رأي فقهي حول تحديد قيمة الأوقية / السالك ولد اعلِ سالم

0
170

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد فيسرني أن أبارك لكل الموريتانيين في عيد الاستقلال الوطني وأجد هذه الفرصة لأقوم بتوضيح بعض الإشكالات الفقهية من وجهة نظري المتواضعة ، باعتباري طالب علم متواضع ولست بفقيه وفي البلد من الفقهاء والمثقفين من هو أجدر مني بالكلام والتوجيه والتصويب في مثل هذه المناسبات العلمية .

خلال الحفل الذي أقيم بمناسبة عيد الاستقلال المجيد أعلن صاحب الفخامة السيد رئيس الجمهورية، عن تحديد قيمة جديدة للعملة الوطنية (الأوقية )، مما قد يتسبب في تشويش كبير على أذهان الناس بصفة عامة وغير المتخصصين بصفة خاصة.

ومن أهم الإشكالات التي سيثيرها هذا الإصلاح النقدي الجديد ما يتعلق بالقروض والأجور وما شاكل ذلك من المعاملات المالية .

ومن الناحية الفقهية فإن الأوراق النقدية التي نتعامل بها اليوم تستمد قيمتها من كونها صارت ثمنا للأشياء وقيمة للمتلفات بدلا من الذهب والفضة {المعاملات المالية المعاصرة ، وهبة الزحيلي ، ص 154} .

فعلة الربا في النقد ين موجودة في كل فلوس تواطأت عليها الناس وجعلتها أثمانا للأشياء ، سواء كانت فلوسا مصنوعة من المعادن أو أوراقا نقدية فلها حكم المثلية في حالات التضخم وتغير الأسعار يقول الدسوقي : وإن بطلت فلوسا فالمثل أوعد مت فالقيمة …ترتبت لشخص على غيره ، من قرض أو بيع أو نكاح أو كانت عنده وديعة وتصرف فيها أود فعها لمن يعمل بها قراضا {حاشية الدسوقي ،ج3 ، ص 45 } .

ويقول البهوتي في كشاف القناع : إن الفلوس إذا لم يحرمها السلطان وجب رد مثلها غلت أم رخصت { كشاف القناع للبهوتي ، ج3 ، ص 325 }.

وهذا الحكم الذي هو رد المثل هو الحكم الذي يظلقائما طالما كان التعامل بالفلوس معتبرا أي مادامت محتفظة بثمنيتها, فإذا أبطلها الحاكم ، أو قام باستبدال غيرها بها أو كسدت ، فإن المرجع في هذه الحالة إلى القيمة لا المثلية .

وهذا ما جعل العلامة الشيخ عبد الله بن بيه ( حفظه الله تعالى ) يفتي بجواز طبع الأوراق النقدية شريطة خضوعها لضوابط تمنع إنزال الضرر بالناس ، ولهذا يمتنع إحداث نقود تؤدي إلى الفوضى والتضخم فلا يجوز للأفراد ولا للدولة أن تحدث ذلك للقاعدة الشرعية (الضرر يزال ) { توضيح أوجهاختلاف الأقوال في مسائل من معاملات الأموال ،الشيخ عبد الله بن بيه ، ص 81 } .

فضابط الجواز هو عدم إلحاق الضرر بالناس في ممتلكاتهم وعدم بخس أشيائهم وتعريض اقتصادهم للفوضى والاضمحلال ، فالأصل الجواز فيما سلم من ذلك ، خصوصا إذا يظهر سبب يجعل شبهة التحريم قائمة ، كنيابة النقود الورقية عن العين الغائبة مثلا وما شاكل هذا النوع من التعامل الربويالذي يعرض اقتصاد العالم للانهيار.

و من هنا فإن الإصدار الجديد للعملة الوطنية عند اعتماده، سيكون هو العملة الوطنية المعتبرة باعتبارها ثمنا للأشياء وقيمة للمتلفات أما الإصدارات القديمة فتصبح عند انتهاء المدة المحددة لإلغائها أوراقا تالفة أبطلها السلطان، ولا اعتبار لها فتصير مثل أوراق الشجر مثلا.

أما الالتزامات المالية التي كانت قائمة بين الأفراد ، فسيكون الفيصل فيها القيمة المعتمدة عندئذ من الشكل الجديد للعملة كما بينت السلطات المختصة ، فمثلا من كان عليه دين لآخر بقيمة عشرة آلاف أوقية ، فعند صدور الشكل الجديد للعملة سيكون في ذمته لذلك الشخص ألف أوقية ، لأن قيمة عشرة آلاف أوقية من الشكل القديم للعملة هو ألف أوقية من الإصدار الجديد ، كما هو محدد من السلطة المتخصصة , وسيجري هذا في جميع الالتزامات المالية الأخرى كأجر العامل والنفقات المقدرة للزوجات عند المشاحة ومؤخر الصداق وغير ذلك ……..

وليس لأصحاب الديون والالتزامات المالية من المنظور الشرعي بعد صدور الشكل الجديد للعملة إلا قيمة حقوقهم منها، دون زيادة أو نقصان، فالمعتبر هنا هو القيمة وليس الكم أو العدد.

وفي الأخير أشير إلى مسألة مهمة وهي أن مثل هذه المسائل ، كتحديد قيمة العملات وما شاكاها هي من صميم اختصاصات السلاطين ، فالسلطان بحكم مكانته هو الذي يمكنه تحديد مصالح الأمة ، كما ذكر ا لما وردي في تعريف الإمامة : الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا { الأحكام السلطانية للما وردي ، ص 5 ] .

فالذي يسهر على مصالح الأمة ويقدرها في كل الظروف والأحوال هو السلطان، ولذلك اختص بالنظر في مثل هذه الأمور التي تمس مصالح كل فرد من أفراد المجتمع.

والله ولي التوفيق .