هذه حكايتي مع كورونا / محمد الأمجد ولد محمد الأمين السالم

0
55
????????????????????????????????????

 

قبل أن أسرد بصدق تام وصراحة متناهية هذه الحكاية المخيفة والتجربة الصعبة التي كانت خاتمتها بشرى اطمأن لها قلبي فحمد ت الله وشكرته على وافر فضله وجزيل نعمه.

لا بد أن أبدا بتوجيه شكر مستحق للطاقم الطبي الذي تعامل مع حالتي في كل من مستشفى الصداقة ومركز صباح الطبي الذي قضيت فيه فترة الحجر الطبي الاحترازي، فقد تميز الطاقمان بالأريحية وفي مركز صباح الخاص بهذا النوع من الحالات لقيت عناية قصوى تمثلت في جودة ورقي مكان الاحتجاز نظافة وتكييفا وتوفير كافة المتطلبات من فطور وغداء وعشاء وبمنتهى الرقي والجودة كما كان قياس درجات الحرارة وضغط الدم يجرى بانتظام هذا مع الخلق العالي والتواضع الجم من كامل أطباء وممرضي وعمال ذلك المركز فلهم مني كامل التقدير والشكر فهم -حقا – أبطال يسهرون على رعاية المجتمع

بداية عادية:

لم يكن لدي كثير معلومات عن فيروس كورونا المخيف حتى أيام وقع لي ما وقع وما ذلك بسبب البعد عن حقل الإعلام عموما وإنما لأنني كنت منشغلا في ترتيب بعص الشؤون الأسرية التي تتطلب الاهتمام والوقت ثم إنني ممن لا يتابعون من البرامج التلفزيونية والإذاعية إلا ما كان منها وثائقيا فقد أتابع بالكاد نشرة أخبار مقتضبة كل ثلاثة أيام أما الصحافة الألكترونية بمفهومها الواسع فرغم ارتباطي القوي بها كتابة وحتى عملا في بعض الأوقات فلا يهمني منها عادة إلا ما له ارتباط مباشر بعمل معين أقوم به وبهذا السبب قد يصدق في مثلي المثل الشعبي “ما يعلم بالشهر الين اعود كمر” هذا ما حدث لي فعلا مع هذا الفيروس يملأ الآن الدنيا ويشغل الناس.

الحكاية من البداية:

في صباح يم الخميس الماضي، وبعد عودتي من مدينة انواذيبو بأربع وعشرين ساعة تناولت الفطور، أنا وصديقين هما أحمد ولد الصديق ولد التقي والزميل محمد الأمين ولد مني في مقهى مغربي معروف يقع على الشارع المقابل للوحة شنكتل المنتصبة فوق بناية الملعب الألمبي

أحسست خلال تناول الفطور بالتعب وبعض الآلام في الرأس لكنني كنت أعتقد أنها سحابة تعب وتزول، بعد ما انفض جمعنا قررت أخذ قسط من الراحة في إقامة مريحة غير بعيدة يسكنها صديق لي و في حدود الساعة الواحدة والنصف استيقظت وأنا أشعر بحالة انهيار تام يتمثل في حمى شديدة وصداع لا يطاق وآلام تكاد تشل حركة الجسم، ألححت على صديقي بأن يأخذني لمنزل أحد إخوتي ففعل، ولأنني من المتعودين على حمى البلديسم منذ عشرين سنة كنت متيقنا بأن ماحل بجسمي لا يعدو بالديسم جاءت استجابة لبعض التعب والإرهاق كما هي عادته، أمرت الأخ بشراء بعض الأدوية التي تعودت على استعمالها في مثل هذه الحالات لكنه رفض بحجة أن حالتي حرجة ولا يجوز التعامل معها إلا باستشارة الطبيب ثم أردف قائلا إن مرفق الحالات المستعجلة بمستشفى الصداقة جيد ثم أخذني في سيارته إلى هناك كنت في حالة أقرب إلى الإغماء، وفي مدخل الحالات المستعجلة بمستشفى الصداقة استقبلني ممرضون طيبون وتم الاستلقاء الروتيني على السرير و”أعلكت الدك”وفي حدود الساعة الخامسة استيقظت وأنا في وضعية جيدة وبينما أنا أستعد لصلاة العصر موقنا بأن مابقي فعله هو أخذ وصفة الدواء والمغادرة نحو المنزل إذ دخل علي أحد الأطباء وبدأ في طرح بعض الأسئلة التي كان من ضمنها: هل التقيت هذه الأيام بأحد قادم من الصن أجبت بصراحة تامة ودون معرفة بمدلول السؤآل بأنني لقيت أمس أو أمس الأول صديقا قادما من الصين في منزله وهنا أنبه إلى الكذب البين الذي وقعت فيه بعض الصحف الألكترونية وبعض وسائل التواصل الاجتماعي ممثلة في بعض أشباه المدونين نتيجة نيات سيئة أو بسبب عدم المهنية والجهل حيث زعم هؤلاء إنني لما شعرت بالحمى خفت من التقصير في حق الوطن فقررت أن أتصل بالسلطات الصحية وأصرح لها بأنني قابلت شخصا قادما من الصين ثم أصبت بالحمى لتحتاط السلطات وتتصرف على ضوء هذه المبادرة الراقية التي قمت أنا بها هذا كذب وزور وبهتان ولا أساس له من الصحة ويلكم لا تفتروا على الله كذبا.

أما التزوير الأسوأ والأخطر والذي قصد البعض من ورائه الإساءة إلي فهو أن الموضوع من أصله كذبة قصدت أنا من ورائها إزعاج المجتمع وبث الرعب في قلوب الناس من أجل جني قسط من الشهرة ألا قاتل الله الكذابين وحشرهم في زمر المعذبين، كيف يشيع شخص أنه مصاب بفيروس قاتل من يصاب به يعزل عن المجتمع ويخافه الناس ولا يجالسونه

أعود إلى اللحظة الفارقة أي اللحظة التي كنت أستعد فيها لصلاة العصر ثم مغادرة المستشفى حيث دخل الطبيب على الخط وطرح على بكل لباقة أسئلة منها كما قدمت آنفا هل لقيت هذه الأيام قادما من الصين وكان جوابي ما بينت فوق من أنني زرت صديقا قادما من الصين في منزله ومن هنا بدأ الفصل المخيف من الحكاية فبمجرد حصول الأطباء على المعلومة المتعلقة بلقاء الصديق القادم من الصين دخل معي الأطباء في جو آخر: خوف وهلع

من الممرضين والممرضات الجميع أصبح في حالة طوارئ قصوى ارتدوا خوذات أو أقنعة تشبه خوذات الفرسان الرومانيين وقفازات وكمامات الكل يأخذ مني مسافة قلت لهم إنني سأغادر حدثوني عن بعد بأن ذلك مستحيل وبعد خمسة عشر دقيقة دخلت علي امرأة خلوقة قدمت لي نفسها بأنها المديرة المساعدة لمستشفى الصداقة وقدمت لي فريقا من الأطباء رفقتها وقالت لي: نحن لا نتهمك بالإصابة بفيروس كورونا لكن الاحتياط وحرصنا على حمايتك وحماية البلد يفرض علينا أن نجري لك فحوصا خاصة وعلى ضوء نتائجها يتم التعامل مع حالتك ولا داعي للقلق حاولت التخلص من قرار الحجز بشتى أدوات الإقناع ثم استسلمت لما قالوا لي إن الإجراء إجباري حتى لو اقتضى استعمال القوة العمومية لأنه يتعلق بالمصلحة العليا للبلد أستسلمت للواقع وقلت في نفسي أرضى بما قضى الله

أخذوا مني حقنة دم للفحوص وفي حدود السابعة طلبوامني ركوب سيارة إسعاف قالوا لي آنها ستنقلني لمركز صبا ح الطبي الذي سأبقى فيه حتى الحصول على نتائج الفحوص، طلبت منهم السماح لأخي بأن يوصلني في سيارته فرفضوا

في السجن الجميل:

في مركز صباح استقبلني فريق طبي انضم للطبيب المرافق وتم الحجر الطبي علي في حجرة مكيفة جيدة الإضاءة مع سرير أنيق. باختصار حجرة على درجة عالية من الجودة والتجهيز ثم “علكول دك” وبدات إجراءآت الفحوص التي كانت مؤلمة بدرجة لا تتصور وتلك الفحوص تحديدا هي إدخال”ركور” إلى الحنجرة عبر الفم وإدخال”ركو” في الأنف حتى لكأني أتخيله توغل في الدماغ لشدة الألم

أخبرني الفريق الطبي المرافق بإن أيا كان لا يمكنه زيارتي حتى تنتهي فترة الحجر الصحي وأن المركز يوفر الفطور والغداء والعشاء للمحجوزين وأعطوني أرقام هواتفهم وعبروا عن الاستعداد لكل خدمة أحتاجها وبالمناسبة فإنني لم أطلب منهم غير خدمة الشاي التي وفروها لي على شكل كاسات جاهزة فلهم مني كامل الشكر

هناك مسائل عايشتها في تلك الليلة واليوم الرهيبين نفسيا، منها أن المركز خال على عروشه مدة وجودي فيه رغم أسرته الجاهزة وأنواره الساطعة ومكيفاته الراقية ومياهه النقية الجارية ومنها أن الأطباء لا يدخلون علي إلا لإجراء قياس للضغط أو قياس درجة الحرارة ومنها ذلك الجهاز الذي يشبه المسدس الصغير الذي داوموا فحصي به كل عشرين دقيقة تقريبا

عانيت الوحشة والشعور بالغربة في ذلك المكان الذي شبهته بالسجن الجميل لكن جودة التغطية وسهولة ويسر التواصل مع الأهل والأحباب والأصدقاء آنستني وأنستني بعض الهموم التي حاولت أن تعصف بي في البداية ثم إن صروف دهر سابقة ومطبات قديمة مررت بها ساهمت في امتصاص هول الحدث وفزعه وكابوسه

ولما قلبت فكرى وراجعت نفسي وعدت بكل جزئية من جزئيات الحياة لأصلها تغير كل شيئ فعدت لملك الملوك مدبر شؤون الكون من فعله بين الكاف والنون فاطمأن القلب وتماسكت الأفكار ونطق لسان الحال: ما فعل الجليل فهو الجميل هكذا ا قضيت تلك الليلة وذلك اليوم الذين كادا أن يكونا مثل ألف سنة مما تعدون

وفي المساء وفيما بين التاسعة والعاشرة تحديدا جاءتني بشارة البشارات إذ دخل علي أحد أعضاء الفريق المداوم وقال يا أمجد أبشر النتائج جاءت من معهد الباستير وأكدت بأنك لست مصابا بفيروس الكورونا إنما هي نوبة من نوبات البالديسم فحمدت الله وعدت إلى المنزل لأواصل الرحلة الاعتيادية مع زائرة المتنبي

وفقنا الله وإياكم وحمانا وحماكم من كل مكروه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

المصدر