا- الاغتصاب ) وبين الحين والحين يعلن عن القبض على شبكات واسعة تقوم بجرائم منظمة في هذا المجال تضم مواطنين وأجانب وقد صارت أماكن هذه المنكرات معروفة للخاص والعام وانتقلت في بعض الأحيان من التخفي إلى المجاهرة ، وعرف الأجانب ضعفنا وتساهلنا في هذا المجال فتجرؤوا
إن تغيير المنكرات من أهم واجبات الحكومة التي لا عذر لها في إهمالها ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) وقد قال الله عز وجل (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون )
وعلى الحكومة في هذا المجال أمران
الأمر الأول: الوقوف الحازم في وجه المنكرات وإقامة حدود الله تعالى وتفعيل دور شرطة الأخلاق فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن
الأمر الثاني : الاعتناء بالدعوة وتنمية الوازع الإيماني والضمير الأخلاقي وغرس معاني التقوى حتى يصير الفرد حي الضمير يقظ الوجدان يأتمر وينتهي من تلقاء نفسه .

3. لا يجوز للرئيس ولا للوزير ولا لأي مسؤول أن يتصرف إلا طبقا للمصلحة فالرئيس ومن دونه وكلاء عن الناس والوكيل لا يجوز له أن يتصرف إلا طبقا لمصلحة موكِّله ومن القواعد الفقهية المعروفة عند العلماء (تصرفات الإمام منوطة بالمصلحة) ومما يترتب على ذلك أن عقد الصفقات ، وتوقيع الاتفاقيات ، والتعيين في المناصب وغير ذلك لا بد أن يخضع لهذه القاعدة .
4. التعيين في المناصب يشترط فيه شرطان لا يغني أحدهما عن الآخر :
الأول الكفاءة والقوة والقدرة على أداء المهمة التي سيكلف بها
والثاني : الأمانة والاستقامة ( إن خير من استأجرت القوي الأمين ) والقوة في كل عمل بحسبه فالقوة المطلوبة في القائد العسكري ليست كالقوة المطلوبة في الدبلوماسي والقوة المطلوبة في القاضي ليست كالقوة المطلوبة في الإداري . وإذا لم يوجد من تتوفر فيه الصفات على أكمل الوجوه يجوز تعيين الأمثل فالأمثل على أن يكون هناك سعي حثيث لاستكمال جوانب النقص .
5. التصرف في ثروات البلاد والتعامل مع الشركات الأجنبية فيها يجب أن تحكمه مراعاة المصلحة العامة ويجب الابتعاد عن المنافع الشخصية في هذا المجال فلا يجوز التفريط في مصالح الأمة مقابل ثمن بخس تدفعه الشركات للمفرِّطين في المصلحة العامة ولذلك يجب أن تكون شروطُ العقد محققةً للمصلحة العامة . ولا يجوز التفريط في سلامة الناس وصحتهم وتعريضهم للأوبئة والأمراض نتيجة التساهل في التعامل مع شركات لا تقيم للأخلاق وزنا . فالسكوت عما تسببه هذه الشركات من أضرار للبيئة البرية والبحرية من المحرمات الكبيرة ، وبالإمكان الاستفادة من التجارب العالمية في التعامل مع الشركات العاملة في مجال استخراج الثروات فنشترط الشروط التي تحقق المصلحة العامة وتُجَنِّب بلادَنا الأضرار المُدمِّرة التي تخلِّفها هذه الشركاتُ في بيئتنا
(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته )
6. هناك إهمال شديد في رعاية صحة الناس وحمايتهم من المواد الغذائية الفاسدة والمواد الضارة والمواد المنتهية الصلاحية ، ويحقق تجار هذه المواد أرباحهم على حساب صحة الناس . والتساهل في هذا خيانة للأمانة وإهمال للرعاية واستقالة من واجبات الحكومة ومن العجب أن توجد حكومات كافرة أفضل في حماية مواطنيها ودرء الأخطار عنهم من حكومات مسلمة . وقد تفاقم الوضع وشاعت الأمراض التي لا عهد للناس بها واستغرب الأطباء في الدول المجاورة جنوبا وشمالا واقع الصحة في بلادنا أما المواطن البسيط فهو يدرك أن بلادنا صارت مكبا لنفايات الأغذية الفاسدة والأدوية المزورة والسلع الكاسدة . لقد عرف التاجر ضعف القوة الشرائية عند المواطن فجلب إليه سلعا رخيصة يدفع ثمنها من صحته وحياته . فالواجب شرعا اتخاذ الإجراآت الكفيلة بدرء هذه الأخطار عن المواطنين .
7. من المحرمات التي لا يجوز إقرارها ولا السكوت عنها اختلاط البنين والبنات في المدارس بلا وازع ولا رادع كما يختلطون في باريس ولندن وموسكو وقد كانت فكرة (ثانوية البنات) عند المؤسسين القدامى تنم عن (بقية أخلاق وشيء من التقوى ) ولكن يبدو أن أنصار التغريب حاصروها فبقيت يتيمة وكان المفروض أن تعمَّم التجربة في كل أرجاء الوطن . فالواجب شرعا بدء التحرك في هذا المجال وإيجاد تعليم ينفصل فيه البنون عن البنات وسنجد عند التطبيق أن العقبات التي يزعمها التغريبيون عقبات وهمية ، ويمكن الاستفادة من تجربة الدول التي طبقت هذا النظام بنجاج وبالمناسبة فليست هذه الدول كلها دولا ثرية فهذا النظام مطبق في جامعة أم درمان الإسلامية في السودان مثلا .
8. إقامة العدل من أوجب الواجبات الشرعية فقد أرسل الله الرسل وأنزل الكتب لإقامة العدل ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط )ولا يجوز أن يتأثر هذا العدل بالقرابة أو الصداقة أو العداوة أو الغنى أو الفقر ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)
ومهمة القضاء هي الفصل بين المتخاصمين وإيصال الحقوق إلى أهلها ، والمتقاضي في بلادنا يعاني الأمَرَّيْن وهو يعُدُّ الشهور والسنين قبل أن يصل إلى حقه ، وهذا منكر يجب تغييره ليصل صاحب الحق إلى حقه في أسرع وقت وليعوض عما أنفقه من أجل الوصول إلى حقه كما هي سنة الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز . وفي هذا المجال تجب محاربة الرشوة التي ضيعت الحقوق وأفسدت المجتمع فهي من المنكرات الشائعة
9. يشترط في القاضي معرفة الشرع والفقه في الدين بل يشترط الفقهاء في القاضي أن يكون مجتهدا وإذا لم يوجد المجتهد يختار أمثل المقلدين ، وتولية قضاة جهال بالشرع من الأمور المخالفة للشريعة فالقاضي مطالب بالحكم بما أنزل الله فإذا كان لا يعرف ما أنزل الله فكيف يقضي به ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” القضاة ثلاثة واحد فى الجنة واثنان فى النار فأما الذى فى الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ورجل عرف الحق فجار فى الحكم فهو فى النار ورجل قضى للناس على جهل فهو فى النار .”فيجب عزل قضاة النار وهم القضاة الجهال والقضاة الجائرون .
10. عرف العلماء الإمامة بأنها خلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حراسة الدين وسياسة الدنيا بالدين فمن أهم الواجبات الشرعية تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة أحكامها المعطلة و أن تنطلق الحكومة في كل سياساتها من الشرع جلبا للمصالح التي يدعو إلى تحصيلها ودرءا للمفاسد التي يحذر منها . ومن أكبر المخالفات الشرعية ممارسة سياسة أمور الناس بعيدا عن الشرع كما تفعل الحكومات اللائكية . ومن مظاهر هذه اللائكية استيراد القوانين وتشريعها وإصدارها من غير استناد إلى الشرع .
11. من الجرائم التي تدمر المجتمع وتقضي عليه جريمة (تجارة المخدرات) ويسرح تجار المخدرات في بلادنا ويمرحون بلا وازع ولا رادع ويكثر القيل والقال حول سبب ضعف الحكومة في مواجهة تجار المخدرات ، فالواجب شرعا الحزم والصرامة مع هؤلاء التجار وتطبيق حد الحرابة عليهم فهم من أسوإ ( الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا )
12. من المحرمات التي يجب التنبيه عليها الدخول مع الكفار في مخطط محاربة الإرهاب الذي يخفى وراءه الحرب على الإسلام والذي تمتد غاراته في المنطقة الإسلامية لتشمل اليمن والعراق وباكستان وأفغانستان والصومال ونيجريا ومالي وغيرها ، فلا يجوز تسخير بلد مسلم ليكون جنديا تحت إمرة الصليبيين وهو يكون كذلك إذا كانت الفكرة والتخطيط والقيادة الفعلية بيد الصليبيين ولتنفيذ مخططاتهم والمطلوب الابتعاد عن وحَل هذه الحرب القذرة ومخططاتها الصليبية .
13. من الأمور المحرمة الشائعة في إداراتنا : إضاعة أوقات الناس بالمواعيد الكاذبة والمطلوب شرعا أن يكون المسؤول شجاعا فلا يحادع الناس ولا يعدهم مواعيد لا يريد إنجازها وينبغي إصدار تعميم يحذر من هذه الظاهر ة :
إذا قلت في شيء نعم فأتمه فإن نعم دين على الحر واجب
وإلا فقل : لا تسترح وترح بها لئلا يقول الناس إنك كاذب
وكذلك من المظاهر السيئة الشائعة في إداراتنا هذه الأبواب المغلقة التي يزدحم الناس خلفها وهم يتسمَّعون إلى حركة الباب لعلها تأتي بالفرج والجالسون هناك على الكراسي لا يأبهون بهؤلاء المساكين المنتظرين ولا تقلقهم مشكلاتهم فيما يبدوا والمطلوب اتخاذ قرار فوري بفتح أبواب الإدارات أمام الناس وتجريم غلق الأبواب أو جعل الأبواب زجاجية كأبواب الحلاقين في بعض البلاد ليرى الجمهور ما يدور خلف الباب
وكذلك من الأمور المخالفة للشرع في إداراتنا الخلْوةُ المُحَرَّمة بين المسؤول والمراجعات من النساء أو بين المسؤول والسكرتيرة .
14. من الموبقات التي ورثناها عن المحتل السابق موبقة الربا وهي موبقة تمارس جهارا نهارا في مؤسساتنا البنكية والواجب شرعا هو التخلص من هذا المنكر وقد تيسر الأمر الآن بعد أن طبقت تجربة البنوك الإسلامية وبعد أن أصبح المتخصصون في مجال الاقتصاد الإسلامي كثرة ، وقد وصلت التجربة إلى بلادنا وهي بحاجة إلى رعاية وعناية وتشجيع وإشراف ويجب تعميمها .
15. من المحرمات الشائعة في بلادنا : التأمين التجاري المبني على الغرر المحرم وقد حاول المسلمون في أقطار شتى من العالم الإسلامي التخلص من هذا التأمين المحرم وإحلال بديل إسلامي محله ، وهناك تجارب في هذا المجال يمكن الاستفادة منها .
16. من الجرائم المتعلقة بالعقيدة فتح الباب أمام المنصرين ليقوموا بمهماتهم التنصيرية في مختلف أنحاء الوطن والسماح بإقامة علاقات خاصة بين المنصرين والسجناء والواجب شرعا الوقوف بحزم في وجه هؤلاء المنصرين وعدم التعاون معهم
17. من الأمور المخالفة للشريعة إحلال عطلة الأحد اليهودية النصرانية محل عطلة الجمعة ففي ذلك موالاة لليهود والنصارى وتشبه بهم واتباع لسنتهم وطاعة لأوامرهم والله عز وجل يقول ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( من تشبه بقوم فهو منهم )

تلك أمور أردت أن أعين الوزير الأول بالتنبيه عليها وهو في أيامه الأولى وسيكون من المشجِّع لي على الاستمرار في التنبيه والتوجيه أخذ هذه الرسالة بعين الاعتبار والسعي في القضاء على ما نبهت عليه من منكرات .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

بقلم / الدكتور : محمد الأمين بن الشيخ بن مزيد