كيف يحاول العلم التغلب على الشيخوخة؟

0
342

الإيكونوميست: «يقترب العلم يوميًّا من السيطرة على الشيخوخة.. هل يمكن التحكم في الأعراض الجانبية؟»

لطالما حاول الإنسان التغلب على محدوديته، فهناك من حاول التخلص من ملاصقته للأرض بالطيران فنجح، بل وخرج بالتقنية خارج نطاق الجاذبية الأرضية، ووصل إلى كواكب أخرى. لكن هل تنجح كل المحاولات؟ ربما تكون إطالة عمر الإنسان إنجازًا عظيمًا في الطب، وربما يكون فخًّا له عواقبه، الأهم أن تنتبه البشرية ألا تقع في الفخ مثل «تيثوبس» الطروادي.

نشرت «الإيكونوميست» مقالًا يحاول فيه الكاتب استعراض آخر ما توصل له العلم في محاولات السيطرة على الشيخوخة ووقفها، ثم يتعرض إلى العواقب التي تنتج عن زيادة عمر الإنسان.

يقول الكاتب تخيل عالمًا حيث الحصول على قلب جديد ملائم أو كبد أو كليتين، جميعها استزرعت من خلايا جسمك، صار أمرًا شائعًا سهلًا كما هو الحال مع استبدال المفاصل وعظام الفخذ الآن. أو تخيل عالمًا حيث تحتفل بعيد ميلادك الـ94 بإنهائك سباق ماراثون شاركت فيه مع أصدقاء المدرسة. أو بعبارة أدق تخيل عالمًا حيث انتهت الشيخوخة.

عقار جديد

عالم كهذا ليس ممكنًا الآن، لكن ربما يكون يومًا ما؛ فالشيخوخة، أو بمعنى آخر تضاؤل مهاراتنا وقدراتنا نتيجة التقدم في العمر، تخضع لأبحاث الأطباء والعلماء بشكلٍ مكثف. ربما يكون وقف الشيخوخة بعيد المنال، لكن مع توافر بعض العلاجات الآن صار ممكنًا إبطاء أثر الشيخوخة. فقد ارتفع متوسط العمر في هذا القرن عن القرن الماضي، بفضل الأطعمة الأفضل، والسكن، والصحة العامة، وبعض الأدوية.

يعتمد العقار الجديد على تحديد السعرات الحرارية أو تقييد السعرات الحرارية؛ مما ينعكس بالنهاية على تقليل كميات السموم المخزنة في الخلية، مع التقدم في العمر.

يدعي المتفائلون بهذا العقار أنه سيزيد سقف أعمار الناس اليوم ليصل إلى 120 عامًا تقريبًا، لكن قد تكون تلك البداية فقط. في المرحلة التالية لن يرتفع سقف متوسط العمر فحسب، بل سيصل إلى أقصاه. فإذا بلي جزء من الجسم أو عضو، سيتم إصلاحه أو استبداله، وسيُعَدَّل الحمض النووي لحياة طويلة، وستكون أدوية مضادات الشيخوخة والمعمرين شائعة.

الإنسان والإنسان الخارق

وتحقيقًا لتلك الغاية، يقول الكاتب إن العديد من الآملين في تحقيق ذلك يعدون العدة، البعض يحاول تطوير ورفع مستوى الأنسجة المهترئة باستخدام الخلايا الجذعية، إلا أن مثل ذلك التحسين في الخلايا ليس فقط غير مثبت علميًّا، لكنه أيضًا يبدو أشبه بأساطير مصاصي الدماء. بالإضافة إلى أن مجال الأعمال القائم على استزراع أعضاء من الصفر يسير على نحو جيد، ويتقدم. أما فعليًّا، فتلك الأعضاء الصغيرة التي ما زالت في طور النمو، صغيرة وليست كاملة، ويقتصر استخدامها الآن في اختبارات الأدوية.

لكن بالتأكيد سيتغير ذلك الوضع، فصار من المعروف أن طول العمر يسري في بعض العائلات، مما يوحي بوجود أصناف معينة من الجينات تتسبب في طول العمر. البعض يخضع ذلك للدراسة والتحقيق الآن، واضعين في اعتبارهم أن تقنيات التعديلات الجينية الحديثة قد تستخدم يومًا ما لإحداث تعديلات حيوية حاسمة على الحمض النووي، قد تطيل الحياة لأولئك الذين في حاجة إليه.

طول العمر والمجتمع

قد يبدو هذا من وجهة نظر فردية أمرًا مرغوبًا فيه للغاية، أما للمجتمع ككل سيكون لذلك آثار عميقة، قد يكون أغلبها جيدًا، لكن لا يمنع ذلك وجود السلبي منها.

لعل أحد المآخذ التي تثير القلق هو أن الحياة الطويلة ستؤدي إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية القائمة بالفعل، وسيكون التحدي الأكثر إلحاحًا هو كيفية الوصول للعلاجات المضادة للشيخوخة، فإذا كانت زيادة طول الحياة مكلفة، نحن بصدد صراع من الذي سيصل لها أولًا؟

يمكننا أن نتوقع ذلك من معدلات الدخل الحالية. وزيادة الفجوة من خلال استعمال علاجات لا يمكن للفقراء الوصول إليها، ربما يعمق ذلك الانقسامات الموجودة بالفعل في المجتمعات، والتي تسبب توترات بالفعل للديمقراطيات.

العمل والدراسة

ويطرح الكاتب مجموعة تساؤلات مهمة، هل سيكون هناك تمييز عنصري ضد العمال الأكبر سنًّا، كما هو الحال الآن، أم أن زيادة عدد سنوات عمرهم سيكون سوطًا مسلطًا على من هم أصغر سنًّا؟ وهل سيزداد تشبث الرؤساء بمناصبهم فيحبطون مرؤوسيهم أو من هم أقل منهم؟ أم أنهم سيملون فيقررون الاعتزال والبدء بأمور أخرى مختلفة كلية؟ وهل سيتوقف كل هؤلاء عن النظر إلى أنفسهم أنهم عجائز فتكون سلوكياتهم عفوية وعقلياتهم قوية، وستكون أبدانهم أيضًا مفعمة بالنشاط؟ أم أنهم سيسعون لجعل المجتمعات أكثر تحفظًا؛ فتلك عادة كبار السن؟

لعل أحد الأسباب الباعثة للأمل هو أن هناك احتمالية أن يكون كبار السن أقل ضيقًا في الأفق، فالحياة نفسها ستصير سلسلة من البدايات الجديدة، وليست مجرد قصة واحدة تنتهي مع الشيخوخة. قد تصير أزمات منتصف العمر أكثر من مجرد محاولات استعادة ما خسره الفرد في مرحلة الشباب، بل الأحرى ستتمحور حول كيفية تحقيق الاستفادة القصوى من العمر التالي، ربما 50 سنة قادمة.

ويزيد الكاتب في نظرته على المستقبل؛ فيقول إن التقاعد قد يصير خيارًا مستبعدًا للكثيرين، فمع العمر الطويل ستكون حسابات المعاش التقاعدي هائلة كي تغطي تلك الأعمار الممتدة. ولهذا فإن الملف المهني الشخصي سيكون بالغ الأهمية، وتباعًا يجب أن يتغير النظام التعليمي. يمكن للناس في عمر الـ 50 العودة مجددًا للجامعة ودراسة شيء مختلف تمامًا عن ما درسوه قبلًا. وبالطبع سيحتاج العمال بعض الراحة، وربما يصبح المحاسب طبيبًا، والمحامي يبدأ العمل في الأعمال الخيرية، وربما يأخذ البعض فترات راحة بين المهنة والأخرى، فيعيش حياة صاخبة مليئة بالمجون، وما المانع فهو على يقين أن الطب سيعالجه من أي أضرار تلحق ببدنه.

الأسرة

أما عن وضع الأسرة والحياة الزوجية التي يصيبها الملل الحاجة إلى التنوع ستتبدل هي الأخرى. يتساءل الكاتب في حال صار ذلك ممكنًا كم من الأفراد حقًّا سيقررون ربط أنفسهم بزواج في العشرين، إذا تيقنوا أنهم سيبقون معًا 80 سنة؟! فكرة شريك الحياة الواحد هي بالفعل تنهار، وفي طريقها للندرة. سيتم استبدال «سلسة العلاقات» بالزواج والشريك الواحد، كل علاقة تستمر بالقدر الذي يراه الشريكان ملائمًا لاستمرار الحياة الزوجية بينهما.

أما فيما يخص التناسل، من المفترض أن خصوبة الذكر تعمل بكفاءة إلى أجل غير مسمى، وعلى الرغم من أن مبايض النساء تنتج عددًا محدودًا من البويضات، سيكون العلم والتكنولوجيا قادرين على حل تلك المشكلة، ومن ثم يمكن للأزواج الاستمرار في الإنجاب لعقود من الزمن غير متقيدين بعمر معين. وعلاوة على ذلك، مع وجود سلسلة العلاقات/ الزيجات المتتابعة سيكون من الصعب تتبع الأنساب، وستشبه العلاقات العائلية الشبكة أو المتاهة. بالإضافة إلى أنه في عالم حيث الزواج ليس شرطًا أن يستمر، سيكون للنساء الحرية في تطليق أزواجهن؛ وبالتبعية مع الوقت سيفقد الرجال سلطتهم في المجتمع الذكوري.

تيثونس الذي عفا عليه الزمن

يقول الكاتب إن مثل تلك التكهنات ممتعة، وأغلبها يبعث على التفاؤل، فالوعد بحياة أطول وبصحة جيدة قد يجلب الكمال لحياة الإنسان، لكن تلك الرؤية للمستقبل تعتمد على شيء واحد، وهو شرط أن الحياة الطويلة تكون بصحة جيدة. على الإنسانية أن تتجنب الفخ الذي وقع فيه «تيثونس» الطروادي الذي مُنِح العمر المديد والحياة الأبدية، لكنه نسي تمني الشباب الأبدي والصحة معه. فانتهى به الحال مبتلى بحياة أبدية لا صحة فيها، وتقول الأسطورة إنه ذبل وتحول لاحقًا إلى حشرة السيكادا وتمنى الموت.

يثير الكاتب هنا الفخ الذي وقع فيه «تيثونس» لأن الأجسام بالأساس تطورت لتكون حاويات يمكن التخلص منها، هدف تلك الحاويات هو حمل الجينات من جيل لآخر. يصف علماء الأحياء ذلك بعبارة «الجسد غير قابل لإعادة الاستخدام». وهي عبارة لا تفسر الشيخوخة بشكلٍ عام فحسب، لكن أيضًا تشرح لماذا يتمتع الجسم بحماية في فترة الشباب من الخرف، والسرطان، ومشاكل القلب، والأوعية الدموية، والتهاب المفاصل، وغيرها، بينما تكتظ بها مرحلة الشيخوخة بمجرد أن تنتهي وظيفة الجسم في التناسل. حتى أن العقل الصحي السليم ربما تصيبه الشيخوخة بشكل سيئ، فالعقل هو عضو خُلِق ليحمل 70 أو 80 عامًا من الذكريات، ربما لن يصمد إذا عاش 150 عامًا.

ويؤكد ضرورة التوصل لعلاج كل تلك المشكلات والأمراض، إذا صار طول الحياة هو الروتين الطبيعي.

فعلى الرغم من أن الأبدية قد تبدو بعيدة المنال، صار طول العمر قريبًا من متناول أيدينا، فاحرص على إعداد قائمة طويلة للأشياء التي تريد فعلها قبل الموت.

المصدر