“اندر” مدينة الثقافة والتاريخ والأدب والعلماء والعظماء

0
64

” لمدينة اندر تاريخ كتب بالضوء في سِفر الزمان، الآن أقف على قنطرة القسم الشرقي من “تِينُ جِگَيْنْ” تماما كما وقف العلامة المؤرخ المختار ولد حامد يعْتَبِرُ بمن يمر عليها من “گورْ” وَ”جِگَين” (رجال ونساء).

أعبر القنطرة “صالة اميسَ فدرو” إلى القسم الأوسط انْدَرْ الأبيض لأجوس خلال ديار حيّي “سَنْدُونَه ولَوْضَة” ثم أعبر قنطرة أهل محمد لحبيب إلى “آگْمَيْنِي”، إلى حيث مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان، ملتقى نهر السنغال والمحيط الأطلسي.

ورائي التاريخ كوم رماد، وما الدهر إلا مَنْجَنُونٌ يُقلب، قنطرتا اندر تمتدان على بحر لجي تصلان الجزر الثلاث.

اندر
فتنت بشطيك العباد فلم يزل :: قاص يحجهما ودان يرمق
وتضوعت منك الدهور كأنما :: في كل ناحية بخور يُحرق
كم موكب تتخايل الدنيا به :: يجلى كما تجلى النجوم وينسق
خلع الزمان على الورى أيامه :: فإذا الضحى لك حصة والرونق
لك من مواسمه ومن أعياده :: ما تحسر الأبصار فيه وتبرق
أبناء اندر بملابسهم المطرزة البيضاء والرزرقاء و”امناتْ اندر” يلبسن أكسية الإضريج والشرعبيّ ذا الأذيال.

دار أهل ابن المقداد وصحت عقود سبعة، أربعينيات القرن الماضي “عصر المهاجريَّ” ولعور ولد انگذي يسقي القوم من هوله صافية لا للسلاف ولا للورد رياها، والأمراء الدان وسيدي أحمد ولد أحمد العيده وأحمد للديد وأحمد سالم ولد إبراهيم السالم، وابفال يقول من التمجاد ش زين الول ابنو المقداد..

امحمد بن أحمد يوره في ليلة نابغية:
تطاول ليلي ولم ينقضِ :: ظلام أحاط ولم أنهض
فتبا للوضَ ورهبانها :: إلى قصر سندونة الأبيض
فتينجگين فگرجانها :: لقصر سليمان ذي المربض

أجوب شوارع سندونة وحيث أمر، أمر على معشب يختزن تاريخا عبقا، مكاتب زارها الشيخ سعد بوه والشيخ سيديا باب والشيخ الولي بن الشيخ ماء العينين..
كنت أصيخ السمع علّي أسمع دقات الساعة الكبيرة بقلب “اندر لبيظ” وقد تلاقت عقارب الساعة عند الثانية عشرة زوالا “ميدِ”، فذلك موعد تناول وجبة الغداء في دار محمدن ولد ابنو المقداد يقول امحمد:
كنا إذا ضربت وقت الزوال مِدِي :: لم يلتفت أحد منا على أحد
ترى السلالم فيها القوم مسرعة :: ما بين مرتجف منها ومرتعد
لم تدق الساعة، ولم يهرع القوم إلى الدار المعهودة للجودة، لست أدري من أين أبدأ بوحي ولا من أين تبدأ الشفتان..
هنا دكان الفتى الألمعي إفكو ولد محم بيد:
إفكو گط انشالْ :: ذو ليامْ اعْلَ اندرْ
وألاّ گبْلَ مزالْ، :: إفكو بعد احصرْ
هنا زارت الفنانة النعمة بنت اشويخ الفتى إفكو فقال:
نعمتْ ملانَ حد بعدْ :: النعمه جاتو وانَ
مانِ گايلْ عنْ هونْ حدْ :: كارهْ نعمتْ ملانَ

نمضي مع إفكو موغلين في أرض السنغان ” رَوْ – اللوگه – كبَ مَيرْ – كيص – تنگديد (ريفيسك) – دكار”
زارت مريم منت المختار دكار ذات صباح زيارة قصيرة استغرقت ساعات فقط علم إفكو بالزيارة بعد انقضائها فكتب:
مريم منت المختار:: جاتْ اليوم الْ دكار
ألا گاشوشْ انهار :: مضّاتو واسّدبات
گول إلهَا عن لخبار:: تبگ فالدار اعيات
ءُ گول إلهَا عن لمگاد :: امنين إلْ جات اتبات
ءُ گول إلهَا عنه زاد :: أراهيّ غزات

“وَكامْ” تلك الضاحية الجميلة من العاصمة داكار غربا على ساحل المحيط الأطلسي عند السفح حيث اجتمع الشمل ذات عهد، نقف مع المرحوم جمال ولد الحسن على ديارالأهل في “وَكامْ” وقد دارت الأيام حيث يقول:
أوَكامُ من بعد عليك سلام :: ذهبت بحرّ جمالك الأيام
أنكرت منك وقد عرفت معالما :: وبدت وقد خفيت بك الأعلام
أنكرت مني مثل ما أنكرت منــك فطيّ صمتك ياوكام كلام
فعجبت من شيبي ومن صلعي وأن :: قد ليث من دون اللثام لثام
فلقد عرفتك والزمان مدللي :: وأنا على كتف الزمان غلام
مرت سنين يا وَكام كثيرة :: ودهت خطوب يا وكام جسام
وتفرق الحي الجميع وقطعت :: بين الأ حبة ياوكام زمام
سقيا لعهدك ياوكام فإنه :: عهد له دون العهود ذمام

نعود في رحلة مع الزمن إلى يوم السبت السابع من شوال سنة 1305هـ الموافق 16 يونيو 1888م تحركت السفينة “البابور” من ميناء دكار ماخرة عباب الأطلسي نحو الشمال، كان من بين ركاب السفينة الشيخ العلامة محمد فال بن باب “اباه” ورفيقاه محمد الكبير بن العباس ومحمد الحسن بن ألمين متجهين لحج بيت الله الحرام وزيارة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ابتلعت اللجة الساحل، وهاج الموج تحت السفينة، ولفت الزرقة المدى، بعد خمسة أيام من الإبحار من داكار بدت أعلام جزيرة “تناريف – tenerife” تلوح من بعيد، وصلت السفينة ورست على شاطئ تناريف أكبر الجزر الخالدات “مجموعة جزرالكناري – canaria”. بدت جبال تناريف أكبر من كدية “الزرگه” وجبال أوجفت فقال الشيخ العلامة محمد فال بن باب مخاطبا رفيقه محمد الكبير، وهو من سكان أرض الحجرة على تخوم أوجفت:
أقول وقد لاحت كَنارِ جبالها :: وأرسى بنا البابور صبحا وأوجفا:
ألا هل رأى الخِلُّ الكبيرُ كهذه :: لدى جانب “الزرقاء” أو جنب “أوجفا”
في دكار لا ظباء الحمى رددن سلامي والخلاخيل ما لهن زنين
إني وإياك لمسئلان
يلّ مانك سَوْ :: أعطينَ لخبارْ
أشحالْ أهلْ رَوْ :: واندرْ ءُ دكار

في تلك الغرفة خافتة الإضاءة كان الجو هادئا، تعرضت الثريا في السماء بأنجمها السبع تعرض أثناء الوشاح المفصل، تذكرت أساطير جدتنا عن تلك النجوم التي لا تشيخ، الثرياء والزهراء التي فتنت الملكين، والمشبوح المعذب بشبحه في السماء. ذكرني المشبوح بأبي الهول الذي يقول عنه شوقي:
أبا الهول طال عليك العصر :: وبلغت في الأرض أقصى العمر
فيا لِدة الدهر لا الدهر شب :: ولا أنت جاوزت حدّ الصغر
إلامَ ركوبك متن الرمال :: فأيّان تُلقي غبار السفر
أبا الهول ماذا وراء البقاء :: إذا ما تطاول غير الضجر

وتذكرت رائعة الأديب إسماعيل ولد محمد يحظيه عن فناء الأجيال وتوالي الحقب وصمود ذلك المشبوح نديم الدهر:
يلالى يذ من لعمار :: گط أخلگ وافرغ من لعمار
ؤمذ گط انبت من لخظار :: وانشاف أمن أشود ءُ لبلوح
ؤمذ گط أنبع من لگرار:: ءُ مذ گط انبغ من مَ نوح
ءُ مذ گط أفيدد من نار :: و أسيل من دم المسفوح
ؤمذ گط اصهر من لعصار :: يتنيمش فيدين المشبوح
مافيهم شمل اتل ملتم :: ءُعادت منهم لوكار اتفوح
ءُ فرغت گوم المشبوح ءُتم :: المشبوح افبلو مشبوح

بين يدي هذا التداعي الحر، أترككم فإلى اللقاء كونوا بخير

كامل الود

من صفحة إكس ول اكرك