بعد فوزر ترامب: حلب تعيش أسوأ أيامها على الإطلاق

0
116

يعيش المدنيون شرقي مدينة حلب السورية، الخاضعة بالأساس لسيطرة المعارضة، «أسوأ الأيام على الإطلاق»، فيما اكتفت الأمم المتحدة بالتحذير، لتسارع المعارضة في التوحد تحت «جيش حلب»، لمواجهة النفوذ المتصاعد للنظام السوري وحليفه الروسي على جغرافيا المدينة، ذلك النفوذ المرشح بأن يتلقى المزيد من التأييد الدولي بعد وصول الوافد الجديد للبيت الأبيض.

«أسوأ الأيام على الإطلاق»

«لقد استيقظت اليوم على نبأ مقتل أعز أصدقائي، بالقرب من مستشفى، حينما كان يبحث عن منزل جديد لأسرته»، هكذا يحكي الشاب السوري أحمد عزيز، واصفًا ما يعيشه في شرقي حلب بـ«أسوأ الأيام على الإطلاق»، مُضيفًا أنّه «شيء لا يمكن تخيله، نحن نشهد أسوأ الأيام على الإطلاق، نحن لا يمكننا التحرك ورؤية بعضنا البعض بسبب القصف المجنون».

كان المستشفى الذي قُتل بجانبه صديق أحمد، خارج نطاق الخدمة، إذ أفادت منظمة الصحة العالمية في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن كل المستشفيات الميدانية شرقي حلب باتت «خارج الخدمة، وتوقفت عن إسعاف المصابين والمرضى منذ منتصف الشهر الماضي، بسبب الغارات المتواصلة»، وهي معلومة تؤكدها فريدة التي تعمل طبيبةً في مركز طبي شرقي حلب، وليست مستشفى، بسبب استهداف «جميع المستشفيات» على حد تعبيرها، واصفةً الموقف على الأرض بأنه «أسوأ مما يُمكن تخيّله»، «نحن محبطون»، تُنهي فريدة حديثها.

هذا، وقال جان إيجلاند، مستشار المساعدات الإنسانية، للمبعوث الأممي إلى سوريا، دي ميستورا، إن العمليات الجراحية شرقي حلب المحاصرة تجرى في الأدوار السفلى من المنازل «دون أي تخدير».

ويبلغ عدد المحاصرين شرقي حلب حوالي ربع مليون شخص، بينهم 100 ألف طفل، بحسب تقديرات أممية، فيما تمكن 30 ألف شخص من النزوح من المدينة خلال الأيام الماضية.

ومن بين المحاصرين، عبد الكافي (مدرس بالجامعة)، الذي قال إن «تخيل فقط أننا محاصرون منذ أربعة أشهر. لا طعام ولا علاجًا طبيًا أو دواء»، مُضيفًا: «زوجتي مريضة وابنتي الرضيعة لا تجد حليب الأطفال، لكنهما لا تزالان على قيد الحياة»، ويبدو أن الموقف بات أشد صعوبة على طفلة عبد الكافي وأسرته الصغيرة، «مع نفاد المخزون الغذائي» شرقي حلب المحاصرة بحسب إيجلاند.

راسم البسمة على وجوه الأطفال

ومع تردي الأوضاع الإنسانية والمادية التي يعيشها المدنيون السوريون في المنطقة المحاصرة شرقي حلب، وبالأخص الأطفال منهم، بسبب نقص الغذاء والدواء ومخاطر القتل؛ قرر أنس الباشا (24 عامًا) البقاء شرقي حلب، ليحضر الهدايا والألعاب للأطفال، ويعمل مُهرّجًا أحيانًا، ويُلون وجهه بألوان مبهجة، عسى أن يُسعدهم ويرسم البسمة على شفاههم، ويعيد الأمل لهم.

«رفض أنس مغادرة حلب، وقرر البقاء لمواصلة عمله متطوعًا لمساعدة المدنيين، وتقديم هدايا للأطفال في الشوارع، عساها تعيد لهم بعض الأمل»، هكذا يحكي محمود شقيق أنس، لافتًا إلى أن أخيه «عاش ليسعد الأطفال، ويضحكهم في أحد أحلك المنطق وأكثرها خطرًا»، وهو ما تؤكد عليه سمر حجازي، مسؤولة أنس في عمله التطوعي بجمعية «فضاء الأمل»، قائلةُ: «كان يمثل أمام الأطفال أدوارًا هزلية ليكسر الحواجز بينهم».

ولكن عمل أنس توقف الثلاثاء الماضي، بعد أن لقي حتفه في غارة جوية، على حي المشهد، شرقي حلب. وقال محمود، في منشور له على موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، إن الروس والنظام السوري، قتلوا شقيقه «الذي كان يعمل ليل نهار لرسم البسمة على وجوه الأطفال السوريين».

مقاتل المدنيين

ولم يكن أنس الذي فضّل البقاء شرقي حلب، أوفر حظًا من 25 سوريًا قرروا النزوح، وقتلتهم الغارات السورية، الثلاثاء الماضي أيضًا، أثناء فرارهم من شرقي حلب، قبل أن ينضم إليهم 45 نازح آخرين، قُتلوا بقصف مدفعي للنظام السوري، يوم الأربعاء الماضي، أثناء فرارهم لمناطق أكثر أمنًا وابتعادهم عن المنطقة المحاصرة شرقي حلب.

وتناثرت جثث الأطفال والرجال والنساء في طرقات المدينة مصحوبة ببعض الحقائب التي حملوها أثناء رحلتهم للنزوح التي لم تكتمل. وهذا فيديو يظهر آثار القصف ويحكي متحدثان عن ظروف مقتل ذويهم وإصابتهم.

وحول حصيلة القتلى في سياق زمني أوسع، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بمقتل أكثر من 300 شخص نتيجة القصف المدفعي والغارات الجوية النظامية شرقي حلب خلال آخر أسبوعين من الشهر الماضي، فيما قتل 48 شخصًا نتيجة قصف المعارضة على المناطق الغربية لحلب التي تقع تحت سيطرة الحكومة.

ووثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 1279 مدنيًا خلال الشهر الماضي، قُتل معظمهم على أيدي النظام السوري وحليفه الروسي، إذ قُتل 675 مدنيًا بسبب الغارات الجوية السورية والروسية، كما قُتل 193 بينهم 36 طفلة، و26 امرأة، وذلك في قصفٍ لقوات النظام بالقذائف الصاروخية، والمدفعية.

يُضاف إلى ذلك مقتل 32 شخصًا، بينهم امرأة واحدة، تحت التعذيب في معتقلات النظام السوري، فيما قُتل 173 شخصًا، بينهم 53 طفلًا، و25 امرأة، بسبب نيران وقذائف فصائل معارضة إسلامية.

ويقول علاء زيدان، وهو مصور، عن محاصرة شرقي حلب: «نحن نموت، نحن بحاجة للذهاب إلى جنوبي حلب لأننا نموت»، مُضيفًا: «نظام الأسد يقتلنا، 270 ألف شخص ربما يموتون هنا، نحن بحاجة إلى حل الأزمة في حلب الآن، من فضلكم أسرعوا أسرعوا».

تحذيرات الأمم المتحدة

جاءت استجابة الأمم المتحدة لاستغاثات زيدان وغيره من المحاصرين شرقي حلب ضعيفة كما العادة، إذ اكتفت المنظمة الأممية، بالتحذير من أن تتحول المدينة السورية إلى «مقبرة ضخمة»، مع استمرار حملة النظام السوري لاستعادة الأجزاء الخاضعة تحت سيطرة المعارضة شرقي المدينة، بحسب ما جاء على لسان وكيل الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة، ستيفن أوبراين، وهو نفس الوصف الذي استخدمه رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، عندما قال إن «أحياء حلب الشرقية تحولت إلى مقبرة»، نتيجة غارات النظام عليها.

وخلال كلمة له أمام مجلس الأمن، حث أوبراين الدول الأعضاء بالمجلس على حماية المدنيين، مُطالبًا بتأمين وصول المساعدات للمدنيين المحاصرين في مناطق سيطرة المعارضة.

في المقابل، طالبت 223 منظمة غير حكومية، الأمم المتحدة باتخاذ إجراء لإيقاف المعارك في حلب، وإنقاذ المدنيين فيها، بدلًا من مجلس الأمن «الذي تخلى عن السوريين وعجز عن وقف هجمات النظام السوري شرقي المدينة»، على حد وصف بيان تلك المنظمات.

ودعت تلك المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية، التي تعمل في 45 دولة حول العالم، وتضم منظمتي العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، أعضاء الأمم المتحدة، البالغ عددهم 193، لعقد جلسة طارئة للجمعية العامة للمطالبة بـ«إنهاء كل الهجمات غير الشرعية في حلب والمناطق السورية الأخرى، وضمان إدخال مساعدات إنسانية بشكل فوري من دون قيود، وبالعمل على ملاحقة مرتكبي الجرائم الخطيرة في سوريا أمام القضاء الدولي».

وفي سياق متصل، أطلقت كندا مبادرة مشابهة، وحصلت على موافقة 73 دولة، لطلب عقد اجتماع طارئ للجمعية العامة بشأن سوريا. ويمكن أن تحل الجمعية العامة للأمم المتحدة محل مجلس الأمن، في حال عجزه عن حفظ السلام والأمن الدوليين، إلا أن صلاحيات الجمعية العامة تظل محدودة بالمقارنة بمجلس الأمن، وقرارتها تعتبر غير ملزمة له وإن حملت بعض الحيثية الأخلاقية.

روسيا لا تهتم.. وفصائل معارضة تتوحد في «جيش حلب»

لم تهتم روسيا كثيرًا بالانتقادات التي طالتها، نتيجة قصفها المستمر لشرقي حلب، وحصارها له، إلى جانب القوات السورية، دون فتح طرق آمنة للمدنيين، وظهر ذلك بوضوح في تصريح لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، قال فيه إن «واجهنا انتقادات في هذا الشأن (استمرار الضربات العسكرية الروسي شرقي حلب) لكننا مستمرون لأن هؤلاء المدنيين يتم استخدامهم دروعًا بشرية من قبل الجماعات الإرهابية».

من جهة أخرى، لم تنتظر المعارضة السورية كثيرًا الإجراءات الدولية البطيئة بشأن سوريا، وتوحدت كل فصائلهاالموجودة شرقي حلب تحت جيش واحد حمل اسم «جيش حلب»، بقيادة المعارض أبو عبدالرحمن نور، لمواجهة النظام السوري، وحلفائه الدوليين، في خطوة اعتبرها محللون أنها «جاءت في الوقت المناسب».

ويُقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان عدد مقاتلي المعارضة شرقي حلب بـ15 ألف مقاتل، بينهم 400 من جبهة فتح الشام (النصرة سابقًا قبل انفصالها عن تنظيم القاعدة).

وبحسب المرصد، فقد سيطر النظام السوري المدعوم بمقاتلين أجانب، على 40% من الأحياء الشرقية لمدينة حلب، منذ بدء هجومه الموسع شرقي المدينة قبل 15 يومًا، وهذه خريطة تظهر محاصرة النظام السوري لشرقي حلب، وسيطرته على معظم أجزاء مدينة حلب:

مستقبل الأزمة السورية بعد وصول ترامب

في الوقت الذي يبعث فيه «جيش حلب» الأمل، على المستوى المحلي لمعارضي النظام السوري، قد يتقلص الدعم الدولي للمعارضة من الولايات المتحدة الأمريكية، بخاصة بعد فوز المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، في انتخابات الرئاسة الأمريكية، تمهيدًا لوصوله رسميًا للقصر الأبيض في يناير (كانون الثاني) المقبل، بعد دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين له في الانتخابات الرئاسية.

وكانت أمريكا في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، تتخذ مواقف سياسية داعمة للمعارضة السورية، ومعارضة للنظام السوري، دون أن تتطور لمواجهة عسكرية ضد الأسد، إلا أن الدعم السياسي للمعارضة في سوريا، كان يُشكّل نوعًا ما من التوازن داخل حلبة الصراع السورية.

وأكد ترامب بشكل واضح عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية، لصحيفة «وول ستريت جورنال»، أن «تعزيز نظام بشار الأسد هو الطريق الأفضل للقضاء على التطرف الذي ازدهر في فوضى الحرب الأهلية والذي يهدد أمريكا»، وذكرت صحيفة الجارديان البريطانية، أن السياسة التي يفضلها ترامب في الأزمة السورية، تتمثل في تحالفه مع روسيا وسوريا، لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لافتةً إلى أن ترامب عبّر عن عزمه إنهاء الدعم الأمريكي للمعارضة السورية المسلحة، رغم طلبها ذلك منه.

وعليه، فمن المتوقع أن تنصرف الولايات المتحدة عن دعم المعارضة السورية، وتوجهها لدعم الأسد وروسيا تحت اسم «الحرب على الإرهاب»، مع بقاء الدعم لعدد من الدول العربية والغربية للمعارضة السورية، وهو دعم مرشح للتقلص أيضًا، إذا ما وصل اليمين المتطرف إلى الحكم في فرنسا في الانتخابات التي تنتهي في مايو (أيار) المقبل، ليبقى الرهان في النهاية على قدرة المعارضة في التوحد وتحقيق مكاسب عسكرية محلية في مواجهة نظام الأسد وحلفائه الدوليين.

المصدر